تكنولوجيا طبية

باحثة مصرية تطور وسيلة محتملة لمكافحة انتشار ذباب (تسي تسي) المسبب لمرض النوم

الفيرومون المكتشف به مزايا تؤهله للسيطرة على ذباب تسي تسي Glossina، المشببة لمرض النوم. لذا يقترح الفريق البحثي إضافته للفخاخ المستخدمة حاليا في اصطياد الذباب لتحقيق نتائج أفضل، وتجنب تفشي مرض النوم الأفريقي في كثير من الدول.

تمكنت الباحثة المصرية شيماء عبد السلام محمد إبراهيم وفريقها البحثي بجامعة ييل (Yale University) الأميركية من اكتشاف أحد الفيرومونات (Pheromones) التي تفرزها ذبابة تسي تسي وفصله كيميائيا، وهو ما يمهد الطريق أمام استخدامه من أجل مكافحة هذه الذبابة، والحد من انتشار مرض النوم الذي تسببه.

ونُشرت نتائج تلك الدراسة في دورية “ساينس” (Science) يوم 17 فبراير/شباط الماضي.

وتتوطن ذبابة تسي تسي نحو 36 دولة أفريقية، خاصة دول أفريقيا الوسطى وغرب أفريقيا، مسببة تفشي عدوى “مرض النوم الأفريقي” (African Trypanosomiasis)، وهو مرض معقد يستدعي علاجه وجود أطباء مهرة مدربين تدريبا خاصا، واستخدام أدوية “سامة” قد تضر بصحة المصابين.

ولا يصيب هذا المرض البشر وحدهم، بل يطول حتى الحيوانات ذات الأهمية الاقتصادية، مثل الأبقار والأغنام والماعز، مما يسبب معاناة مناطق توطن المرض من الفقر وانخفاض مستوى المعيشة.

ورغم التأثير الإيجابي لارتفاع درجة الحرارة الناتج عن التغيرات المناخية في انخفاض أعداد ذباب تسي تسي، فقد تتسبب هذه التغيرات المناخية في ارتفاع درجة حرارة المناطق المجاورة لمواقع توطن الذبابة بما يسمح بتكاثرها، الأمر الذي يعني انتقالها إلى أماكن جديدة لم تستوطنها سابقا.

الفيرومونات وسيلة للتواصل والتزاوج

الفيرومونات مواد كيميائية تفرزها الكائنات الحية، مثل الحشرات، للتواصل فيما بينها، ويدفع الفيرومون المفرز الكائنات الأخرى من الفصيلة نفسها إلى أداء تصرفات سلوكية معينة، وقد يحفز لديهم بعض ردود الفعل الفسيولوجية. وتستخدم حشرات عدة تلك الفيرومونات لجذب الجنس المقابل من أجل التزاوج.

وأوضحت الباحثة شيماء -زميل ما بعد الدكتوراه في مختبر كارلسون التابع لجامعة ييل والمؤلفة الرئيسة للدراسة- في تصريحات خاصة للجزيرة نت، أن ذباب تسي تسي يستخدم المحفزات الشمية والبصرية من أجل التزاوج، وتمثل الفيرومونات أحد أهم تلك المحفزات.

وتضيف أن “الغابات تضم ملايين الحشرات مختلفة الفصائل والأنواع، وتعتمد كل فصيلة على إفراز فيروموناتها الخاصة لجذب الجنس الآخر من أجل التزاوج والتكاثر، وقد تمكنت دراسات سابقة عدة من تحديد الفيرومونات المتطايرة (المحمولة جوا) الخاصة ببعض الحشرات والتوصل إلى آلية عملها، وهو ما دفعنا إلى التفكير في السياق نفسه، محاولين استغلال تلك الفيرومونات في مكافحة ذبابة تسي تسي الخطيرة على الصحة العامة”.

اكتشاف فيرومون جديد لأول مرة

من أجل التوصل إلى الفيرومونات المتطايرة الخاصة بذبابة تسي تسي، وضع الفريق البحثي الذباب من فصيلة “جي مورسيتانس” (G. morsitans) في سائل يسهم في جمع المواد الكيميائية المفرزة منه، ثم استخدموا تقنية خاصة من أجل فصل تلك المواد والتعرف عليها.

وبالفعل رصد الباحثون مواد عدة لم تذكر في أي من الدراسات السابقة عن ذبابة تسي تسي، منها 3 مواد تثير ردود أفعال معينة لدى أفراد تلك الفصيلة، وكانت أكثر تلك المواد تأثيرا مادة “ميثيل بالميتولييت” (Methyl palmitoleate).

تقول الباحثة شيماء إبراهيم “درس الباحثون ذبابة تسي تسي منذ أكثر من 100 عام، ولم يعثروا -رغم ذلك- على أي فيرومونات متطايرة خاصة بها، واستطاع فريقنا -خلال الدراسة- التوصل إلى أول فيرمون منقول جوا”.

خصائص مميزة تسهم في السيطرة على تسي تسي

أجرت الباحثة شيماء إبراهيم -وفريقها البحثي- بعض التجارب المعملية بغرض التعرف على تأثير ميثيل بالميتولييت في ذباب تسي تسي، حيث استخدموا الخيط لصناعة عقدة تشبه شكل الذباب، ووضعوا عليها نقطة من محلول ميثيل بالميتولييت.

ووجد الفريق أن العقدة جذبت ذكور الذباب، وتسببت في توقفهم عن الحركة لبعض الوقت، كما وجدوا أن المادة تعمل كمثير للشهوة الجنسية، إضافة إلى ذلك، اكتشف الفريق أن مادة “ميثيل بالميتولييت” يمكنها جذب الذكور إلى إناث تسي تسي رغم اختلاف فصائلهم.

وينبغي العلم أن التزاوج بين ذكور وإناث الذباب يستدعي انتماءهم للفصيلة نفسها، بينما لا يتزاوج أفراد الفصائل المختلفة.

وفي تجربة أخرى وجد الباحثون أن الخلايا العصبية الشمية (المرتبطة بحاسة الشم) الموجودة بقرون الاستشعار الخاصة بالذباب تنشط عند تعرضها لمادة ميثيل بالميتولييت.

وعلق جون كارلسون -الأستاذ بجامعة ييل والمؤلف المشرف على الدراسة- في البيان الصحفي الصادر عن الجامعة قائلا “لقد عثرنا على الفيرومون الذي يمكن مزجه بروائح الكائنات المضيفة، والمميز في ذلك الفيرومون قدرته على شل حركة الذباب لبعض الوقت”.

والكائنات المضيفة هي تلك التي تتغذى ذبابات تسي تسي عليها، وتسبب لها الأمراض، أي الإنسان والحيوانات التي تصيبها تسي تسي بالمرض.

أسلوب مكافحة معدل لتحسين النتائج

الباحثة شيماء إبراهيم تخرجت في كلية العلوم جامعة القاهرة، وحصلت على الدكتوراه من جامعة فريدريش شيلر الألمانية (Friedrich Schiller University) ومعهد ماكس بلانك لعلوم البيئة الكيميائية (Max Planck Institute for Chemical Ecology)، في دراسة السلوك الموجه بالشم لدى ذباب الفاكهة.

توضح شيماء أن اصطياد الذباب ليست فكرة جديدة في حد ذاتها، ففي الوقت الحالي يلجأ المختصون في مكافحة عدوى تسي تسي إلى صناعة فخاخ تتضمن روائح الكائنات المضيفة، مثل بول الأبقار، من أجل جذب الذباب واصطياده.

ورغم قدرة روائح الحيوانات على الانتقال لمسافات طويلة تجذب الذباب، يعاب على تلك الروائح اختفاؤها السريع، الأمر الذي يميز مادة ميثيل بالميتولييت، فربما يكون مدى تأثيرها قصيرا، إلا أنها تبقى فعالة لمدة زمنية أطول.

ويعلق كارلسون “يمكن أن نعد مادة ميثيل بالميتولييت أداة جديدة ضمن أدوات مكافحة ذباب تسي تسي، والسيطرة على الأمراض التي تنقلها”.

وعلى صعيد آخر، أقر الفريق البحثي إفراز ذباب تسي تسي المصاب بعدوى “مرض النوم الأفريقي” مجموعة من الفيرومونات التي تختلف عن تلك المكتشفة في أثناء الدراسة، الأمر الذي يستدعي مزيدا من البحث.

السيطرة على تسي تسي تستدعي تجارب أكثر

تتمثل الخطوة الأولى التالية للباحثين في تجربة تأثير مادة ميثيل بالميتولييت على أرض الواقع، حيث يتعاونون مع فريق مختص بدولة كينيا من أجل اكتشاف تأثير ذلك الفيرومون في ذباب تسي تسي.

وعن خطوتها القادمة، تقول شيماء إبراهيم “أسعى مستقبلا إلى دراسة الاستجابة السلوكية الخاصة بذباب تسي تسي للمركبات الكيميائية (الفيرومونات) المفرزة من قبل الذباب المصاب، والتعرف على تأثير تلك المواد في عمليات التزاوج، بما يسهم في فهم مزيد عن طبيعة التواصل بين ذباب تسي تسي، وبالتالي تطوير وسائل أفضل لمكافحته”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى