مقالات

خلف الشاشة

في ظل التطور التكنولوجي الحاصل في مختلف الأصعدة، والانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في الآونة الأخيرة؛ ظهرت الكثير من الدراسات حول هذا الموضوع لبيان إيجابياته وسلبياته، وتبعات هذا التطور، بما فيها من ظهور سلوكيات وظواهر غير معروفة سابقًا لدى أفراد المجتمع، ومن هذه السلوكيات التنمر الالكتروني؛ فقد اهتمت الدراسات  بالتحذير من سلبيات هذا الخطر الفتاك الذي يفتك بالأبناء ويؤذي حاضرهم ويدمر مستقبلهم؛ حيث يعد واحداً من  اخطر الظواهر الإلكترونية التي باتت منتشرة وبشكل كبير، كما ويعتبر أشد خطورة من أنواع التنمر الأخرى، وذلك بسبب عدم المواجهة بين الضحية والمتنمر، فالتنمر الالكتروني سلوك يتم عبر الانترنت أو وسائل الاعلام الكترونية، ويقوم به فرد أو مجموعة من الأفراد من خلال الاتصال المتكرر الذي يتضمن رسائل عدوانية بهدف إلحاق الأذى بالآخرين؛ وقد تكون أحياناً هوية المتنمر مجهولة أو غير معروفة.

وقد بينت الدراسات حول هذا الموضوع بأن  طفل من بين أربعة أطفال تعرضوا  للتنمر الالكتروني، وأن طفلًا  واحداً من بين ستة أطفال اعترفوا لوالديهم بتعرضهم لهذا النوع من التنمر، كما وأن شخص واحد من خمسة أشخاص حول العالم متورطون بهذا التنمر، والأغلبية منهم مراهقين من طلاب المرحلة الثانوية، أما ضحاياه فقد تبين بأن أغلبهم من الإناث.

وللتنمر الالكتروني أنواع؛ إما أن يكون مباشراً ، باستخدام الإنترنت أو الهاتف المحمول للتهديد والإهانة: كتشوية السمعة، وانتهاك الخصوصية، والسخرية، وإرسال ملفات محملة بالفيروسات عن عمد، وسرقة الحسابات، وإرسال الصور والرسوم غير اللائقة  أو التي تتضمن تهديد؛ وأما النوع الثاني من هذا التنمر فيكون غير مباشر، أي بالتنكر: كأن يقوم المتنمر بخداع شخص ما والتظاهر بأنه شخص آخر، أو نشر ما يسيء إلى الآخرين عبر الهاتف المحمول وبرامج الدردشة؛ ولقد تعددت الأسباب التي تدفع للتنمر الالكتروني ومنها المناخ المدرسي، والعوامل الأسرية، ومجموعات الأقران؛ والأسباب المرتبطة بالإعلام، و الثورة التقنية؛ وأسباب مجتمعية.

وفي حالة استمرار هذا السلوك على الضحية فأنه يخلق أثاراًجسيمة، ومنها صعوبة الثقة بالآخرين، والنظر اليهم بعين الشك، وتشتت الذهن، وتدني المستوى الدراسي، وضعف الثقة بالنفس، والنظرة الدونية للذات، والخوف، والقلق، والاكتئاب، والعزلة، والانطواء على النفس، والانسحاب من الأنشطة الاجتماعية في محيط الاسرة والمدرسة، والتعرض لمشاكل نفسية وعاطفية وسلوكية. كما ويؤدي التنمر الالكتروني إلى اضطرابات الأكل والنوم، وتشعر الضحية بأنها مرفوضة لدى الآخرين، ومن المحتمل أن تدفع الضحية للتفكير بالانتحار أو إيذاء الذات.

إن كل من يتعامل مع الانترنت يصبح عرضة للتنمر الالكتروني. ولتفادي هذه الآثار والوقاية منها هناك عدة طرق، ومنها استخدام نظام الامن في التطبيقات والحسابات الشخصية، وتغيير كلمة مرور الهواتف والحاسوب من حين لآخر، والتفكير والبحث والقراءة قبل تسجيل الدخول إلى المواقع أو استخدام تطبيقات أو تزويد الآخرين بالموقع الشخصي، وعدم استخدام حساب واحد وكلمة مرور واحدة لجميع التطبيقات، وعدم وضع نقاط الضعف على الملأ، وعدم مشاركة الآخرين تفاصيل اليوم، والحديث باحترام في حسابات الآخرين، وتجنب اللجوء أو المشاركة في التنمر على الآخرين – عملًا بقوله تعالى (وَلَا تَعْتَدُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ) كتأكيد على عدم الحاق الأذى بالآخرين سواء بالقول أو الفعل. وللحد من آثاره السلبية على الجميع القيام بواجبه، وفي المقدمة الأسرة والمدرسة والاعلام، وذلك بزيادة الوعي، خاصة لدى الأطفال والشباب، لحمايتهم من المخاطر الكامنة خلف لوحة المفاتيح؛ السلام النفسي غايتنا وأمن وأمان أبنائنا هو الهدف الذي نصبو إليه.

وفاء آل سعدون

ماجستير علم النفس التربوي

أستاذة جامعية

عضو و مستشارة لدى مجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل

( دهوك – العراق)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى