باحثة سعودية: الخلايا الجذعية علاج واعد لـ “كوفيد-19”
لا يزال مرض فيروس كورونا (كوفيد -19) يثقل كاهل المجتمع في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن معظم المرضى تصنف إصاباتهم على أنها خفيفة أو معتدلة، إلا أن الإصابات الحادة تبقى خيارات علاجها محدودة. لذلك تعتمد مكافحة (كوفيد -19) بشكل كبير على تجديد الأنسجة التالفة للرئة وعلاج الالتهابات. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى الخلايا الجذعية اللحمية الوسيطية Mesenchymal stem cells (MSCs) التي يمكن استخراجها من أجزاء مختلفة من الجسم. وقد أجريت منذ بداية عام 2020، العديد من التجارب لاختبار فعالية الخلايا الجذعية على المرضى المصابين بفيروس COVID-19 الحاد، وقد أسفر معظمها عن نتائج واعدة.
في مقال مراجعة سينشر في عدد شهر ديسمبر القادم من دورية (Regenerative Therapy) العلمية، قامت الباحثة السعودية الدكتورة أسماء خلف العنزي من كلية الطب بجامعة الملك سعود لعلوم الصحة بالرياض بتقديم أربع دراسات إكلينيكية استخدمت فيها الخلايا الجذعية الوسيطية لمعالجة إصابات الكوفيد-19، وتقييم نتائجها.
وقد أثبتت هذه الدراسات وفقا للباحثة، أن نسبة الوفيات انخفضت بحوالي 50 بالمائة لدى المرضى الذين تلقوا عن طريق الوريد حقنات من الخلايا الجذعية.
بحسب الدراسة فإن الأعراض الرئيسية التي تهدد الحياة بسبب الإصابة بفيروس تنجم عن خلل في نظام المناعة، حيث يؤدي الإطلاق المتتالي لبروتين السيتوكين، والذي يُطلق عليه اسم عاصفة السيتوكينات (cytokine storm)، إلى حدوث التهاب رئوي حاد. لذا يحتاج مرضى متلازمة الضائقة التنفسية الحادة إلى علاج أكسجين عالي التدفق، وعناية مركزة. وحينها تبدأ عاصفة خلوية، تكون مصحوبة بمناعة نسيجية أكثر عدوانية، مما يؤدي إلى زيادة تلف الأنسجة.
ينتهي الأمر بنسبة مئوية من مرضى متلازمة الضائقة التنفسية الحادة الناجمة عن فيروس كورونا، إلى فشل أعضاء متعددة وموت مرتبط بالضرر الذي لحق بالعاصفة الخلوية. وقد تم الإبلاغ عن معدل وفيات المرضى المصابين بـ COVID-19 و ARDS بنسبة 52.4%. بالنسبة للمرضى الذين نجوا من هذه المضاعفات التي تحدث بسبب الضعف العصبي العضلي، والاعتلال العضلي، وتليف الرئة. ويمكن أن تستمر هذه الآثار لمدة تصل إلى خمس سنوات بعد التعافي من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة، مما يؤدي إلى زيادة استخدام الرعاية الصحية وتكلفتها.
وتعتبر الخلايا الجذعية اللحمية الوسيطية خلايا متعددة القدرات قادرة على التجدد الذاتي، يتم عزلها من نخاع العظام والأنسجة الدهنية والحبل السري والمشيمة، ويمكن أن تؤدي إلى ظهور خلايا فريدة أو متباينة. وقد أثبتت الدراسات فاعليتها في التخفيف من فرط نشاط المناعة والالتهابات، وفي تجديد الأنسجة في أمراض المناعة الذاتية لمرض السكري من النوع 1 والاضطرابات الالتهابية.
ناقشت الباحثة السعودية في هذه الورقة نتائج أربع دراسات جديدة أجريت في الصين والولايات المتحدة وإيران، توصلت إلى استنتاجات واعدة للغاية. وهي تعتبر منطلقا لمزيد من الأبحاث حول اختبار فعالية الخلايا الجذعية الوسيطية في علاج المرضى المصابين بالكوفيد-19.
ففي الدراسة التي أجريت في مستشفى YouAn في بكين في الصين، تم إعطاء الخلايا الجذعية الوسيطية للمرضى الذين يعانون من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة. وضمت العينة سبعة مرضى لديهم مستويات مختلفة من شدة المرض وتلقى ثلاثة من المرضى من بين الذين ظهرت عليهم أعراضا حادة، علاجا وهميا. قام الباحثون بمتابعة المرضى لمدة 14 يوما بعد تلقي العلاج أو إعطاء الدواء الوهمي. أظهر جميع المرضى تحسنا كبيرا في غضون فترة تتراوح بين يومين و4 أيام بعد تناول الخلايا، بما في ذلك في الأعراض السريرية (السعال والحمى ومعدل التنفس المرتفع) وفي مستوى تشبع الأكسجين.
ورغم إقرار المؤلفين بالحاجة إلى معلمات أكثر أهمية في التجارب السريرية المستقبلية وصغر حجم العينة، إلا أن هذه الدراسة تسلط الضوء على قدرة الخلايا الجذعية الوسيطية في تخفيف عاصفة السيتوكين مما يشير إلى إمكانية اعتبارها كنهج علاجي محتمل.
أما التجربة الثانية فقد أجريت في ميامي فلوريدا على 24 شخصا (موزعين على مجموعتين متساويتين واحدة للعلاج وأخرى للتحكم) لغرض اختبار سلامة العلاج باستخدام الخلايا الجذعية اللحمية الوسيطية وفعاليته لدى مرضى الكوفيد-19 المصابون بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة.
تلقى الأشخاص في مجموعة العلاج دفعتين من الخلايا في الوريد في اليوم الأول والرابع من التجربة، ولاحظ الباحثون أن جميع الأشخاص في مجموعة العلاج قد تراجعت لديهم مستويات السيتوكينينات الالتهابية بشكل كبير.
وفي إيران أجريت دراسة العام الفارط على 11 مريضًا تم تشخيص إصابتهم بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة الناجمة عن الكوفيد-19 وتم إدخالهم إلى وحدات العناية المركزة. كان الغرض هو اختبار السلامة وتحديد الأعراض الجانبية المحتملة بعد زرع الخلايا الجذعية الوسيطية. خلال التجربة تلقى المرضى الذين كانوا في حالة حرجة ثلاث دفعات من الخلايا في ثلاثة أيام. لاحظ الباحثون انخفاض ضيق التنفس لدى سبعة من المرضى خلال الأربعة أيام الأولى من التجربة وخرج ستة منهم من العناية المركزة في الأسبوع الأول منها. في المقابل سجلت وفاة الخمس حالات المتبقية خلال 19 يوما منذ إعطاء أول علاج.
هذه الدراسة لها حدود، كما تقول الباحثة السعودية، بسبب قلة عدد المرضى وغياب مجموعة التحكم، مما حد من قدرة الباحثين على مقارنة دور وحدة العناية المركزة ووفيات الحالات المعالجة بالخلايا الجذعية مع مرضى مشابهين.
وفي دراسة هي الأولى من نوعها أجرى باحثون من جامعة نيو يورك تجربة سريرية على 24 مريضا مصابا بفيروس كورونا المستجد تم إعطاؤهم الاكسوزومات أو الحويصلات خارج خلوية (Exosome) مشتقة من الخلايا الجذعية السرطانية عن طريق الوريد لمرضى الكوفيد-19. تعافى 17 من المرضى ولكن ظل 3 منهم في حالة حرجة وتوفي 4 آخرون لأسباب لا علاقة لها بالعلاج.
قبل هذه الدراسة، كانت الاكسوزومات خيارا علاجيا غير مستكشف لعلاج الكوفيد-19 وقد أجريت الدراسات قبل السريرية لهذه الإكسوسومات المشتقة من العظام أجريت عن طريق الوريد في نماذج حيوانية عانت من إصابة رئوية حادة، ومتلازمة الضائقة التنفسية الحادة، والربو، وأمراض التهابية أخرى، مع نتائج ناجحة. وتفتح هذه الدراسة الجديدة الباب أمام استخدام هذا العلاج لدى مرضى الكوفيد-19، مما يبرر إجراء مزيد من الدراسات السريرية للتحقق من سلامة وفعالية هذا العلاج، وفقا للباحثة.
تقول الباحثة إن نتائج هذه الدراسات تعطي الأمل في أن الخلايا الجذعية الوسيطية يمكن استخدامها لعلاج إصابات الرئة المرتبطة يالكوفيد-19 عبر خفض المؤشرات الحيوية الالتهابية الرئيسية ومن خلال تحفيز زيادة السيتوكينات المضادة للالتهابات، مما يفتح المجال لاستخدامها في علاج الأمراض الرئوية التي يسببها الكوفيد-19 . لكن لا تزال هناك حاجة لإجراء مزيد من التجارب السريرية على عدد أكبر من المرضى قبل التحقق من أن الخلايا الجذعية الوسيطية هي علاج فعال للجائحة المستمرة منذ ما يقرب عن سنتين أدت إلى ما يقارب من 245 مليون إصابة وخمسة ملايين وفاة.