عالمان يحصدان “جائزة الاختراق” لتطويرهما تقنية مستخدمة في لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) لـ”كوفيد-19″
في عامها العاشر، تُمنح “جوائز الاختراق” للباحثين الرائدين في مجالات الفيزياء الأساسية وعلوم الحياة والرياضيات، وقيمتها الجائزة المادية ثلاثة ملايين دولار.
وهذا العام، ستُمنح واحدة من ثلاث جوائز في فئة علوم الحياة إلى كاتالين كاريكو والدكتور درو وايزمان، اللذين أدى عملهما خلال العقود القليلة الماضية إلى تطوير التكنولوجيا اللازمة لإيصال الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) إلى الخلايا، ما يمهد الطريق للقاحات “كوفيد-19″ اليوم، خاصة تلك التي تنتجها شركة ” فايزر-بيونتيك” (Pfizer-BioNTech) و”موديرنا (Moderna).
في البداية، اكتشف كل من كاريكو ووايزمان كيفية إسكات الإشارات من الجهاز المناعي لفترة كافية حتى ينزلق الحمض النووي إلى داخل الخلايا، ويرسل الأوامر إلى الخلايا لصنع البروتينات، ليتم تفكيكه دون ضرر بمجرد تسليم هذه التعليمات. وقد مكّنت هذه العملية من انتاج لقاحات تم إعطاؤها لأكثر من 360 مليون شخص في الولايات المتحدة وحدها، وملايين آخرين في بلدان حول العالم والتي أثبتت فعاليتها ضد الفيروس. كما يمكن أن تمهد التكنولوجيا الطريق للعلاجات الجينية حيث تحمل وعدًا كبيرًا بتطوير لقاحات وعلاجات مستقبلية لمجموعة واسعة من الأمراض بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية والسرطان وأمراض المناعة الذاتية والأمراض الوراثية.
فعلى سبيل المثال، قبل جائحة كورونا الحالية، أطلقت مجموعة الدكتور وايزمان تجارب سريرية للقاحات mRNA للوقاية من الهربس التناسلي والإنفلونزا وفيروس نقص المناعة البشرية. وفي عام 2020، بدأت المجموعة العمل على لقاح شامل لفيروس كورونا قادر على التغلب على أي عضو في عائلة فيروس كورونا. كما أنهم يعملون على العلاج الجيني القائم على الحمض النووي الريبوزي لفقر الدم المنجلي، والذي يستهدف الخلايا الجذعية لنخاع العظام. وفي الوقت نفسه، يعمل كاريكو، الأستاذ المساعد في جراحة الأعصاب في كلية بيرلمان للطب ونائب الرئيس الأول في شركة BioNTech، مع شركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية لتطوير علاجات mRNA لمكافحة السرطان وأمراض المناعة الذاتية مثل التصلب المتعدد.
لفهم سبب قوة النظام الأساسي، من المفيد معرفة كيف تساعد جزيئات الحمض النووي الريبي في توجيه النشاط في خلايانا.
في كل كائن حي، يعمل DNA و RNA معًا لصنع البروتينات. تحتوي الجينات الموجودة في الحمض النووي على تعليمات لبناء البروتينات، لكن الحمض النووي يظل مغلقًا في النواة، بعيدًا عن مواقع بناء البروتين في الخلية، الريبوسومات. للحصول على المعلومات في جيناتنا من النقطة A إلى النقطة B، تبني الخلية جزيئًا يسمى messenger RNA (mRNA) ، والذي ينقلب وينسخ الأجزاء ذات الصلة من الشفرة الجينية وينتقل إلى الريبوسوم. من هناك، تعمل الريبوسومات مع الجزيء الثاني، “نقل الحمض النووي الريبي” (الحمض الريبي النووي النقال)، لتحويل هذه الشفرة الجينية إلى بروتين جديد لامع.
تعمل اللقاحات والعلاجات القائمة على الحمض النووي الريبوزي المخلّق بشكل مشابه جدًا للحمض النووي الريبوزي الطبيعي بحيث يمكن توصيل الحمض النووي الريبوزي المركب إلى خلايا معينة في الجسم لبناء البروتينات. عندما بدأ الباحثان العمل معًا لأول مرة في تسعينيات القرن الماضي، جربوا طرقًا لإيصال الحمض النووي الريبي إلى الخلايا الشجيرية – وهي خلايا مناعية ترفع الأعلام الحمراء عندما تكتشف غزاة أجانب، مثل الفيروسات. تستهدف اللقاحات هذه الخلايا من أجل إطلاق استجابة مناعية وتدريب الجسم على التعرف على مسببات الأمراض المحددة.
ولكن في ذلك العمل المبكر، وجدا أن الحمض النووي الريبي ينشط بشكل كبير جهاز المناعة، شكا منها أن الحمض النووي هذا فيروس حقيقي، وعليه فإن أجسامنا تحارب هذه الأحماض باستمرار. وللتغلب على هذه المشكلة الكبيرة، قامت مجموعة الريبوزي وايزمان في تجاربهم، من الحصول على الخلايا الشجيرية لبناء البروتينات التي يريدونها، لكن الحمض النووي المخلّق الخاص بهم تسبب أيضًا في حدوث التهاب شديد في الخلايا. وهنا بدا التعاون بين وايزمان وكاتي كاريكو خلال السنوات السبع الأولى، لمعرفة ما الذي جعل الحمض النووي يحفز ويثير المناعة، ثم إيجاد طريقة لتفادي ذلك.
في النهاية، اكتشفوا أن بإمكانهم منع الالتهاب عن طريق استبدال إحدى وحدات بناء mRNA – uridine – بواحدة مشابهة جدًا، تسمى pseudouridine. وتم نشر هذا الاكتشاف المهم في عام 2005 في مجلة Immunity، والذي كان بمثابة حجر الأساس لتطوير لقاح mRNA الذي نعرفه الآن ويستخدم ضد كورونا.
وقال وايزمان إنه بعد حل مشكلة الالتهاب هذه، لا يزال الفريق يتغلب على المزيد من العقبات. فعلى سبيل المثال، تم ابتكار طريقة أفضل لإدخال الحمض النووي المرسال أصلا إلى الخلايا. وبعد محاولات مضنية وجدوا في النهاية أن الجسيمات النانوية الدهنية، وهي فقاعات صغيرة من الدهون، قامت بأفضل وظيفة في حماية الحمض النووي من الإنزيمات التي قد تحلله أثناء نقله إلى الخلايا.
وكان كل هذا العمل هو الأساس لظهور لقاحات من إنتاج شركة Pfizer و Moderna، والتي تحفز الخلايا على بناء بروتين Sike المميز لفيروس كورونا والمسئول عن دخوله الخلية. ويمكن تحديث هذه اللقاحات بسهولة لاستهداف الطفرات الجديدة لفيروس كورونا، وذلك بفضل قابلية التعامل في تطوير تكنولوجيا استخدام الحمض النووي لإنتاج البروتينات المطلوب وقف نشاطها في الفيروس.
ويتعاون وايزمان حاليًا مع 150 مختبرًا مختلفًا حول العالم، لتطوير لقاحات وعلاجات مختلفة من الرنا المرسال، وبالتالي فإن الاهتمام بها يتزايد يومًا بعد يوم.