تفسير ظاهرة حدوث التثاؤب بالعدوى من المحيطين
التثاؤب ظاهرة إنسانية وشخصية ومجتمعية أيضا، فالإنسان يتثاءب عندما يشعر بالنعاس والحاجة إلى النوم، ويتثاءب أيضا عند الشعور بالملل أو الضجر، عند حضور محاضرة مملة أو مشاهدة برنامج تليفزيوني سخيف مثلاً، ويمكن أن يحدث التثاؤب أيضاً عند ساعة الاستيقاظ وعند الاسترخاء وعند الشعور بالجوع أو التعب، يحدث أن يتثاءب الإنسان أيضا كـ”عدوى” تنتقل إليه من بعض الجالسين حوله، بل ربما يحدث أن يتثاءب شخص أثناء قراءته مقالا عن التثاؤب!
رأي أبوالطب
في الحقيقة ليس هناك تفسير علمي وطبي محدد تماماً ومتفق عليه حتى الآن لظاهرة التثاؤب، وكان أول من علق عليها هو الطبيب اليوناني القديم “أبقراط”، والملقب بـ”أبو الطب”، والذي وُلِدَ حوالي عام 460 ق.م وتوفي حوالي عام 370 ق.م، وقال إن التثاؤب يدفع الدم إلى المخ ويدفع الهواء إلى الرئتين، وهذا صحيح فعلاً.
فمع التثاؤب تنقبض عضلات الوجه كلها مما يضغط على شرايين الوجه وبالتالي يندفع الدم إلى المخ، ومع التثاؤب أيضا ينفتح الفم على أقصاه مما يؤدي إلى دخول الهواء إلى الجهاز التنفسي.
هناك رأي يقول أن التثاؤب يحدث عندما يشعر الإنسان بالنعاس أو الملل كما أشرنا من قبل، وهذا يحدث بسبب بطأ الدورة الدموية في المخ، مما يسبب نقص نسبة الأكسجين وارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون فيه، فيعمل التثاؤب على تنشيط الدورة الدموية داخل المخ بضخ الدم إليه من الوجه، ويعمل أيضا على إدخال كمية أكبر من الهواء المحمل بالأكسجين إلى الجهاز التنفسي لاستعماله داخل المخ، وعلى هذا تكون نظرية أبقراط في تفسير ظاهرة التثاؤب صحيحة تماما.
هناك آراء أخرى في تفسير ظاهرة التثاؤب، منها:
– أطباء يعتقدون أنه فعل انعكاسي يقي الرئة من الضمور.
– يفسر علماء النفس أن التثاؤب دليل على الصراع بين النفس ومغالبتها للنوم من جهة، وبين الجسد وحاجته للنوم من جهة أخرى.
– البعض يعتبر أن التثاؤب هو وظيفة طبيعية تشير إلى زيادة النشاط وليس الخمول، وقد يعكس الرغبة في تغيير موضوع، أو الهروب من موضوع ما.
– يقول آخرون أن التثاؤب هو وسيلة لتبريد المخ بعد ارتفاع درجة حرارته لأي سبب، وفعلاُ أثبتت الدراسات أن المخ يفكر بكفاءة أعلى فى درجات الحرارة الباردة عن الساخنة، كما لاحظ العلماء أن الجيوب الفكيّة الواقعة على جانبى الأنف تمتلئ بالهواء مثل المنفاخ أثناء التثاؤب وتبرّد المخ.
تفسير ظاهرة حدوث التثاؤب بالعدوى من المحيطين؟
قام بعض العلماء بدراسة هذه الظاهرة، فتم اختيار بعض المتطوعين لمشاهدة شريط مرئي يعرض أشخاصا يتثاءبون وراقبوا ردود أفعالهم، فتبين لهم أن الرؤية تؤدي دورا أساسيا في نقل عدوى التثاؤب، غير أن مشاهدة فم يتثاءب لا تثير أي ردة فعل عند المشاهد إذا كان باقي وجه المتثائب مغطى بقناع، أي أن ما ينقل العدوى هو ملامح وجه المتثائب وليس فمه.
وفي تجربة مماثلة اتضح أن بعض المتطوعين تجاوبوا بسرعة مع العرض واندمجوا في موجة من التثاؤب بينما لم يتأثر غالبية المشاهدين، رغم أن الجميع كانوا في حالة مماثلة من اليقظة والنشاط ولا يعانون الإرهاق أو الرغبة في النوم، فكانت خلاصة هذه التجربة أن عملية التثاؤب لا تنتقل إلى الجميع، بل إلى أفراد يتميزون بحساسية مفرطة واستعداد للتأثر السريع بسلوك وتصرفات المحيطين بهم.
أما لو تكرر التثاؤب بطريقة كبيرة في اليوم لدرجة تحوله إلى ظاهرة مزعجة ومتعبة للشخص، فقد يشير هذا إلى جود مرض داخل الجسم، مثل بعض أمراض الكبد وأمراض الدم وأمراض المخ، وأيضا هناك أدوية قد تسبب التثاؤب مثل أدوية علاج القلق والصرع.
هذا تفسير لتصرف تلقائي أو ظاهرة طبيعية بالنسبة لنا جميعا، ولكن غالبا لا يحاول أحد منا تفسيرها أو التفكير في أسبابها.
د. هاني سليمان