البكتيريا الصحراوية يمكن أن تُمثل طوق النجاة لتحسين صحة النبات والإنسان
توصل العلماء بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) إلى أنَّ البكتيريا الصحراوية يمكن أن تُمثل طوق النجاة لتحسين صحة كلٍّ من النبات والإنسان، حيث تمكن الباحثون على مدار السنوات الثماني الماضية، من معرفة كيف تتفاعل الميكروبات مع النباتات الصحراوية بشكل ساعدها على البقاء حتى في الظروف الأكثر تطرفا على الأرض مثل الجفاف، أو فرط الملوحة، أو السخونة، وعملوا على استغلال الدور النافع لهذه الميكروبات لصالح نباتات المحاصيل، لتزدهر الزراعة في المناطق القاحلة، أو في ظل الظروف البيئية القاسية. وفقا لموقع (كاوست).
جمع البروفيسور هريبرت هيرت، أستاذ علوم النبات في “كاوست”، مع فريقه عدة آلاف من سلالات هذه الميكروبات من مختلف الصحاري في جميع أنحاء الشرق الأوسط ضمن دراسة آليات بقاء النباتات التي تعيش في الظروف القاسية، وعملوا على تطبيق ما توصل إليه على نباتات المحاصيل. وجاء إنجازهم الرائد متمثلًا في الكَشْف عن أنَّ الكثير من الميكروبات التي تعيش في جذور النباتات الصحراوية تستطيع العيش لدى أكثر من مضيف، ثم نجحوا بعدها في نقل هذه الميكروبات إلى أنواعٍ أخرى من النباتات.
تحديات
وتعليقًا على هذا الإنجاز، قال الدكتور ماجد سعد، كبير الباحثين في مركز الزراعة الصحرواية ب”كاوست”، إنَّ أحد التحديات التي واجهت الفريق تَمَثَّل في كيفية إتاحة الميكروبات النافعة لصغار مزارعي الصحراء.
اختبار التقنية على أرض الواقع
وللتغلُّب على هذا التحدي، طَوَّر الفريق تقنيةً تُمكِّن مجموعةً مختارة من الميكروبات من تغطية البذور. وبتمويلٍ من الجامعة، وفَّر الفريق كمياتٍ صغيرة من البذور المغطاة بالبكتيريا لصغار المزارعين في السعودية، من أجل اختبار التقنية على أرض الواقع على بعض المحاصيل، مثل الخيار، والطماطم، والبرسيم الحجازي.
الحل السحري
ويرى هيرت أنَّ ميكروبات التربة النافعة هذه يمكن أن تكون “الحل السحري” للزراعة في هذا القرن؛ إذ ستساعد النباتات على النمو في ظروف الجفاف، والإجهاد الملحي، ودرجات الحرارة القصوى.
وشرح قائلًا: “تتكيف الميكروبات الصحراوية جيدًا مع الظروف البيئية القاسية، مثل الحرارة، والملوحة المرتفعة. وهي تساعد النباتات الصحراوية على النمو في مثل هذه الظروف، إذ تمدُّها بالعناصر الغذائية، وتُحسِّن من قدرتها على تحمُّل درجات الحرارة المرتفعة وشُحّ المياه”.
نِسَب التَّحسُّن المُتوقعة
فعلى سبيل المثال، حدَّد فريق هيرت سلالةً من البكتيريا تُعزِّز مقاومة النباتات للجفاف عن طريق تحسين كفاءة استهلاكها للمياه. وعن نِسَب التَّحسُّن المُتوقعة، عَلَّق هيرت قائلًا: “يمكننا تقليل استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين ٣٠ و٤٠ في المئة مع الحفاظ على معدلات الإنتاج”.
نقطة تَحَوُّل
وعن أهمية هذا يقول هيرت موضحًا: “تُقدِّر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) أنَّ المزارعين سيكون عليهم زيادة إنتاج الغذاء بنسبة ٧٠ في المئة بحلول عام ٢٠٥٠، للوفاء باحتياجات سكان العالم، الذين تتزايد أعدادهم. وإذا كان بإمكانك تحسين إنتاجية المحاصيل، دون استخدام مبيدات الآفات أو الأسمدة الاصطناعية، فستكون هذه نقطة تَحَوُّلٍ جذرية”. وأضاف الباحث: “نحن بحاجة إلى حلولٍ سريعة ومنخفضة التكلفة، وفي متناول مزارعي الكفاف، الذين يأكلون ما يزرعون”.
ويقول سعد إنَّ أبحاثهم تساعد على مواجهة التحديات العالمية، مثل التغيُّر المناخي، والأمن الغذائي، والاستدامة، وإنها قد تثمر عن تطبيقاتٍ في المجال الصحي، من خلال ما يمكن أن تكشفه من أدواتٍ جينية، ومضاداتٍ حيوية جديدة، على سبيل المثال.
التأقلم مع الظروف القاحلة
من جانب آخر يعمل فريقٌ بقيادة البروفيسور دانييل دافونشيو، استاذ العلوم البيولوجية ب”كاوست”، على استغلال التنوع الميكروبي من أجل تعزيز نمو النباتات في التربة القاحلة. ويعكف الفريق حاليًّا على دراسة بيئة الكائنات الدقيقة في الأنظمة البيئية الصحراوية، خاصةً الكائنات المرتبطة بالنباتات الصحراوية.
