قسم الطبيب.. من أبوقراط إلى إعلان جنيف
منذ زمن سحيق, حين ظهر قسم أبقراط الطبي, والطبيب يقطع على نفسه عهوداً ويقسم بخالقه سبحانه وتعالى, على تنفيذها والقيام بها. وتلك العهود التي أقسم على تنفيذها هي الواجبات والآداب الطبية, بالمحافظة على صحة مرضاه والعناية بهم, وأن يكون محافظاً على صحتهم باذلاً كل جهده بقدر استطاعته لدرء الخطر والآلام عنهم, ساتراً عوراتهم, كاتماً سرهم, مقدماً رعايته الصحية للصالح والخاطئ, للقريب والبعيد, للصديق والعدو, للغني والفقير, للعبد والحر, للصغير والكبير, موقراً من علمه, مثابراً على طلب العلم دائماً وابدا حتى اللحد أنّى كان منبعه, موقراً من علمه ومقدماً الخدمة لمن يحتاجها.
قسم أبقراط
نص قسم أبقراط كما ذكره ابن أبي أصيبعة في كتابه طبقات الأطباء: ( إني اقسم بالله رب الحياة والموت, وواهب الصحة, وخالق الشفاء, وكل علاج. واقسم بأسقليبيوس, واقسم بأولياء الله من الرجال والنساء جميعاً, واشهدهم جميعاً على أني أفي بهذه اليمين وهذا الشرط, وأرى أن المعلم لي هذه الصنيعة بمنزلة آبائي وأواسيه في معاشي, وإذا احتاج إلى مال واسيته وواصلته من مالي. وأما الجنس المتناسل منه فأرى انه مساوٍ لإخوتي, وأعلمهم هذه الصناعة إن احتاجوا إلى تعليمها بغير إجرة ولا شرط, واشرك أولادي وأولاد المعلم لي والتلاميذ الذين كتب عليهم الشرط أو حلفوا بالناموس الطبي فى الوصايا والعلوم وسائر ما في الصناعة, وأما غير هؤلاء فلا أفعل به ذلك وأقصد في التدابير بقدر طاقتي منفعة المرضى.
وأما الأشياء التي تضر بهم وتدني منهم بالجور عليهم فأمتنع منها بحسب رأيي ولا أعطي إذا طلب مني دواء قاتلاً ولا أشير أيضاً بمثل هذه المشورة وكذلك لا أرى أن أدني من النسوة فرزجة (شئ يتداوى به النساء) تسقط الجنين, وأحفظ نفسي في تدبيري وصناعتي على الزكاة والطهارة, ولا أشق ايضاً عمن في مثانته حجر, ولكن أترك ذلك إلى من كانت حرفته هذا العمل. وكل المنازل التي أدخل إليها لمنفعة المريض, وأنا بحال خارجة عن كل جور وظلم وفساد إرادي مقصود إليه فى سائر الاشياء, وفى الجماع للنساء الرجال, الأحرار منهم والعبيد, وأما الأشياء التي أعانيها في أوقات علاج المرضى أو اسمعها في غير أوقات علاجهم فى تصرف الناس من الاشياء التي لا يُنطق بها خارجاً فأمسك عنها, وأرى أن أمثالها لا ينطق به. فمن أكمل هذه اليمين ولم يفسد شيئاً كان له أن يكمل تدبيره وصناعته على أفضل الأحوال وأجملها وان يحمده جميع الناس فيما يأتي من الزمان دائماً ومن تجاوز ذلك كان بضده). وفى رواية ثانية لقسم أبوقراط كما أورده الدكتور الحكيم راجي عباس التكريتي فى كتابه “السلوك المهني للأطباء”… (… هذا هو نص القسم المتفق عليه في أغلب المصادر والوثائق التاريخية:
(أقسم بأبولو الطبيب, وإسكلابيوس, وهيجا وبانيسيا, وأشهد جميع “الآلهة”, على أني سوف أحفظ عهدي التالي حسب إمكاني وحكمي).
(أن أعز من علمني هذا الفن كمعزتي لوالدي, واشركه معاشي, وغن احتاج فأقاسمه مالي واعتبر ذريته كإخوتي, أعلمهم هذا الفن دون أجر أو شرط).
(سوف لا أصف دواء قتالاً, أو أنصح بما يسبب الموت إرضاءً لأحد ولا أعطي امرأة فرزجة مجهضة, بل سوف أديم طهارة حياتي وفني).
(وألا أخضي الاِخاص الذين يعملون تحت الأحجار, ولكني سأترك ذلك لم يمارسون هذا العمل).
