جرّبته وكالة “ناسا” على الهنود الحُمر .. “التطبيب عن بُعد”.. علاج المريض في مكانه
لعبت وكالة الفضاء الأمريكية NASA دوراً بارزاً في التطوير الأولي لممارسة الطب عن بُعد، أو ما بات يُعرف حاليا بـ “التطبيب عن بُعد”، حيث بدأت جهود الوكالة في أوائل الستينيات من القرن الماضي، عندما بدأ البشر في الطيران عبر الفضاء، فكانت القياسات الفيزيولوجية تُنقل إلكترونيا إلى الأرض من خلال المركبات الفضائية.
وأدت هذه الجهود المبكرة وتحسن إمكانات الأقمار الصناعية المخصصة للاتصالات إلى نشوء التطبيب عن بعد وظهور العديد من الأجهزة الطبية المستخدمة حاليا.
والتطبيب عن بعد Telemedicine، هو مجال يتمّ فيه نقل المعلومات الطبيّة من خلال وسائط صوتيّة مرئيّة تشاركيّة بغرض الاستشارات الطبيّة والعمليّات الجراحيّة عن بعد أو التشخيص الطبيّ يتمّ من خلاله استخدام القطاع الطبيّ لتكنولوجيا الاتصالات ضمن العالم الرقمي في مجالات عديدة أهمها إدارة المعلومات الطبية، من خلال تجميع المعلومات؛ ومعالجتها أُتوماتيكياً، واسترجاعها.
كما يشتمل مفهوم “التطبيب عن بعد” على نشر المعلومات الطبية وتوزيعها، والقيام بالعمليات الجراحيّة، وتقديم الخدمات الصحيّة، وكذلك عمليّات التصوير الإشعاعيّ، وعمليات التثقيف الصحيّ، من خلال نشر الوعي المتعلق بالأمور الطبية.
التطبيب عن بعد Telemedicine، هو مجال يتمّ فيه نقل المعلومات الطبيّة من خلال وسائط صوتيّة مرئيّة تشاركيّة بغرض الاستشارات الطبيّة
ومن بين أوائل مشروعات التطبيب عن بعد التي استهدفت سكان المناطق النائية، مشروع STARPAHC الذي استهدف سكان محمية باباجو للهنود الحمر في ولاية أريزونا الأمريكية، والذي تم تشغيله بين عامي 1972 و1975، وقد قامت وكالة “ناسا” بتوفير المتطلبات التقنية للمشروع، بينما قام بتشغيله وتقييمه هنود الباباجو بأنفسهم، وإدارة الخدمات الصحية للهنود الحمر، ووزارة الصحة الأمريكية.
وكان هدف المشروع هو إجراء تجربة حية لتوفير الرعاية الصحية لرواد الفضاء أثناء رحلاتهم الفضائية، وتوفير الرعاية الصحية العامة لسكان المحمية، حيث كانت هناك شاحنة يقودها إثنان من المسعفين الهنود تحمل العديد من الأجهزة الطبية، بما فيها جهاز تخطيط كهربية القلب وجهاز للأشعة السينية، وكانت الشاحنة متصلة بمستشفى خدمات الصحة العامة، وبمستشفى آخر يحتوي على العديد من التخصصات الدقيقة بواسطة اللاسلكي الذي يعمل بالموجات القصيرة.
وكان مستشفى نبراسكا للأمراض النفسية من أوائل المستشفيات الأمريكية التي زودت بدائرة تلفزيونية مغلقة في عام 1955 . وفي عام 1964 أتاحت منحة من المعهد الوطني للصحة العقلية إقامة وصلة ثنائية الاتجاه two-way link بين مستشفى الأمراض النفسية، وبين مستشفى نورفولك التابع للولاية، والذي يبعد 112 ميلا.
وكان أطباء “مستشفى ماساتشوستس العام” يقدمون الرعاية الصحية للمرضى في المستشفى عبر دائرة سمعية بصرية ثنائية الاتجاه تعمل بالموجات الصغرى. وكان يعمل في المحطة الطبية ممرضات طوال 24 ساعة يوميا، يضاف إليهن طبيب يعمل لمدة أربعة ساعات في وقت الذروة بالنسبة لحركة المسافرين في المطار.
كان تقييم التشخيص والعلاج في المرضى الذين تختارهم الممرضات يتم من قبل الأطباء المشاركين في المشروع، بينما يراقبهم طبيب مستقل. وقد تم أيضا تحليل مدى دقة النقل بالموجات الصغرى microwave، كما أجري أيضا الفحص، والتسمع، وقراءة الصور الشعاعية والشرائح المجهرية.
وفي عام 1971 أيضاً، تم اختيار 26 موقعاً في ولاية ألاسكا من قبل المكتبة الوطنية الأميركية للطب؛ للتأكد من أن الاتصالات الجيدة يمكنها تحسين الرعاية الصحية في القرى النائية، وقد اعتمد المشروع على القمر الصناعي ATS-1 التابع لوكالة الفضاء الأميركية. وكان الهدف الأساسي للمشروع هو بحث استخدام الاستشارات الفيديوية Video consulation؛ لتحسين جودة الرعاية الصحية في المناطق الريفية بولاية ألاسكا.
“الجسر الفضائي” إلى أرمينيا
في عام 1989، أنشأت وكالة “ناسا” أول برنامج عالمي للطب البعدي، وهو المشروع الذي عرف باسم “الجسر الفضائي إلى أرمينيا”. ففي ديسمبر 1988، أصاب زلزال مدمر هذه الجمهورية التي كانت تابعة وقتئذ للاتحاد السوفيتي، وعرضت حكومة الولايات المتحدة على الحكومة السوفيتية إجراء استشارات طبية من موقع الكارثة مع العديد من المراكز الطبية في الولايات المتحدة.
وتم إجراء الاستشارات عن بعد باستخدام أجهزة أحادية الاتجاه للفيديو، والصوت والفاكس بين المركز الطبي في مدينة إيريفان في أرمينيا وبين أربعة مراكز طبية في الولايات المتحدة، وقد تم توسيع البرنامج ليشمل مدينة أوفا الروسية؛ للاستشارة حول ضحايا الحريق الناجم عن حادث مروع للقطارات هناك. وقد أثبت هذا البرنامج أن الاستشارات الطبية يمكن إجراؤها عبر شبكات الأقمار الصناعية العابرة للحدود السياسية، الثقافية، الاجتماعية والاقتصادية.
أبدى بعض الأطباء تخوفهم من أن تنحصر الاستفادة بهذه التكنولوجيا الجديدة في الطب في فئات معينة وهي الفئات الغنية التي تمتلك القدرة على شراء الوسائل التكنولوجية الحديثة
أنواع التطبيب عن بعد
التطبيب عن بعد بالمؤتمرات عبر الفيديو: يتمّ من خلاله تقديم الخدمات الصحية بشكل مباشر بين طبيب والمريض حيث يراجع الطبيب ملف المريض الطبي قبل انعقاد المؤتمر، ثمّ يكتب تقريراً طبياً عن حالة المريض ورأيه فيها ويرسله عبر الفيديو.
الرعاية المنزلية: وهو إيصال الرعاية الصحية للمرضى في منازلهم، وتستعمل تقنيات الاتصال لنقل الصوت والصور قليلة الوضوح، كما ويتوفّر جهاز يسمح بنقل المعلومات الصحية الخاصّة بالمريض من خلاله إلى الطبيب الذي يتواجد في مؤسسة طبيّة في منطقة بعيدة، كما ويحولها إلى معلومات وصور شديدة الوضوح.
وقد كان لاستخدام الطب عن بعد العديد من الآثار الإيجابية في مجالات طبية كثيرة لعل من أبرزها:
* علم الأمراض الجلدية:
يُحضِّر المرضى أطباءهم في “أستوديو” الاجتماعات المرئية عن بعد، بحيث يكونون على اتصال بالطبيب الجلدي بالمركز المتخصص، ويتم مناقشة المريض في الوقت نفسه حتى يتم الوصول إلى تشخيص، ومن ثَم وصف العلاج المناسب.
* الأمراض المزمنة:
حيث يمكن أن يتابع المريض حالته بشكل دوري مع طبيب مختص، فمثلاً بالنسبة لمريض السكر وهو من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا يستطيع المريض أن يبعث بتقرير دوري عن حالته ومستوى ارتفاع السكر أو انخفاضه من محل إقامته بحيث يتلقى التعليمات اللازمة من الطبيب بشكل دوري أيضًا.
* أمراض القلب:
حيث يقوم الممارس عن بُعد، بنقل رسم القلب في صورة مرئية تسمح بتشخيص الحالات الحرجة بصفة خاصة.
* علم الأمراض:
حيث إن استخدام المجاهر المرئية عبر شبكات الاتصال العالمية يُمكِّن من نقل صور تفصيلية للقطاعات النسيجية والتي تجعل تشخيص الأمراض أسهل وأكثر فاعلية، وخاصةً في المستشفيات الصغيرة التي لا تتمتع بالإمكانيات التي تؤهلها للكشف الدقيق عن خبايا بعض الأمراض مما يسهل تشخيصها ومن ثم علاجها بالعلاج الجراحي المناسب.
* الأنف والأذن والحنجرة:
حيث يتم إرسال صور المناظير مباشرة ليتم تشخيصها من قبل المتخصصين.
* الاستشارات الطبية عن بعد:
حيث يستخدم الطب عن بُعد بصورة كبيرة في مجال الاستشارات الطبية وخاصة بالنسبة للمستشفيات الصغيرة والعيادات، حيث يتم إرسال الأشعة الخاصة بالمريض عبر شبكات الاتصال وعبر أجهزة مخصصة لذلك، يتم تلقي صور الأشعة عليها وإرسال التشخيص الدقيق للحالة إلى المرسل.
تخوفات وتساؤلات
وقد أبدى بعض الأطباء تخوفهم من أن تنحصر الاستفادة بهذه التكنولوجيا الجديدة في الطب في فئات معينة وهي الفئات الغنية التي تمتلك القدرة على شراء الوسائل التكنولوجية الحديثة؛ مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين من يملك ومن لا يملك القدرة على شراء الوسائل التكنولوجية الحديثة.
والسؤال هنا في مجال الاتصال الطبي عن بُعد، يشمل الثقة في صحة التشخيص الطبي عن بعد وأيضًا السعر المدفوع لإجراء مثل هذه اللقاءات الطبية بين المريض أو الطبيب الإلكتروني، وطبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض عبر الوسائل التكنولوجية.