الحكيم

“رمز الإنسانية وضمير الأطباء”.. عبد الرحمن الزاكي طبيب فقراء السودان

مثل الطبيب السوداني الراحل “عبد الرحمن الزاكي”، (مستر الزاكي) استشاري جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري، مثالاً ناصعاً لهذه الفئة من الأطباء التي تتخذ الطب مهنة إنسانية، وترفض جني أموال الغلابة جراء تطبيب جراحهم وتسكين آلامهم. وقد خلّف رحيل “الزاكي”، موجة ألم شديدة، وكشف رواد عيادته، عن حكايات إنسانية مؤثرة عن مع طبيبهم الراحل.

عرف عن الجراح “عبد الرحمن الزاكي” في السودان بأنه طبيب الفقراء والمعدمين، وتمتع على الدوام بأخلاق الفرسان كما أظهرت القصص والحكايات بعد رحيله بالخرطوم الأربعاء الماضي.

مبادرة العلاج المجاني

ويذكر الكاتب السوداني عادل بدر بصفحته الشخصية بموقع “فيسبوك” أن الطبيب الراحل عبد الرحمن الزاكي، صك أنموذجاً فريداً، في دعم مرضاه، حيث قام بتصميم دفتر وصفات طبية “روشتات” بلون معين، وعندما يكتب وصفة العلاج “روشتة” في ورقة بذلك اللون، فهذه إشارة خفية إلى الصيدلي بصرف الدواء مجاناً، ويتم تقييد المبلغ المطلوب على الحساب الشخصي للدكتور “عبد الرحمن الزاكي”، ليقوم بتسديده بنفسه للصيدلية، وحرف (F) والذي يرمز لمجانيته مكتوب على العديد من كروت المرضى، وهي تعليمات للاستقبال ولعم الدومة، المسؤول عن تنظيم الدخول للعيادة ومعلومة للجميع.

ولا تقف المساهمات الإنسانية للدكتور عبد الرحمن الزاكي عند إجراء العمليات الجراحية دون مقابل، إنما تمتد حتى لدفع أجرة الغرفة وثمن العلاج للمرضى.

“بنك الثواب”

ظلت عيادة الدكتور عبد الرحمن الزاكي مفتوحة أمام الجميع، وكثيراً ما تبنى علاج حالات معلنة، كانت ترد على البرنامج التلفزيوني الشهير “بنك الثواب“، ويرفض بشدة ذكر اسمه.

وهنا روى “الدومة صديق عبدالمنان”، الشخص المسؤول عن تنظيم دخول المرضى داخل عيادة الدكتور الزاكي، تفاصيل مؤثرة للطبيب الراحل، مؤكدا إن “نصف المرضى يتلقون العلاج مجاناً. ولو قابل الدكتور الزاكي 20 مريضاً باليوم الواحد، فنصفهم أو يزيد يحظون بمقابلة مجانية أو يأمر بإعادة قيمة الكشف لهم”، ويضيف “الدومة: “أنا عملت معه منذ العام 2007م وشهدت بنفسي علاج مرضى وإجراء عمليات مجاناً”.

إنسانية فريدة

وفي هذا السياق صرحت الطبيبة السودانية، إحسان فقيري لموقع العربية نت قائلاً: “كان الدكتور عبدالرحمن الزاكي يبادر بسؤال المريض عن عمله، وعليه يقرر ماذا يفعل. ولا يكتفي بالتنازل عن أجره فحسب، بل كان يسعى بجد وإخلاص لإقناع إدارة المستسفى للحد من قيمة العملية لأقصى قيمة ممكنه”.

ووفقا للدكتورة إحسان فقيري فإن الطبيب الراحل أجرى عمليات لا تحصى ولا تعد مجاناً دون مقابل، رغم تكلفتها الباهظة، وأحياناً كان يدفع حتى قيمة أجرة السيارة التي تعيد المرضى إلى منازلهم بعد انتهاء فترة العلاج.

وتؤكد الطبيبة السودانية أن الدكتور الزاكي –عليه رحمة الله- كان يتمتع بإنسانية فريدة، فضلا عن الزهد والإيثار، حتى إن أحد أصدقائه المقربين فوجئ بأنه لا يملك حساباً مصرفياً لأزمان طويلة، لأنه كان ذا نزعة اشتراكية تبغض اكتناز الأموال، لقد كان نطاساً بارعاً – مدقق فِي الأمورِ- يداوي النفوس والأجساد، واشتهر بتواضعه الجم ومجالسته للبسطاء والمستضعفين دون تكلف أو رياء.

الأدوار الوطنية

وطنية الدكتور عبد الرحمن الزاكي فهذا مجال آخر، فالرجل ذو مواقف مشرفة بحق البلاد والأطباء ونقاباتهم، وهب نفسه للناس وهو القائل: (جئت للسودان لأنقذ أحدهم من موت يمكن تجنبه) وقد أنقذ المئات بالفعل.

وفي هذا السياق واجه الطبيب الراحل الكثير والكثير من الضغوط إبان حكم الرئيس السوداني الراحل جعفر نميري (1969-1985) بعد عودته من الاتحاد السوفيتي آنذاك. حتى اضطر للهجرة إلى ليبيا للعمل هناك. كانت لديه أدوار وطنية مشهودة، وتأثر بشدة لاستشهاد صديقه أحمد القرشي الذي قُتل برصاص الشرطة إبان ثورة أكتوبر 1964 بالسودان، ضد حكم الرئيس إبراهيم عبود (1958-1964).

كان الدكتور الزاكي وعبر مستشفيات عدة عمل بها في السودان (المستشفى الصيني، مستشفى تقى، مستشفى وعد) هو عقل ومصدر فخر لهذه المستشفيات وقد لاحظ فيها من تعامل معه المحبة المطلقة من الجميع للرجل، وفي حياته الاجتماعية كان الزاكي مثال للوفاء والمحبة .

وبرحيل الجراح السوداني الكبير الدكتور عبد الرحمن الزاكي، إنهار ركن ضخم بمهنة الطب في هذا البلد الطيب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى