المسئولية الأخلاقية لتسويق حليب الأطفال.. تجربة “نستله”
قبل أكثر من 150 عاما، اخترع الصيدلي السويسري “هنري نستله” طعاما صناعيا لإنقاذ الأطفال الذين لا يرضعون رضاعة طبيعية لأي سبب، وقال “في الشهور الأولى من حياة الطفل، لابد أن يكون حليب الأم الطبيعي هو مصدر الغذاء للطفل، وعلى كل أم أن تسعى لتحقيق هذا بقدر الإمكان”.
“نستله” حاليا هي شركة متعددة الجنسيات متخصصة في إنتاج الأطعمة المعلبة، وتصنف الشركة حالياً كواحدة من أكبر الشركات في العالم ولها العديد من خطوط الإنتاج المتخصصة، وتمتلك حوالي 450 مصنعا في 190 دولة حول العالم، وتوظف حوالي 340 ألف شخص، كما أنها أحد المساهمين الرئيسيين في شركة “لوريال” الفرنسية التي تعد أكبر شركة مستحضرات تجميل في العالم.
منتجات نستله أغذية الأطفال
تشمل منتجات نستله أغذية الأطفال، والأغذية الصحية، والمياه المعبأة، وحبوب الإفطار، والقهوة، والشاي، والحلويات، ومنتجات الألبان، والآيس كريم، والأطعمة المجمدة، وأطعمة الحيوانات الأليفة، والوجبات الخفيفة، ومن أهم العلامات التجارية المعروفة عالميا والتي تمتلكها نستله: حليب نيدو، نسكويك، مياه بيور لايف، سيريلاك، كورن فليكس، كوفي ميت، كيتكات، نسكافيه، ماجي، نسبريسو، وغيرها كثير.
“نستلة”.. نصائح قاتلة
في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، اتهم أخصائيو الصحة شركة نستله أن نشاطها حول العالم قد جعل الكثير من الأمهات، خاصة في العالم الثالث، يرفض إرضاع أولادهن من حليب صدورهن وأصبحن يفضلن ما تنتجه نستله من حليب صناعي، وبعضهم أطلق على نستله لقب “قاتلة الأطفال”، حيث اتهموا الشركة بتقديم “نصائح قاتلة” للأمهات، وأصبح الرأي العام كله يناقش تلك الاتهامات.
نستلة.. أساليب مهذبة
كانت التهمة الأساسية للشركة هي استخدام “الأساليب المهذبة” في تسويق منتجاتها في بلاد العالم الثالث، وذلك لإقناع الأمهات الفقيرات أن التغذية الصناعية أفضل لأولادهن.
كان من تلك الأساليب التسويقية البروشورات الإعلامية التي تنفي ميزات التغذية بحليب الأم، وتوفير منتجات الشركة بأسعار مخفضة للأمهات الفقيرات، وحتى تقديم العينات المجانية والهدايا التي نجعل تلك الأمهات الفقيرات يتحولن إلى الرضاعة الصناعية.
ما زاد الطين بلة بالنسبة لنستله، أن الكنيسة الكاثوليكية والعاملون فيها أرادوا سحب مليون جنيه استرليني كانوا قد وظفوها في الشركة، وأعلنت الكنيسة الحظر على شراء “نسكافيه” كاحتجاج على استخدم مواد بديلة لحليب الأم في دول العالم الثالث.
تسمح “منظمة الصحة العالمية” بانتشار غذاء الأطفال الصناعي مجانا أو بأسعار مخفضة للأمهات اللواتي لا يستطعن إطعام أطفالهن من حليب صدورهن، إلا أنه ونتيجة للاحتجاجات الواسعة بخصوص هذا الشأن، بدأت المنظمة العالمية لتصنيع غذاء الأطفال (JFM) بالتعاون مع منظة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف في إبرام اتفاقيات ثنائية مع العديد من الدول حول وقف انتشار وتوزيع أغذية الأطفال مجانا أو بأسعار مخفضة.
دعاوى نستلة القضائية
رفعت نستله دعاوى قضائية ضد الناشطين الذين اتهموها بالكذب والتزوير فيما يتعلق بنشاطها حول العالم، واستمرت الدعاوى سنينا استحوذت فيها على اهتمام وسائل الإعلام العالمية، ورغم أن نستله قد كسبت تلك الدعاوى، إلا أن رئيسها قال وقتها “لقد ربحنا الدعاوى القضائية، لكن كان هذا بمثابة كارثة في علاقتنا مع الرأي العام”.
شركة نستله حاليا من أكثر الشركات المنتجة لحليب الرضع التزاما بسياسة منظمة الصحة العالمية (WHO Code)، حيث أنها مهتمة بالرضاعة الطبيعية، وأن كل أم لا بد أن ترضع ابنها طبيعيا لمدة 6 شهور حصريا دون أي اضافات، أما في حال تعسر الرضاعة الطبيعية فإن شركة نستله توفر منتجاتها من حليب الرضع كأفضل بديل لحليب الأم والأقرب له من حيث التركيب والجودة.
أيضا ترفض شركة نسلته التسويق لحليب الرضع الأقل من عمر السنة الواحدة وتمنع منعا باتا التواصل المباشر بين موظفيها والأمهات، وإنما تترك الأمر والخيار لأطباء الأطفال، حيث أن مندوبيها يقومون بزيارة الأطباء فقط لشرح الخلفية العلمية لمنتجات نستله لحليب الرضع.