وهنالك من يقسمون بقسم طبي خاص بهم قد حوروه بإيجاز عن قسم أبقراط على حسب ملائمته لهم طبقاً لمعتقداتهم وأحوالهم وظروفهم, ولكن نرى من خلاله أن روح وبعض افكار أبقراط لا تزال موجودة ومهيمنة في ذلك القسم.
قسم موسى بن ميمون الأندلسي
وإليكم القسم الذي وضعه الطبيب موسى بن ميمون الأندلسي كما جاء في كتاب الحكيم راجي عباس التكريتي (سابق ذكره): (…. وأن موسى بن ميمون الأندلسي من أهالي الأندلس كان يهودي النحلة قرأ علم الأوائل بالأندلس وأحكم الرياضيات, وقرأ الطب هناك فأجاده علماً, وقد أسلم في الأندلس ودرس العلوم الإسلامية, ومن ثم سافر إلى مصر وسكن الفسطاط وتزوج يهودية وارتد عن الإسلام.
وقد غلبت عليه النحلة الفلسفية وعاش فى النصف الثاني من القرن الثاني عشر, وكان موسى بن ميمون طبيباً حاذقاً وفيلسوفاً متبحراً بالعلوم الغسلامية واليهودية واليونانية وله قسمه الخاص الذي وضعه على هيئة دعاء ” ربي املأ نفسي حباً عميقاً لفن الطب ولجميع الناس ولا تسمح بان يلوث التعطش للربح والمجد الباطل فني, فإن أعداء الحق والظالمين يستطيعون بسهولة أن يقصونني عن إنجاز واجبي الشريف فى صنع الخير والصلاح نحو عبادك”.
“ربي اسند قلبي ليكون أهلاً لخدمو الفقير والغني على السواء وخدمة الصديق والعدو والصالح والشرير على السواء”.
” ربي دعني ان لا أرى فى المريض إلا آلامه وأوجاعه ولتبقى نفسي صافية نقية قرب سريره, وأبعد عني سئ الأفكار وخبيثها عند معالجتها لأبذل خالص علمي وفني”.
“إن خدمة البشر المتألم والمحافظة على حياته لامر سامٍ عظيم”.
“ربي هبني الأناة والصبر وطيب النفس وسعة الصدر عند سرير المرضى الجهلاء والعنودين”.
“امنحني القناعة في كل شئ إلا القناعة في حب الطب وتقدمه”.
إعلان جنيف
قسم الطبيب نظم في إعلان جنيف عام 1948 من قبل الرابطة الطبية العالمية.
تم تبنيه من قبل الجمعية العامة للرابطة الطبية العالمية بجنيف، سويسرا في سبتمبر 1948 والمنقحة في الاجتماع الثاني والعشرين للرابطة الطبية العالمية بسيدني، أستراليا، في أغسطس 1968.
الهدف من قسم الطبيب
القسم يبدو كرد على الأعمال الفظيعة من قبل الأطباء في ألمانيا النازية. يبرز القسم ضرورة ان لا يستخدم الطبيب معرفته الطبية بطريقة مخالفة للقوانين الإنسانية. هذه الوثيقة تم اعتمادها من قبل الرابطة الطبية العالمية قبل ثلاثة أشهر فقط من تبني الجميعية العامة للالأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي يعطي للشخص الامان.
وبناءً على تقاعد الطبيب، قسم الطبيب على التقاعد يتم اقتراحه من أجل المسؤوليات الإخلاقية، النفسية، الاجتماعية والثقافية التي بفترض بالطبيب التحلي بها عند يتخلي طوعياً عن مسؤولياته في الممارسة الطبية الفعلية.
القسم الإسلامي
وفي ثمانينيات القرن الماضي أقر المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي بمناسبة مطلع القرن الهجري الخامس عشر المنعقد فى دولة الكويت بتاريخ 6-10 ربيع الأول سنة 1401 هـ الموافق 12-16 يناير سنة 1981م أقر القسم الطبي التالي:
(أقسم بالله العظيم أن أراقب الله فى مهنتي. وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها, في كل الظروف والأحوال, باذلاً وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق. وأن أحفظ للناس كرامتهم, واستر عوراتهم, وأكتم سرهم. وان أكون على الدوام من وسائل رحمة الله باذلاً رعايتي الطبية للقريب والبعيد, الصالح والخاطئ, والصديق والعدو. وأن أثابر على طلب العلم, أسخره لنفع الإنسان لا لأذاه. وأن أوقر من علمني وأعلم من يصغرني واكون أخاً لكل زميل في المهنة الطبية في نطاق من البر والتقوى. وأن تكون حياتي مصداق إيماني في سري وعلانيتي نقياً مما يشيبني أمام الله ورسوله والمؤمنين. والله على ما أقول شهيد).