*د. هانى سليمان يكتب: نظرية الأخلاط.. المفهوم والفائدة الصحية
نظرية الأخلاط أو المزاجات أو الطبائع الأربعة The four humors نظرية طبية وضعها الطبيب اليوناني الشهير أبقراط (وُلِدَ حوالي 460 ق م – تُوفيَ حوالي 370 ق م)، والذي أسماه العرب “أبو الطب”، وطورها الطبيبب اليوناني أيضا جالينوس (129 – 216)، والذي أسماه العرب “ثاني الفاضلين”، وأضاف إليها الكثير من الأطباء القدامى بما فيهم الأطباء العرب والمسلمون.
تم اعتماد هذه النظرية قديما واستعملها الأطباء اليونانيون والرومان والفرس والعرب، وأصبحت وجهة النظر الأكثر شيوعا للجسم البشري بين الأطباء الأوروبيين حتى ظهور البحوث الطبية الحديثة في القرن التاسع عشر.
الأخلاط الأربعة كما وصفها أبقراط هي السوداء أو السوداوية (Black Bile)، الصفراء أو الصفراوية (Yellow Bile)، البلغم أو البلغمية (Phlegm)، والدم أو الدموية (Blood)، وافترض أبقراط أن الجسم البشري يتكون من هذه الأخلاط أو المكونات أو السوائل بكميات متساوية أو متناسقة، وان صحة الجسم تنشأ من تساوي وتوازن وقوة هذه الأخلاط فيما بينها، ما يعرف باسم “استواء الأخلاط”، فإذا زاد أو نقص خلط منها بالنسبة لبقية الأخلاط، نشأ المرض وظهرت أعراضه على الجسم.
وبناءً على الطب الأبقراطي يتوافق كل خلط مع أحد المزاجات الأربعة التقليدية، فالناس الذين يسود فيهم خلط الدم ودودون وطيبون ومبتسمون ويتصفون بالبساطة وأحيانا السذاجة، والناس ذوو الصفراء أذكياء فطنون وجريئون لكنهم قد يكونون أكثر مرارة وسريعي الغضب، والناس المكونون من السوداء صابرون مثابرون لكنهم أحيانا كسولون ومتقاعسون، والناس الذين يسود فيهم البلغم كئيبون وكثيرو النسيان ويشيخون بسرعة.
اعتقد جالينوس أن الأخلاط تتشكل داخل الجسم، ولا تدخل إليه من الخارج، وقال إن الأطعمة المختلفة لها إمكانات متنوعة في تحريض الجسم على إنتاج الأخلاط المختلفة، فتميل الأطعمة الدافئة إلى إنتاج الصفراء، وتميل الأطعمة الباردة إلى إنتاج البلغم، كما تؤثر أيضا فصول السنة والفترات العمرية والمناطق الجغرافية والمهن على طبيعة الأخلاط المتشكلة.
كان يُعتقد في الماضي أن الكبد هو مركز إنتاج الدم، فعزوا إليه الخلط الدموي، وعزوا الخلط الصفراوي إلى المرارة، والخلط البلغمي إلى الرئة، والخلط السوداوي إلى الطحال.
أشار جالينوس إلى التوافق بين الأخلاط وعمر الإنسان وفصول السنة، فقال أنه بالنسبة للأعمار والفصول، يتوافق الطفل مع الربيع لأنه ذو خلط دموي لطيف، والشاب مع الصيف لأنه ذو خلط صفراوي حاد، والناضج مع الخريف لأنه ذو خلط سوداوي هادئ، والمسن مع الشتاء لأنه ذو خلط بلغمي كئيب.
ربط جالينوس أيضا الأخلاط بالعناصر الأربعة للحياة، كما صورتها الأفكار الفلسفية الإغريقية، وهي الماء والهواء والنار والأرض، فقال إن الخلط البلغمي مستمد من الماء، والخلط الدموي مستمد من الهواء، والخلط الصفراوي مستمد من النار، والخلط السوداوي مستمد من الأرض.
اقترح “روبين فاهروس” عام 1921، وهو طبيب سويدي ابتكر طريقة ترسيب الدم، أن الأخلاط الأربعة استندت إلى ملاحظة تخثر الدم في وعاء شفاف، فحين يُسحب الدم ويوضع في وعاء زجاجي ويُترك لساعة واحدة، يمكن رؤية أربعة طبقات مختلفة في الوعاء، فتتشكل خثرة سوداء في الأسفل (السوداء)، وتتشكل فوقها طبقة من كريات الدم الحمراء (الدموية)، يليها للأعلى طبقة بيضاء من كريات الدم البيضاء (البلغم)، ويطفو في الأعلى مصل رائق أصفر (الصفراء).
آمن الأطباء العرب والمسلمون زمن الحضارة الإسلامية بنظرية أبقراط وجالينوس، وقال ابن سينا (980 – 1037) الملقب بـ”الشيخ الرئيس”، أن الدم في الحقيقة مزيج من الأخلاط الأربعة، وأن زيادة خلط فيه قد يؤدي إلى حدوث المرض واعتلال الجسم، وأكد أن عملية الفصد (bloodletting) أو إخراج الدم الزائد أو الدم الفاسد من الجسم، يؤدي إلى شفاء كثير من الأمراض التي تصيب الجسم.
إخراج الدم الزائد أو الدم الفاسد هو أساس العلاج عن طريق الحجامة (Hijama – Wet Cupping) التي تمارسها الشعوب منذ قدم التاريخ، في آشور (العراق) ومصر والصين والهند وفارس وتركيا ودول جنوب شرق آسيا وغيرها من شعوب العالم القديم، وتمارس الآن في كثير من بلاد العالم، بما فيها أوروبا وأمريكا واليابان.
هناك طرق كثيرة محتملة لعمل وتأثير العلاج بالحجامة، قال بها الأطباء القدماء وأضاف إليها الأطباء المحدثون، وهذا هو موضوع مقالنا القادم بإذن الله.
* استشاري الأمراض الجلدية والتناسلية مدير التسويق لشركة فايزر الشرق الأوسط سابقا مدير معهد التدريب القومي بوزارة الصحة المصرية سابقا