منوعات

اقتصاديات السعادة.. للناس والصحة والبيئة

المجتمعات البشرية اليوم – أو العقلاء منها على أقل تقدير – باتت كالإبل التي نفرت، فشردت، ثم أدركت ما أوقعت فيه نفسها من المهالك، فما لبثت أن عادت لحياتها الأولى، ولكن بأعين ووعي جديدين، لترى القديم بأعين جديدة، وتضيف له سمات من واقع خبراتها التي اكستبتها حال شرودها.

اقتصاديات السعادة وتجليها

من بين تجليات ذلك، الموجة المتصاعدة عالميا لإعادة اكتشاف الأسواق المحلية والحرص على أن المحلية وحدها لا تكفي بل لابد من توافر “الاستدامة” فيها، وهو ما يشكل جزءا من السمات الرئيسية لما يسمى باقتصاديات السعادة وتجليها في التنمية المحلية أو الأقلمة Localization والتي تطرح نفسها بديلا للعولمة.

في الآونة الأخيرة نشر موقع “ذا بتر إنديا The Better India” تقريرا ضافيا يوم 18 يونيو 2018، تناول فيه موجة انتشار الأسواق المحلية والمتاجر المستدامة في ولاية “جوا Goa”، أصغر الولايات الهندية مساحة.

اقتصاد السعادة لتحقيق الاستدامة

تلك الأسواق التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة وتقدم المنتجات الطازجة من المزرعة والأطعمة محلية الصنع ومنتجات العناية الشخصية وحتى بعض المنتجات المبتكرة، والتي تتوافر فيها جميعا بعض السمات التي ينطبق عليها بها وصف “الاستدامة” تختلف بها عن الأسواق الأسبوعية التقليدية، مثل توفير غذاء صحي ليس فقط في مكوناته ولكن في طريقة إعداده، ومنتجات عضوية وطبيعية ليس فيها كيماويات، كما هو الحال في “سوق حراس الأرض Earth Keeper’s Market” والذي يقام في موقعين في الولاية حاليا، وسوق مزارعي جوا Goan Farmer’s Market والذي يقام في أشهر مدن جنوب الولاية ويشارك فيه 26 من المزارعين بمنتجاتهم المتنوعة.

منتجات مستدامة

ومع شعبية هذه الأسواق في جوا، ذهب بعض رواد الأعمال خطوة إضافية إلى الأمام وبدأوا في تأسيس متاجر بيئية. تقول فايشالي شوهان، التي تدير متجر دريانش جرين Dhairyansh Green، وهو متجر في العاصمة باناجي Panjai، إن كمية النفايات التي تنتجها جوا وتأثيرها على البيئة دفعتها إلى بدء المتجر، الذي يوزع منتجات مستدامة مثل فرشاة أسنان، وسدادات أذن، وشفاطات، وفرش شعر  مصنوعة من الخيزران، وأقمشة الصحية قابلة للغسيل، والأكياس القطنية، وحلي من الحبوب، وحفاضات الأطفال القابلة للغسيل، إلخ. المتجر الذي عمره سبعة أشهر فقط يشارك أيضا في أسواق المزارعين والأحداث العامة الأخرى، وكما تشير صاحبته فإن هناك طلبًا متزايدًا على مثل هذه السلع المستدامة، لكن المزيد من الوعي مطلوب أيضا. ومن أجل هذا الوعي، يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة.

متجر “إكوبوسرو” البيئي

إكوبوسرو Ecoposro هو متجر بيئي جديد أيضا في جوا، وهو أول متجر يعتمد مبدأ “صفر نفايات”، حيث لا يحتوي أيا من منتجاته على البلاستيك، وجميع منتجاته تم الحصول عليها من المنتجين المحليين، ويبيع المتجر الذي يعمل في شمال جوا الضروريات المنزلية مثل الحبوب والتوابل وزيوت الطبخ والبقالة والخضروات، والمنتجات المحلية مثل خل جوز الهند والملح الصخري والجاجري (وهو سكر غير متبلور غير مكرر، وغير مقطر). والمنظفات ومستلزمات النظافة الخالية من النفايات، والفوط الصحية القماشية، ووسائل العناية الشخصية الصحية، إلخ. فضلا عن صواني الطعام من الصلب، وزجاجات المياه النحاسية وبعض الأدوات المكتبية المصنوعة من الورق والكرتون المعاد تدويره.

الأكياس الورقية

وفي المتجر “يمكن للعميل اختيار مقدار ما يريده للشراء، وفقًا للوزن، فإذا لم يكن لدى العميل حاوية لحمل ما اشترى، يمكنه شراء أكياس ورقية من المتجر، أو شراء عبوات زجاجية للبضائع السائلة قابلة للاسترداد. ولدى المتجر خدمة التسليم المنزلي، حيث يحضرون الطلبات في أوعية المتجر، ويملأون منها مباشرة في أوعية العميل”.

تحديات أسواق السعادة

لكن تلك الأسواق والمتاجر أمامها تحديات، منها جعل المنتجات ميسورة التكلفة، حيث عادة ما يتم تسعيرها بشكل عام أعلى من العلامات التجارية التقليدية، وهو ما يبقي المشترين بعيدا. ولجعل المنتجات أرخص، على المهتمين والقائمين على تلك المشاريع أن يعلموا المزارعين العضويين كيفية استخدام تقنيات الزراعة الطبيعية والزراعة المستدامة، التي تكون فيها تكاليف المدخلات أقل مما هي في الزراعة التجارية. والسعي أيضا لتكون الأسواق قريبة من المزارع بحيث يكون هناك انخفاض في تكلفة النقل.

كما يجب تقديم تسهيلات للمزارعين من أجل البيع المباشر للعملاء بحيث لا يتواجد الوسطاء، مع مساعدتهم عبر تفهيم الناس عموما قيمة الأغذية العضوية التي تقلل بشكل كبير من فواتيرهم الطبية وزيارات الأطباء ورسومهم، وهنا نأتي للتحدي الآخر أمام تلك الأسواق والمتاجر وهو إقناع الزبون العادي بأن يكون مستهلكًا واعيا. لذلك يجب تكثيف عمل وسائل بث الوعي المختلفة إلكترونيا، ووجها لوجه عبر النقاشات والحوارات وورش العمل المعنية بنشر الوعي الاستهلاكي.

زيادة الوعي حول تأثير القرارات الشرائية

وكما يقول كاتب التقرير فلكي يكون المرء مستهلكًا واعيًا عليه أن يتجاوز مجرد رفض الأكياس البلاستيكية، أو فصل النفايات الخاصة به أو تناول الأطعمة العضوية، ليمتد إلى زيادة الوعي حول تأثير قراراته الشرائية على البيئة والصحة بشكل عام. وأنه إذا كان الحصول على مثل هذه المنتجات مهمة شاقة لكن هناك حركة اجتماعية الآن تساعد الناس على اتخاذ تلك الخيارات الصحيحة وبالأسعار المناسبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى