تكنولوجيا طبية

“الجراحة غير العدائية”.. أحدث علاج لإصابات العمود الفقري

ابتكر باحثون في مستشفى جامعة “جورج تاون” بالولايات المتحدة تقنية جديدة لعلاج إصابات العمود الفقري، دون إحداث ضرر بالعضلات والأنسجة، يُطلق عليها اسم “الانشطار الجانبي” عبر الجسد، وهي المعروفة اختصارا بـ”إكس ليف” (X lif) وتقتضي هذه التقنية إحداث فتحة صغيرة في جانب القرص أو الفقرة المسببة للألم.

وتُستخدم في التقنية الجديدة أشعة “إكس” لتوجيه أنابيب نحو العمود الفقري، بواسطة أدوات خاصة تتيح تجنب إلحاق أي ضرر بالعضلات والأنسجة، حيث تُركز الأنابيب في موضعها باستعمال ذراع صناعية لينة تتيح للجرّاح شطر العمود الفقري. وتتيح هذه التقنية إجراء جراحة معقدة بأقل تدخل ممكن، وتتراوح فترة النقاهة ما بين 4 أسابيع و6 أسابيع، بدلا من 12 شهرا في العمليات التقليدية.

ويُشار إلى أن ملايين الناس في العالم يعانون آلاما مزمنة في الظهر، ويضطر عدد كبير منهم سنويا للخضوع لعمليات جراحية مؤلمة، ولكن التقنية الجراحية الجديدة باتت تعد المرضى بألم أقل وفترة نقاهة أقصر.

“الجراحة غير العدائية”

جاء ذلك فيما توصل الدكتور مارسيل مايا، اختصاصي أشعة الأعصاب بـ”مركز سيدارز سايناي” بالولايات المتحدة، إلى حل لمشكلة ترقق العظام وكسور العمود الفقري، عن طريق جراحة تُعرف باسم “الجراحة الفقارية غير العدائية”، عن طريق قالب خاص في العمود الفقري، وأثبتت تلك الجراحة نجاحا كبيرا.

ويعاني أكثر من 25% من النساء في مرحلة انقطاع الحيض من كسور في العمود الفقري نتيجة ترقق العظام لديهن، وتتسبب هذه الكسور في آلام مبرحة في الظهر لدرجة أن “عطسة واحدة” قد تكون كافية أحيانا لكسر عظمة في جسد سيدة عجوز.

وينصح الخبراء بتناول الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على “الكالسيوم” من أجل تقوية العظام، ويرى الدكتور مارسيل أن كسر إحدى فقرات العمود الفقري هو نتيجة طبيعية لترقق العظام، حيث تصير العظام مثل الزبدة أو أية كتلة رخوة.

وحتى فترة قصيرة كان على المرضى الاستلقاء على الفراش أشهرا عدة كي يلتئم الكسر، لذلك قام الدكتور مارسيل بإجراء “الجراحة الفقارية غير العدائية”، وخلالها يقوم الطبيب بوضع مخدر موضعي قبل إعطاء “إبرة” عبر فتحة في الظهر ويحقن عبرها مادة “إكريليكية” لتثبيت الفقرة المنهارة.

أمراض الحضارة

تعد أمراض العمود الفقري من أكثر الأمراض انتشاراً خلال الأعوام الأخيرة، كما أنها تتسبب في خسائر مالية فادحة لقطاع الاقتصاد، ويوفر التطور السريع في التقنية الطبية إمكانات جديدة لعلاج هذه الأمراض المستعصية، حيث يعتبر الأطباء الانتشار المتزايد لأمراض الجهاز الحركي بصورة عامة، وأمراض العمود الفقري خصوصاً، دليلاً جديداً على انتشار نوع جديد من الأمراض الناتجة عن تغيير طبيعة الحياة يسمى ”أمراض الحضارة”.

ويُرجع غالبية الأطباء الارتفاع المضطرد في حالات الإصابة بأمراض العمود الفقري إلى نقص الحركة، وسوء التغذية، إضافة إلى السمنة المفرطة، ومن بين أمراض الجهاز الحركي الأكثر انتشارا وخطورة: الخشونة وهي جفاف السائل المغذي الموجود في تجويف المفاصل ”الديسك”، والانزلاق الغضروفي وهو انزلاق الجسم الفقري الذي يؤدي إلى ضغط على الحبل الشوكي يسبب آلاما حادة في أسفل الظهر، إضافة إلى التهابات في الأعصاب المحيطة بالفقرات المصابة)، والهشاشة وهي نقص الكالسيوم في العظام الذي يؤدي إلى ضعفها وتعرضها للكسر بسهولة، وهو مرض يمكن مراقبته لدى الكبار في السن وعند غالبية النساء بعد فترة انقطاع الطمث.

وتؤكد الدراسات أن حالات الانزلاق الغضروفي من أكثر الأمراض انتشارا وخطورة، لأنها يمكن أن تؤدي في أسوء الحالات إلى الشلل الكامل، وفضلاً عن ذلك فإن حالات الاختناق (ضيق القناة الفقرية) الناتجة في أغلب الحالات عن ترسبات العضوية والتهابات بكتيرية، تسبب آلاماً حادة للمرضى تعيق قدرتهم على الحركة.

“الغضروف الإصطناعي”

تختلف طريقة علاج إصابات العمود الفقري من حالة إلى أخرى وفقاً لأسباب الإصابة وطبيعة جسم المريض والتقنية المستخدمة في العلاج، وغالباً ما تستعمل طرق عدة في علاج مثل هذه الحالات، بداية بالعلاج الطبيعي المحافظ (غير الجراحي) بهدف تقوية العضلات المحيطة بالفقرات من أجل مساعدتها على تحمل الضغط عليها، ومروراً بتقويم العمود الفقري والحقن الموضعي للعمود الفقري، وانتهاءً بالعلاج الجراحي.

وتتطلب الحالات المعقدة التدخل الجراحي، حيث تلعب التقنية الطبية الحديثة دوراً مهماً لإزالة العوائق الضاغطة على الأعصاب، وشهد مجال “الجراحة المجهرية للأقراص الفقرية” تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، حيث تم تطوير ما يسمي “بالغضروف الإصطناعي” كبديل للغضروف المصاب في الفقرات العنقية من العمود الفقري.

وتعد هذه التقنية من أحدث أنواع العلاجات الفقرية في العالم، وقد بدأ العمل بها منذ 4 سنوات فقط، وتتميز بالتنوع من حيث تركيبها والمواد المستخدمة في صناعتها، إلا أن المادة الأكثر استعمالا بين هذه المواد هي مادة “التيتانيوم” القادرة على التكيف مع ظروف الضغط المرافقة لعمل الفقرات، والمشكلة الوحيدة لهذه التقنية أنها عالية الكلفة.

وهناك تقنية أخرى حديثة في علاج أمراض العمود الفقري تركز على استخدام الجراحة المجهرية في المناطق الحساسة، مثل منطقة العنق والمنطقة القطنية والتشوهات المعقدة في العمود الفقري عموماً، حيث يعتمد العلاج على تطور وسائل التشخيص مثل طريقة “الرنين المغناطيسي” المستخدمة في تشخيص أمراض المفاصل.

وحول هذه التقنية يؤكد الدكتور “ماركوس رشتر” – رئيس المركز الطبي لعلاج أمراض العمود الفقري بالولايات المتحدة – على ضرورة التركيز على استخدام الحاسوب في العمليات الجراحية، من أجل تخفيف العبء الجسدي على المرضى والتقليل من المخاطر المرافقة لهذه العمليات، مشيرا إلى أن الجراحة المجهرية شهدت طفرة هائلة في الآونة الأخيرة.

لغز “الزوائد العظمية”

من الأمور التي لاقت اهتماما كبيرا لدى العلماء والباحثين في الفترة الأخيرة، تلك المرتبطة بظهور “الزوائد العظمية” لدى بعض الأشخاص بعد إتمام العلاج من الكسور، حيث باتت لعزا محيرا لدى أطباء واستشاريي العظام في العالم، الذين لا يعرفون حتى الآن سببا علميا يفسر كيفية بروز تلك الزوائد، وفي نفس الوقت لا يجدون علاجًا لها إلا عن طريق إجراء عملية جراحية أو العلاج بالأشعة.

وتؤكد الدراسات الطبية التي أجريت مؤخرًا في مجال “الزوائد العظمية” أنها تحدث لدى ما يقارب 25% من الذين أصيبوا بكسور في العظم، وتصل هذه النسبة إلى 63% لدى الجنود المصابين في حوادث في ميدان المعركة، وهذه الزوائد تسبب ألمًا شديدًا للأشخاص الذين تعرضوا لحوادث سير أو غيرها من الحوادث المؤلمة.

ولعل الحل الوحيد لعلاج مثل هذه البروز العظيمة هو التدخل الجراحي أو العلاج بالأشعة، كما تقول جرّاحة العظام الدكتورة إريكا ميشيل – من جامعة “فندربريت” الأمريكية- التي تؤكد أنها ستحاول خلال الأعوام الثلاثة المقبلة فهم الرابط الجيني لهذه الظاهرة، والتعمق في “بيولوجيا العظام” من أجل التوصل إلى علاجات أفضل من الحالية.

ووفق موقع جامعة “فندربريت” فإن الدكتورة إريكا حصلت على منحة من وحدة البحوث الطبية بالجيش الأمريكي بقيمة 1.3 مليون دولار، لإجراء أبحاث تهدف إلى معرفة أسباب نمو خلايا العظام بصورة عشوائية، بعد حوادث كسر أو بتر الأطراف التي يتعرض لها الجنود أثناء وبعد عملية التئام العظام المكسورة، والتي تزيد بين الجنود بنسبة أكبر من النسبة التي تظهر بها لدى المواطنين العاديين.

ولم تؤكد الدراسات حتى الآن السبب الحقيقي وراء ارتفاع هذه النسبة، إلا أن البعض يشير إلى وجود صلة بين حدوث صدمة نفسية أوضغوط تحدث نتيجة التوتر الذي يتعرض له الجنود في ميدان المعركة، وبين ارتفاع نسبة ظهور هذه “الزوائد العظمية” لديهم، إلا أن الدكتورة “اريكا” تشكك في هذا الاحتمال،مؤكدة أنه ليس كل من تعرض لصدمة أو ضغوط تظهر لديه زوائد بصورة أكبر، ومشيرة إلى تشككها في وجود سبب وراثي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى