وكالة الأدوية الأوروبية توضح أسباب تجلط الدم بعد لقاح كورونا
توصل تحقيق أجرته وكالة الأدوية الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي أن لقاح كوفيد COVID-19 الذي تصنعه شركة AstraZeneca وجامعة أكسفورد قد تتسبب في بعض الحالات النادرة في حدوث جلطات دموية غير عادية، مصحوبة بانخفاض غير طبيعي في الصفائح الدموية – خلايا الدم الصغيرة المتورطة في التجلط. ولذلك أوقفت الولايات المتحدة ومقاطعة أونتاريو الكندية والعديد من الدول الأوروبية بما في ذلك النرويج والدنمارك في الأسابيع الأخيرة طرح لقاحات Covid-19 من AstraZeneca PLC و Johnson & Johnson مؤقتًا أو أوقفتها تمامًا.
وبناء على ذلك، تم اعتبار هذه الجلطات الدموية النادرة وانخفاض عدد الصفائح الدموية على أنها آثار جانبية محتملة للقاح. ويجب أن يظل الأشخاص الذين يتلقون الحقن على دراية بهذه الآثار الجانبية المحتملة، خاصة خلال الأسبوعين الأولين من التطعيم. ولذلك يتسابق العلماء في جميع أنحاء العالم لفهم سبب تسبب هذه اللقاحات في حدوث جلطات دموية نادرة ولكنها مميتة. وسوف يساعد تحديد هذه الصلة المرضى والأطباء على تقييم أي مخاطر تشكلها اللقاحات بشكل أفضل وتطبيق استخدامها بأمان.
وحتى الآن، أبلغ القطاع الصحي في الاتحاد الأوروبي عن أكثر من 220 حالة من حالات جلطات الدم غير العادية ومستويات منخفضة من الصفائح الدموية في المرضى الذين تلقوا اللقاح، المسمى Vaxzevria، والذي تم تطويره بتمويل من برنامج Operation Warp Speed التابع للحكومة الأمريكية لتحفيز تطوير مجموعة من لقاحات لحماية الناس من COVID-19 ، خاصة أنه لم يتم ترخيص لقاح AstraZeneca بعد للاستخدام في الولايات المتحدة.
وفي المملكة المتحدة، تم الإبلاغ عن 168 حالة جلطات دموية حتى 14 أبريل 2021 فيما يتعلق بلقاح AstraZeneca ، بعد إعطاء أكثر من 21.2 مليون جرعة هناك. وقد تم أيضا توثيق سبع حالات على الأقل من نفس النمط من الجلطات غير العادية لدى الأشخاص الذين تلقوا جرعة واحدة من لقاح Johnson & Johnson وذلك من مجمل أكثر من 7 ملايين لقاح من نوع Johnson & Johnson في الولايات المتحدة حتى الآن. وحتى يوم الأربعاء (12 مايو 2021)، أبلغت الولايات المتحدة عن 28 حالة من اضطرابات التخثر النادرة المرتبطة بلقاح جونسون آند جونسون، من بين أكثر من 9 ملايين جرعة تم تناولها، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. في الأسبوع الماضي، قالت الدنمارك إنها لن تُدرج AstraZeneca بعد الآن كجزء من برنامج التطعيم الخاص بها. أوصت إيطاليا باستخدامه فقط للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا. وقال مسؤولون بريطانيون إنه يجب تقديم بديل للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا.
وبالرغم من أن الحالات نادرة للغاية، إلا أنها يمكن أن تكون خطيرة. فقد توفيت امرأة تبلغ من العمر 45 عامًا في ولاية فرجينيا بـأمريكا. أدّى ذلك إلى قيام مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وإدارة الأغذية والعقاقير (FDA) بالدعوة إلى وقف إعطاء لقاح جونسون آند جونسون الأسبوع الماضي. كما أعلنت الشركة أنها ستجري تجارب سريرية للحصول على مزيد من الإجابات حول ردود الفعل. في غضون ذلك، قالت وكالة الأدوية الأوروبية إنه ينبغي إضافة تحذير بشأن مخاطر تجلط الدم وانخفاض الصفائح الدموية إلى معلومات المنتج الخاصة بلقاح جونسون آند جونسون.
وفي أبريل 2021 أفاد علماء من معهد طب المناعة وطب نقل الدم، مستشفى غرايفسفالد الجامعي في ألمانيا إنهم توصلوا إلى آلية من خطوتين يتسبب من خلالها لقاح AstraZeneca في حدوث جلطات دموية نادرة ولكنها مدمرة تلتهم إمداد الجسم بالصفائح الدموية. وصفت هذه الدراسة الجديدة سلسلة من الأحداث التي تحدث في الجسم قبل أن تؤدي هذه اللقاحات إلى تكوين هذه الجلطات الكبيرة. فمع أن كل شخص لديه آلية أساسية بعد حدوث رد الفعل المناعي التي تؤدي إلى حدوث جلطات غير عادية، إلا أن تفاعلات الجسم تقوم بالحفاظ عليها دائمًا في حالة توازن عن طريق استخدام سلسلة من الإجراءات البيولوجية لمنع أي خطوة في العملية من الخروج عن السيطرة. ولكن في بعض الحالات النادرة والمرضية تحدث سلسلة من المراحل تؤدي كل مرحلة إلى المرحلة التالية ويكون من الصعب للغاية التحكم في النتيجة النهائية. وأول ما يطرأ على الذهن لتفسير حدوث الجلطات بسبب لقاح كوفيد هو قيام الخلايا المناعية بإنتاج أجسام مضادة ضد بروتين رئيسي في الصفائح الدموية يؤدي إلى تحطيمها. وهذا الهجوم المناعي الذاتي، الذي يتسبب في دخول الجسم في حالة فرط تجلط الدم، عادة ما يحرق نفسه بعد بضعة أسابيع. لذلك إذا تمكن المرضى من الحصول على علاج سريع، فإن الحالة تزول دائمًا تقريبًا.
ولذلك فقد يكون سبب الجلطات أن اللقاح يطلق استجابة مناعية مشابهة لـ “نقص الصفيحات الناجم عن الهيبارين” (Heparin-induced thrombocytopenia: HIT) – وهي حالة تهاجم فيها الأجسام المضادة التي يولدها الجهاز المناعي الجزيئات والبروتينات الرئيسية التي تنظم تخثر الدم بشكل طبيعي.
وعلى وجه التحديد، تستهدف هذه الأجسام المضادة الذاتية المركبات المكونة من الهيبارين (جزيء يخفف الدم) وعامل الصفائح الدموية 4 (بروتين تفرزه الصفائح الدموية لتقليل تأثيرات الهيبارين). فعندما تلتصق الأجسام المضادة بهذا المركب، فإنها تغير بنيته الفيزيائية وتجعله يبدو “غريبًا” على جهاز المناعة، وبالتالي يولد الجهاز المناعي أجسامًا مضادة جديدة لاستهدافه. ثم يتم توصيل المركب المغطى بالأجسام المضادة بمستقبلات على الصفائح الدموية، مما يدفع الخلايا إلى زيادة السرعة ويسبب جلطات دموية. ومثل هذه الأعراض تتشابه مع المرضي الذين يتم علاجهم بالهيبارين المرقق للدم والذي يمكن أن يسبب متلازمة متطابقة تقريبًا.
ولفهم السبب العلمي للسبب الذي يجعل لقاحات أسترا زينيكا وجونسون آند جونسون COVID-19 تسبب أحيانًا أحداثًا نادرة في تخثر الدم، قدمت مجموعة بحثية في ألمانيا تفسيراً محتملاً وإن كان غير مقنع لبعض المتخصصين. المجموعة، بقيادة الدكتور أندرياس جرينشر، رئيس معهد طب المناعة وطب نقل الدم في مستشفى جامعة جرايفسفالد، تشير إلى أن تفاعل متسلسل يتضمن مادة حافظة وبعض البروتينات في اللقاحات قد تكون مسؤولة عن تجلط الدم النادر. وقد أفادت صحيفة وول ستريت جورنال أن الفريق أكمل الدراسات ذات الصلة فقط على لقاح AstraZeneca وبدأ مؤخرًا في فحص لقاح Johnson & Johnson. ومع ذلك، قال جرينشر إنه يشتبه في أن الآلية التي تسبب جلطات الدم النادرة قد تكون شائعة في كلتا الحقنين، حيث يستخدم كلا اللقاحين فيروسات معدلة من نوع Adenovirus كوسيلة لإدخال اللقاح في خلايا الجسم. ولذلك فقد بنى فرضيته على أن السبب وراء الجلطات يكمن فقط في اللقاحات التي تستخدم فيروسات بعينها من نوع Adenovirus .
وفيروسات Adenovirus هي عائلة من الفيروسات التي عادةً ما تؤدي إلى ظهور أعراض نزلات البرد لدى البشر، ولكن لاستخدامها في اللقاحات، يقوم العلماء بتعديل الفيروسات بإزالة الجزء المسئول عن إصابة الخلية وتضاعفها فيها بحيث لا يمكنها إصابة الخلايا. وتحت هذه الظروف ينحصر عمل الفيروسات Adenovirus ببساطة كأوعية لنقل مكونات اللقاح إلى الجسم. أما لقاحات COVID-19 التي تصنعها CanSino Biologics في الصين ومعهد أبحاث Gamaleya التابع لوزارة الصحة الروسية فهي لا تحتوي على فيروسات غدية معدلة وهما اللقاحين الذين لم يتم ربطهما بأي أعراض غير عادية لتخثر الدم. ولذلك، فإن فهم سبب الجلطات له أهمية قصوى في لقاحات الجيل التالي، لأن فيروس كورونا الجديد سيبقى ومن المرجح أن يصبح التطعيم موسميًا.
وقد توصل الفريق البحثي الألماني لتفسير تسبب اللقاح في حدوث الجلطات، ووجدوا أن هذه العملية تشمل خطوتين. في الخطوة الأولى، يتلامس غلاف الفيروس الحامل للقاح مع البروتينات التي تفرزها الخلايا التي ينمو فيها اللقاح، مع الصفائح الدموية من الدم. فأثناء تصنيع اللقاح، يقوم العلماء بزراعة الفيروسات المعدلة في الخلايا البشرية؛ حيث يوجد أكثر من ألف بروتين في لقاح AstraZeneca مشتق من هذه الخلايا البشرية. وبمجرد دخول اللقاح إلى الجسم يتلامس مع الصفائح الدموية، وهي خلايا الدم الصغيرة المشاركة في التخثر. يؤدي التعرض للقاح والبروتينات المرتبطة به إلى “تنشيط” الصفائح الدموية، مما يؤدي إلى تغيير شكلها وإرسال إشارات كيميائية لتنبيه الجهاز المناعي. تطلق الصفائح الدموية المنشطة أيضًا مادة تسمى عامل الصفائح الدموية 4 (PF4، والتي تساعد عادةً على تعديل تخثر الدم في الجسم. ومع ذلك، في بعض الحالات، يلتصق PF4 بمكونات اللقاح، على الأرجح بعض البروتينات المشتقة من الخلايا، ويشكل “مجمعات” كبيرة يخطئ الجهاز المناعي في اعتبارها تهديدًا، مثلها مثل البكتيريا الغازية.
ويؤدي ذلك إلى قيام الخلايا المناعية بتكوين أجسام مضادة جديدة لمهاجمة PF4 ، مما يؤدي إلى استجابة مناعية عنيفة.
ومن المعروف أن الصفائح الدموية تشبه شظايا الخلايا عديمة اللون التي تندفع إلى موقع الإصابة، مما يساعد الدم على التماسك لوقف النزيف؛ كما أنها تلعب دورًا رئيسيًا في الاستجابة المناعية للجسم. وعندما يتم تنشيطها، فإنها تحيط بالغزاة مثل البكتيريا وتغير شكلها لإطلاق إشارات كيميائية تخزنها في حبيبات. وعندما يتم تنشيط الصفائح الدموية بشكل جماعي، كما يحدث نادرًا بعد تناول الشخص الهيبارين المرقق للدم أو لقاح AstraZeneca ، فإنها تطلق فيضًا من هذه الإشارات. تعمل هذه الإشارات على استدعاء فوري لنوع معين من الخلايا المناعية ذات ذاكرة مناعية نشطة صعب السيطرة عليها.
هذه الخلايا المناعية ذات الذاكرة ممكن تشبيهها بتنين في الكهف كان نائمًا لفترة طويلة تم إيقاظه من خلال قيام شخص ما بإلقاء حجر عليه. وتوقظ الإشارات الكيميائية الخلايا البائية التي تنتج بعد ذلك كميات هائلة من الأجسام المضادة ضد بروتين عامل الصفائح الدموية 4 ، مما يساعد على حدوث تخثر الدم. وتحت هذه الظروف يعتقد الجسم خطأً أنه يتفاعل مع كميات هائلة من مواد مسببة الأمراض في الجسم ولكنه لا يعلم أنها منه وهي الصفائح الدموية، تلك هي الخطوة الأولى.
الخطوة الرئيسية الثانية في هذه التفاعلات ناتجة عن حمض الإيثيلين أمينيتراسيتيك (EDTA). وهذه المادة هي عامل مثبت للكالسيوم ومثبت يضاف إلى لقاح AstraZeneca مع العلم أن مادة ال EDTA غير مدرج كمكون في لقاح Johnson & Johnson. تقوم مادة EDTA بفتح المسافات بين الخلايا التي تشكل جدران الأوعية الدموية، مما يجعلها تتسرب من بين الخلايا بسهولة. وتسمح هذه الظروف النادرة أن تمر ورائها التجمعات العملاقة التي تتكون من البروتينات والصفائح الدموية فتدخل تيار الدم، ومنه إلى جميع أجزاء الجسم. ولذلك فقد يكون التخلص من EDTA وسيلة لمنع حدوث الخطوة الثانية في هذه العملية النادرة لجعل اللقاح أكثر أمانًا.
والسؤال الآن، لماذا قد يؤدي لقاح Johnson & Johnson إلى أنواع مماثلة من الجلطات، على الرغم من أنه لا يحتوي على EDTA؟ قد يكمن السبب بأن الحجم يلعب دورًا.
يحدث هذا التفاعل في المرضى الذين تناولوا الهيبارين، فإن حجم جزيء الهيبارين مهم. مع الهيبارين غير المجزأ (الكبير الحجم)، وهو أطول نوع من الجزيئات، يكون التفاعل أكثر شيوعًا 10 مرات مما يحدث عندما يتناول المرضى الهيبارين الأصغر منخفض الوزن الجزيئي. أو قد تُكوِّن للقاحات أخرى أجساما بروتينية تولد أضداد أصغر والتي تولد إشارات تحذيرية أصغر، مما يجعل التفاعل أقل احتمالية.
أما بالنسبة لسبب ظهور رد الفعل بشكل أكثر شيوعًا عند النساء، قد يكمن التفسير في أن معظم المتلقين الأوائل للقاح في أوروبا كانوا من العاملين في مجال الرعاية الصحية، والغالبية منهم من النساء. أو قد يكون النساء أكثر عرضة للإصابة بالجلطات بسبب الهرمونات خاصة أن النساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية من الرجال. وعلى عكس ذلك هناك نظرية مفادها أن التخثر قد ينجم عن ارتفاع حاد في الالتهاب في الجسم بعد الحقنة وهو الأمر الذي يثير نشاط تسلسلي مناعي مهم جدا معروف بالنظام التكميلي Complement. ولا يزال البعض يشير إلى أن اللقاح قد يثير هذا النظام التكميلي ويحدث خلل في توازنه، خاصة أنه جزء من الجهاز المناعي يساعد على التخلص من مسببات الأمراض والخلايا المصابة من الجسم. ويشمل هذا النظام البروتيني الدقيق على بروتين محدد. فمن المحتمل أنه عندما يلتصق هيكل الفيروس التاجي ببطانة الأوعية الدموية، وفي بعض الأشخاص، قد يؤدي ذلك إلى مهاجمة تنشيط النظام التكميلي وعليه مهاجمته للأوعية الدموية نفسها.
وعلى أية حال فقد فتحت هذه النظرية الشهية للعلماء في التأكد منها بطرق علمية مختلفة وفي نفس الوقت لتقييم المرضى الذين يعانون من جلطات الدم بعد التطعيم فقد تكون هذه الفرضية صحيحة. وفي هذا الصدد أشارت مجموعات بحثية أخرى إلى أن الفيروسات المستخدمة في حمل لقاح كورونا في الجسم قد تكون عاملاً، حيث أشارت الدراسات السابقة باتهام هذه العائلة من الفيروسات بتجلط الدم.