الحكيم

أبو مروان عبد الملك.. صاحب السبق فى الفصل بين الطب والصيدلة

بلغ الطب العربي مبلغه فى دولة الأندلس, خلال القرن الثاني عشر الميلادي, أي فى ذلك العصر الذي كان يموج بالفلاسفة, حتى غدا كل فيلسوف طبيباً, وكل طبيب فيلسوفا, وسمعنا من هؤلاء: الداني, وابن باجة, وابن طفيل, وابن رشد. بيد ان زعامة الطب فى ذلك العصر عقدت لبنى زهر, ومنهم أبو مروان عبد الملك بن أبي بكر محمد بن زهر, الذي زار القيروان وبغداد ومصر التي قضى فيها زمناً يطيب بها. توفي في مراكش سنة 557هـ.

وكان أبو مروان بن أبي العللاء ابن زهر يرى انه لا ينبغي للطبيب ان يقوم بتحضير الأدوية, فسبق بهذا الرأي, إلى مفهوم الطب الحديث من فصل الجراحة والطب الباطني عن الصيدلة, وقد احتاج عبد المؤمن بن على, رأس الدولة الموحدية بمراكش إلى مسهل, ةكان يكره تناول الأدوية, فتلطف له ابن زهر فى ذلك , واتى كرمة فى بستانه, فجعل الماء الذي يسقيها به ماء قد أكسبه قوة أدوية مسهلة بنقعها فيه, او بغليها منه, ولما تشربت الكرمة قوة الأدوية المسهلة التى أرادها, وطلع فيها من العنب, وله تلك القوة أحمى الخليفة, ثم أتاه بعنقود منها, واشار عليه أن يأكل منه, وهى تخدمك عشر مجالس..” فاستحسن منه فعله هذا وتزايدت منزلته عنده..”.

وقد صرف عمله إلى الطب الباطني, والف فيه كتاب (الاقتصاد), ويقول رينو: انه عبارة عن تذكرة لمن سبق له ان قرأ كتبا أخرى فى الطب, فالمؤلف لا يتكلم مع العموم, ولكن مع طبيب مثله, وقد أوضح بكيفية عملية الفرق بين الجذام, والبهاق, ومسألة العدوى.., وقد تحدث ابن زهر فى هذا الكتاب عن أطباء عصره, فذكر أنهم يختلفون فى الاعتناء بالمرضى, وأن الناس يجهلون له دواء من الأدوية دون تمحيص للحالة في جميع خواصها..”.

وكتب كتباً أخرى في الأغذية والأدوية, كما في (التيسير) كتابا أهداه إلى ابن رشد, وتتجلى فيه شخصية ابن زهر, ويعتبر من خير ما ألف العرب في الطب العملي, فقد تحرر فيه من كل ما تقيد به غيره من آراء نظرية, وهو يأخذ فيه بما تؤدى إليه الملاحظة المباشرة.

“ويبدو انه نهج في هذا الكتاب أسلوبا جديداً فى الحكمة القياسية, مستخدماً التمحيص العقلي للوصول إلى أحسن النتائج, فهو طبيب التجربة والتمحيص العلمي, وليس من صناع اليد, كما يقول في (التيسير), أما في الميدان العملي,, فقد كان يأنف من إجراء العمليات الجراحية الكبرى بنفسه, لان رؤية الجروح تثير فى نفسه ضعفاً يوشك أن يسفر عن إغماء, ولكنه لا يكره تحضير الأدوية غير مستعمل الخمر فى تركيبها على سنن والده أبى العلاء, حتى ولو أوصى بذلك جالينوس على خلاف الرازي..”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى