صيدلية الشفاء

فريق علمى من جامعة بازل يعمل على تحويل الخلايا السرطانية إلى خلايا دهنية غير قادرة على الانتشار

قام فريق بحثي مكون من ثلاثة عشر باحثاً من قسم العلوم الطبية الحيوية في جامعة بازل بسويسرا بقيادة البروفيسور جيرهارد كريستوفري Gerhard Christofori بدراسة تمت على حيوانات التجارب لتحويل خلايا سرطان إلى خلايا دهنية ومن ثم منع انتشارها.  فقد أثبت الفريق قدرة كلا من عقار Rosiglitazone  وهو علاج لمرض السكر وعقار Trametinib  وهو علاج لسرطان الجلد الذي يحمل طفرة BRAF – V600E من خلال استهداف بروتينات التضاعف MEK1 و MEK2 ليمنع  دورها في تضاعف الخلايا السرطانية. لكي يحيا الورم وينتشر، يحتاج إلى العديد من الإجراءات الماكرة لكي يأقلم نفسه مع الجسد بحيث لا يتعرف عليه كجسم غريب، ثم ينقلب على الجسد ليستفيد منه ويشل حركته تماماً ليتهيأ له المكان يرتع فيه كما يشاء. ولذلك تقوم الخلايا الورمية بتعاون وتفاهم وتكامل تام للحفاظ على كينونتها الورمية الماكرة.

ولذلك يطلق على السرطان منذ عقود طويلة بالمرض الخبيث، نظرا لقدرة الخلايا السرطانية على النمو السريع في الجسم والقدرة على الهروب من الجهاز المناعي والقدرة على التمويه والتحايل بجميع الطرق في التعليم والتعلم من خلايا الجسم في سرعة التضاعف ومقاومة الموت والبقاء حية وسرعة الانتقال وكذلك الانتشار من مكان إلى آخر بعيدا في الجسم من خلال بناء جسور من الأوعية الدموية الجديدة.

وهناك العديد من الوسائل الخبيثة التي طورتها الخلايا السرطانية منها القدرة الفائقة على التحول من خلايا سليمة إلى خلايا ورمية بديناميكية عالية جدا قادرة على الانتشار حيرت العلماء، مما أدى إلى سباق محموم بين الباحثين والخلايا السرطانية كل يريد أن يعرف ما يفكر به الآخر لعمل الشيء المضاد. فعلى سبيل المثال:

علمت الخلايا السرطانية أن انزيم التيلوميرز ينقص مع تضاعف الخلايا السليمة فينقص عمرها، فقامت بإيجاد وسيلة لمنعه من القصر لتعيش فترة طويلة.

علمت الخلايا السرطانية أن بروتين p53 مهم في حدوث موت مبرمج للخلايا السليمة فقامت بإحداث طفرة فيه لكي لا تتعرض للموت المبرمج.

علمت الخلايا السرطانية من الخلايا السليمة أن وجود مستويات عالية من الجينات المثبطة لحدوث الورم  Suppressor Genes وصمت جينات أخرى Oncogenes والتي لو تكلمت لتسبـبت في إحداث ورم، فقامت بفعل العكس تماما عن طريق إحداث طفرات في كلا النوعين لتجعل النوع الأول يصمت والثاني يتكلم.

علمت الخلايا السرطانية أن مستويات عالية من بروتينات Bcl2  – Bcl3 – BcLXL مع مستويات منخفضة من بروتينات BAX – BAD في الخلايا السليمة يزيد من حيوية الخلايا فقامت بإيجاد وسيلة لزيادة البروتينات من النوع الأول وتقليل مستويات النوع الثاني حتى تضمن البقاء على حيويتها فترة طويلة.

علمت الخلايا السرطانية أن وجود مستويات عالية من بروتينات MHC على الخلايا السليمة يزيد من قدرة الخلايا المناعية في التعرف على الأجسام الغريبة وقتلها فاخترعت طريقة لمنع افراز هذه البروتينات ووجودها على سطحها.

علمت الخلايا السرطانية ان انتقالها من مكانها بعد زيادة أعدادها وتكدسها إلى مكان آخر يحتاج إلى انزيمات محددة لتكسير ما حولها من بنيان ثم بناء جسور وطرق عبارة عن أوعية دموية جديدة وأن هذا البناء يحتاج إلى مواد بناء من هرمونات نمو محددة، وعليه فقد تعلمت الخلايا السرطانية كيف تقوم بإفراز اللازم من تلك الإنزيمات والهرمونات للانتقال من مكانها للوصول إلى أقرب وعاء ليمفاوي عن طريق الوعاء الدموي الذي بنته لتنتشر من هناك كما تشاء.

علمت الخلايا السرطانية أن وجود مستويات عالية من بروتينات B71/B72 على سطح الخلايا المناعية يزيد من نشاطها وقوتها بينما وجود مستويا عالية من بروتينات PD1/PDL1 يؤدي إلى شلل تام لوظائف الخلايا المناعية ولذلك فقد قامت الخلايا السرطانية بإيجاد وسيلة لنقص مستويات بروتينات النوع الأول وزيادة مستويات النوع الثاني حتى تضمن وقف نشاط الخلايا المناعية وشل حركتها تماما.

علمت الخلايا السرطانية أن الخلايا الجذعية تفرز العديد من البروتينات التي تحميها من العلاجات الكيماوية والاشعاعية ومن التحول الخلوي من نوع إلى آخر ولذلك قامت الخلايا السرطانية بعمل اللازم نحو تحويل أعداداً كبيرة منها إلى خلايا تتمتع بنفس صفات الخلايا الجذعية حتى تحمي نفسها من العلاجات وتعطيها القدرة على التحول من نمط خلوي إلى نمط آخر يساعدها في الانتشار من مكان إلى مكان آخر في الجسم بسهولة. وهذا ما يدور حوله هذا البحث الهام.

أما بالنسبة للتحول الخلوي فمن المعروف أن الخلايا السرطانية تتكون من خلال تحوّل الخلايا الطلائية إلى الخلايا الانتقالية ثم إلى خلايا سرطانية تحتوي على بعض من الخلايا السرطانية الجذعية. ويطلق على هذا التحول الخلوي نموذج Epithelial-Mesenchymal Transition (EMT). ومن أجل أن تقوم الخلايا السرطانية بالانتشار يقوم بعضها بالتحول بطريقة معاكسة حيث تتحول إلى خلايا انتقالية ثم إلى خلايا طلائية قادرة على الانتشار. ويسمى هذا التحول الخلوي بنموذج MET (Mesenchymal‐to‐Epithelial Transition)، ولذلك فقد قام الفريق البحثي بجامعة بازل بسويسرا بإختبار فرضية التحكم في الخلايا السرطانية وتحويلها إلى خلايا تفقد خصائصها ولا تستطيع الانتشار. وذلك بالعلاج المتزامن بكلا من عقار Rosiglitazone وعقار Trametinib وقد أدى العلاج بكلاً من هذين العقارين إلى تحويل خلايا سرطان الثدي إلى خلايا جذعية انتقالية تسمى Mesenchymal ثم بصورة نهائية إلى خلايا دهنية غير قابلة للعودة مرة أخرى في الاتجاه المعاكس.  وفي هذا النموذج من التحول الخلوي نرى أن الخلايا الجذعية من نوع الميزينكايم تلعب دوراً محورياً في التحول من اتجاه إلى آخر حسب الطلب وذلك لقدراتها الفائقة على التحول إلى أي خلية في الجسم إذا توفرت البروتينات المطلوبة.

والمهم جدا أن هذه الخلايا الدهنية لم تستطع الانتشار من مكان الورم إلى أي مكان آخر مما يدل على فقدناها خاصية الانتشار التي تتمتع بها الخلايا السرطانية. وتكمن أهمية هذه النتائج الغير عادية في إمكانية تطبيقها على مرضى سرطان الثدي والجلد لأن هذه الأدوية معتمدة من هيئة الغذاء والأدوية الأمريكية. كما أنه من الممكن استخدام هذا العلاج مع العلاج الكيماوي لضرب عصفورين بحجر واحد. فمن ناحية يقوم العلاج الكيماوي بالقضاء على العديد من الخلايا الورمية ومن ناحية أخرى يقوم هذا العلاج الجديد بإيقاف انتشار المتبقي من الخلايا الورمية إلى أماكن أخرى بالجسم وذلك من خلال تحويلها إلى خلايا دهنية. وهكذا نرى أنه من الممكن بالتفكير الذكي خارج الصندوق التغلب على ذكاء الخلايا الورمية بنفس الوسائل التي تستخدمها هي نفسها في الانتشار ولكن بطريقة مفاجأة وصادمة لها.

وفي النهاية أرى أنه لا بد من تجريب هذه الطريقة الجديدة كعلاج لمرضى سرطان الثدي لعلها تؤتي ثمارها كما آتته في حيوانات التجارب.

 ا.د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة بكلية العلوم جامعة طنطا – مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى