باحث مصري يساهم في الكشف عن آلية هجرة الخلايا السليمة والسرطانية.. ويمهد لتطوير علاجات جديدة
تحدثت دورية “نيتشر ستركشرال آند موليكيولر بيولوجي“ عن تمكن فريق بحثي من جامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك وجامعة أوريغون الأميركيتين من تحديد التركيب البِنَائي عالي الدقة للحظة ميلاد خيوط الأكتين.
هذا الحدث الهام شارك فيه الباحث المصري “محمد شعبان”, حيث ساهم “شعبان”, في الكشف عن آلية هجرة الخلايا السليمة والسرطانية، الأمر الذي يمهد لتطوير علاجات جديدة.
اكتشف العلماء بروتين الأكتين أحد أكثر البروتينات وفرة وأهمية في الخلية والذي يلعب دورًا رئيسًا في عدد من العمليات الحيوية والمرضية داخل الخلية، كما اكتشفوا مركب (Arp2/3)، وهو بروتين خلوي يلعب دورا حاسما في انقسام الخلايا والاستجابة المناعية والنمو العصبي منذ أكثر من عقدين.
ولكن لم يتمكن الباحثون من رؤية ذلك المركب في حالته المُنَشَّطة، أو تصوير التركيب البنائي عالي الدقة لخيوط الأكتين لحظة ولادتها حتى يومنا هذا.
سحر الأكتين
تعتمد الكثير من العمليات الحيوية الهامة وأنظمة الدفاع الخلوية على هجرة الخلايا التي تعتمد على قدرتها على توليد القوة الدافعة واللازمة لها من خلال بروتين يسمى الأكتين.
والأكتين هو أكثر البروتينات وفرة في خلايا حقيقيات النوى، ويشارك في العديد من العمليات الخلوية الهامة مثل توفير الدعم البنيوي للخلية ونمو العصبونات ونقل العُضَيَّات والبلعمة الخلوية وانقسام الخلايا وهجرتها.
ويعد محمد شعبان، وهو باحث في الدراسات العليا، المؤلف الأول للدراسة بقسم الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الخلوية، في جامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك.
يقول الباحث في تصريح إعلامية, “عندما تحتاج الخلية للحركة في اتجاه معين، تتراص الوحدات المفردة من الأكتين مكونة خيوطا مزدوجة ملتفة، في عملية تعرف بالبلمرة، وبدورها تدفع خيوط الأكتين حافةَ الخلية إلى الأمام لتتحرك نحو اتجاه معين مسببة هجرة الخلية“.
وأضاف شعبان, “هناك عملية حيوية مهمة أخرى تسبق البلمرة تعرف باسم عملية التَنَوِّي، التي تعد آلية مهمة لتنظيم موعد ومكان بدء عملية البلمرة بشكل دقيق“.
عملية التَنَوِّي
تبدأ عملية التَنَوِّي من خلال مركب البروتين الذي يسمى (Arp2/3) والذي يستدعي وحدات الأكتين للتراص وتكوين خيوط الأكتين داخل الخلايا، ورغم تمكن العلماء من فصل هذه المكونات منذ عقود، فإنهم لم يتوصلوا إلى الآلية التي تحدث بها هذه العملية.
يقول شعبان “كان الأمر تحديا بالنسبة لنا في البداية. إذ قمنا بعدد من المحاولات لتوليد خيوط الأكتين في المختبر بشكل يُمَكننا من دراستها بالميكروسكوب الإلكتروني فائق التبريد“.
واضاف, “من أجل دراسة آلية التَنَوِّي، قمنا بفكرة جديدة وهي تنشيط مركب (Arp2/3) ببروتين آخر، كما قمنا بضبط التوقيت اللازم لتوليد خيوط قصيرة وكثيرة من الأكتين، ومن ثم تمكنا في النهاية من تصوير وبناء شكل ثلاثي الأبعاد عالي الدقة للحظة التَنَوِّي“.
حل اللغز المحير
تمكن الباحثون من تصوير مركب البروتين وهو في حالة تكوين النواة الأولى من وحدات الأكتين، ومن المتوقع أن يوفر هذا الهيكل البروتيني لمركب (Arp2/3) المنشط والمرتبط بخيوط الأكتين سياقا جديدا للإجابة عن تساؤلات دامت لأكثر من عقدين من الزمن.
من ناحية أخرى، تعد الهجرة الخلوية غير المُحْكَمَة سمة مميزة للورم الخبيث، لذلك، فإن فهم كيفية تنظيم الخلايا لخيوط الأكتين يشكل إنجازا علميا قد يرسي الأساس للكشف عن دورها في علم الأحياء وفي تطور الأمراض.
يقول سايكت شودوري، الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء الحيوية وبيولوجيا الخلية في كلية الآداب والعلوم في جامعة ستوني بروك، والمشرف على الدراسة في البيان الصحفي المنشور على موقع الجامعة “كان الحصول على التركيب الجزيئي لمركب (Arp2/3) المنشط هدفا طويل الأمد للعلماء“.
ويضيف شودوري “لا تمكننا معرفة الحالة النشطة للمركب، والتي ترتبط بالسرطان، والتنكس العصبي، والالتهابات البكتيرية والفيروسية ومشاكل التئام الجروح، فقط من ملء فجوة معرفية في مجال بيولوجيا الأكتين، بل تساعد أيضا في بناء فهمنا للأسباب الكامنة وراء عدد من الأمراض بهدف نهائي هو تطوير علاجات جديدة“.
ويقول شعبان “كانت أكبر اللحظات إثارة بالنسبة لنا عندما تمكنا من رؤية وبناء الشكل التركيبي لهذا المركب البروتيني لأول مرة، والذي كان لغزا لعقود“.
ويضيف “تضع هذه الدراسة حجر الأساس لفهم كيفية تكون نواة خيوط الأكتين المتراكبة كاستجابة للإشارات الخلوية المختلفة. ومن ثم ستساعدنا على فهم المبادئ الأساسية للعمليات التي تنظمها خيوط الأكتين مثل الهجرة الخلوية والهجرة غير المنضبطة للخلايا السرطانية“.