تأثير الميكروبات على النباتات
وعن تأثير الميكروبات على النباتات، يقول دافونشيو: “تعمل الكائنات الدقيقة، إلى جانب التربة والمنطقة الملاصقة لجذور النباتات (الرايزوسفير)، وأيضا منطقة الانسجة النباتية (الإندوسفير)، بمثابة مجتمعاتٍ تفاعلية، تتضمن أنواعًا مختلفة من الميكروبات التي تتفاعل أيضًا مع النبات المضيف، ومصفوفة التربة، والعوامل البيئية المحيطة، في شبكةٍ معقدة من التفاعلات الجزيئية”.
استيطان الكائنات الدقيقة لجذور النباتات
ويبحث فريقه كيف يمكن لهذه التفاعلات الجزيئية أن تؤثر على استيطان الكائنات الدقيقة لجذور النباتات، وعلى نمو النباتات أيضًا. إضافةً إلى هذا؛ يدرس الباحثون حاليًّا العوامل البيئية، مثل درجة الحرارة، والرطوبة، والجفاف، ومستوى الملوحة، والخصائص الكيميائية عند مناطق التَّمَاس بين التربة والجذور، بالإضافة إلى أنواع النباتات، ومجتمعاتها الإيكولوجية.
دراسة تَجَمُّعات المجتمعات الميكروبية في النباتات الصحراوية
على سبيل المثال، تعمل الباحثة رامونا ماراسكو، المتخصصة في البيولوجيا الدقيقة، على دراسة تَجَمُّعات المجتمعات الميكروبية في النباتات الصحراوية البرية والأنواع المُستزرَعة، مثل نخيل البلح، تحت الظروف المناخية المختلفة، وفي أنواعٍ مختلفة من الترب. وتكشف أبحاثها أنَّه رغم تَوفُّر مجموعةٍ متنوعة من الكائنات الدقيقة، فإنَّ نخيل البلح، مثل غيره من النباتات الصحراوية، دائمًا ما يستعين بمجتمعاتٍ ميكروبية بالغة التشابه، تتشكّل من أنواع مختارة من مُحفزات نمو النباتات، تعمل على تخفيف الإجهاد الناتج عن الجفاف، على الرغم من تنوع الكائنات الدقيقة المتوفرة.
ومحفزات النمو مثل السماد الطبيعي تهدف إلى تسريع معدل نمو وانقسام الخلايا والاستطالة دون الإخلال بأفعالها الفسيولوجية الطبيعية.
ويقول دافونشيو عن ذلك: “هذا النوع من الاختيارات الثابتة تفرضه الظروف القاسية للتربة الصحراوية وللبيئات الصحراوية عمومًا، التي تحدّ من الخيارات المتوفرة للنباتات”.
تقييم إيكولوجيا منظومة جذور النباتات
وبينما يدرس الباحثون المجتمعات الميكروبية المُعقدة في التربة، والظروف القاسية للأنظمة الإيكولوجية الصحراوية، من المهم أن يُقيِّموا ويفهموا إيكولوجيا منظومة جذور النباتات على مستوى المجتمعات الميكروبية. وعن طبيعة ذلك يقول دافونشيو: “هناك تجري التفاعلات الخاصة بالكائنات الدقيقة المُحفزة لنمو النباتات، سواءٌ الطبيعية منها، أَم المضافة مثل الملقحات التي تتكون من كائنات دقيقة مفيدة، فتُحدِث بذلك تأثيراتها النافعة”.
الدروسٌ المستفادة
علاوةً على ذلك، اهتم عالِم البيولوجيا البروفيسور أليكساندر روسادو، واستاذ، علوم الأحياء بالجامعة، بدراسة الميكروبات التي تعيش في العديد من الأنظمة البيئية بالسعودية، بما في ذلك الصحاري، والبراكين، وذلك من خلال أبحاثه على الكائنات التي تعيش في البيئات القاسية للغاية، مثل الكائنات التي تسمى مٌحبات الظروف الصعبة أو ” إكستريموفيل” (Extremophiles) والبيئات القاسية مثل الينابيع الساخنة، والمياه المالحة، والمستنقعات وغيرها.
وقد كشف في أبحاثه عائلةً من البكتيريا الصحراوية يمكنها أن تعيش على كمياتٍ ضئيلة من ثاني أكسيد الكربون، كما تستطيع امتصاص النيتروجين بكفاءة عالية.
يقول روسادو إنَّ هذه الآليات الجديدة لتثبيت النيتروجين والكربون يمكن أن تساعدنا في ابتكار منتجات التقنية الحيوية الجديدة، بما بحقِّق الاستدامة في مجالات الطاقة الحيوية والزراعة.
وعن أهمية ذلك يوضح معقِّبًا: “تطبيقات التقنية الحيوية المُمكنة لهذه الآليات يمكن أن تشمل مزيدًا من التطوير للنباتات المعدَّلة جينيًّا، القادرة على استهلاك النيتروجين، سواء في وجود كمياتٍ ضئيلة من الأسمدة الكيميائية، أَم في عدم وجودها على الإطلاق”.
إضافةً إلى هذا، يهتم فروسادو كذلك بالتطبيقات الممكنة لتلك الميكروبات في مجال استيطان الفضاء.