سرطان عنق الرحم وتعاون خبيث بين الفيروسات والبكتيريا
المرضى المصابون بسرطان عنق الرحم غالباً لا يصابون فقط بفيروس الورم الحليمي البشري (HPV)Human papilloma virus ولكن أيضًا وفي نفس الوقت مع ممرض آخر وهو نوع من البكتريا الصغيرة تسمى كلاميديا تراكوماتيس أو المتدثرة الحثرية Chlamydia trachomatis والتي تنتقل بصورة شائعة عن طريق الاتصال الجنسي، وقد لا يشعر المريض بالإصابة نظراً لعدم وجود أعراض أو مؤثرات محسوسة، لكنها قد تسبب التراكوما وهي التهاب ملتحمة العين. ويعتقد الباحثون أن هذين المُمرضين (الفيروس والبكتريا) قد يعملان معًا في فريق من أجل “إعادة برمجة” الخلايا التي يصيبانها بطريقة تجعلها تتدهور وتتكاثر بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
مجموعة بحثية من قسم علم الأحياء الدقيقة في جامعة جوليوس ماكسيميليان في فورتسبورغ (JMU)، كشفوا وللمرة الأولى، أن هذا التعاون الخبيث بين الفيروس والبكتريا ليس مجرد شك، بل له تأثير ملموس يمكن التحقق منه، حيث ينتهي بتحول الخلية إلى خلية سرطانية.
استطاع فريق البحث أن يطور نسخًا متماثلة من الأعضاء تشبه الحياة – تسمى العضيات ثلاثية الأبعاد – والتي يقومون من خلالها بالتحقيق في التفاعلات بين مسببات الأمراض والأنسجة التي تؤثر عليها وعمليات المرض. نشرت نتائج تلك الدراسة في فبراير الحالي 2022 في مجلة Nature Communications.
تم استخدام نماذج أورجانويد لإظهار خطر الإصابة بالعدوى المتعددة. وهي تخلق بيئة خلوية متناهية الصغر (مايكروية) فريدة تساهم في إعادة برمجة الأنسجة وبالتالي تطوّر السرطان. وللقيام بذلك، استخدم علماء علم الأحياء (بيولوجيا) الأمراض المعدية خلايا من متبرعين أصحاء لإنشاء نموذج شبه عضوي فسيولوجي لعنق الرحم.
على وجه الخصوص، تركز بحثهم على نوعين من الأنسجة: الأول، ما يسمى بـ ectocervix – جزء من الغشاء المخاطي لعنق الرحم الذي يمتد إلى المهبل. والثاني هو باطن عنق الرحم – الجزء من الغشاء المخاطي الذي يبطن عنق الرحم بداخله بشكل أكبر، ويربط الرحم. وتتمثل مهمتهم الأساسية في منع دخول مسببات الأمراض إلى الرحم وبالتالي المساعدة في الحفاظ على تعقيم الجهاز التناسلي الأنثوي العلوي.
المناطق التي يندمج فيها الجزء الخارجي من عنق الرحم وباطن عنق الرحم تشكل منطقة انتقالية وتكون عرضة بشكل خاص للعدوى والأورام، حيث إن معظم سرطانات عنق الرحم تنشأ هناك.
هناك أيضًا أسباب وجيهة للتركيز على مسببات الأمراض الفيروس HPV والبكتريا C. trachomatis: وهما من بين أكثر أنواع العدوى الممرضة التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي. لقد ثبت منذ فترة طويلة أن فيروس الورم الحليمي البشري يمكن أن يسبب السرطان. لهذا السبب، تنتشر الإصابة بهذا الفيروس الخبيث بين أولئك الذين يمارسون الزنا والإباحية في علاقاتهم الجنسية، وتنصحهم بلدانهم بالتطعيم ضده تجنباً للإصابة بسرطان عنق الرحم.
في الواقع، يمكن العثور على الحمض النووي للفيروس في أكثر من 90 في المئة من جميع سرطانات عنق الرحم. ومع ذلك، فهو ليس الجاني الوحيد، كما يتضح من حقيقة أنه على الرغم من إصابة أكثر من 80 في المئة من النساء بفيروس الورم الحليمي البشري خلال حياتهن، إلا أن اثنين في المئة منهن يصبن بالسرطان. لذلك يُعتقد أن العدوى المصاحبة لبكتريا كلاميديا تراكوماتيس تمثل عامل مساعد رئيسي في قيادة تكوين الأنسجة الخبيثة. ومع ذلك، فإن “ديناميكيات هذه العدوى المصاحبة والآليات الكامنة وراءها كانت غير معروفة إلى حد كبير.
شكل يوضح فيروس الورم الحليمي
تكمن المشكلة في أنه “على عكس فيروسات الأورام التي يمكن العثور على حمضها النووي في الأورام، نادرًا ما تترك البكتيريا المرتبطة بالسرطان عناصر يمكن اكتشافها في الخلايا السرطانية. ومع ذلك، ومن أجل ربط البكتيريا بتطور السرطان، فمن الضروري -كما ذكر الباحثون -تحديد تلك العمليات الخلوية والطفرية التي تؤثر في الخلايا التي تمر بتغيرات مرضية.
وقد أظهرت النتائج أن فيروس الورم الحليمي البشري والكلاميديا يتسببان في إعادة برمجة خلوية فريدة للمضيف (العائل)، بحيث يتم تنظيم العديد من المورثات (الجينات) صعودًا أو هبوطًا من قبل المُمرضين بطرق مختلفة، وهو ما يرتبط باستجابات مناعية محددة. من بين أمور أخرى، تؤثر العوامل المُمرضة على مجموعة فرعية مهمة من جميع الجينات المنظمة المسؤولة عن إصلاح تلف الحمض النووي.
خلصت الدراسة إلى أن استمرار وجود فيروس الورم الحليمي البشري والكلاميديا في الخلية الجذعية يمكن أن يؤثر سلبًا على الاستقرار الخلوي والجيني ويعزز أيضاً تطور وتقدم الورم. في الوقت نفسه، تقدم الدراسة أول دليل على أن العُضيّات ثلاثية الأبعاد لعنق الرحم التي طورتها مجموعة الدكتور شومدوري مناسبة لدراسة الجوانب المختلفة لبيولوجيا عنق الرحم، بما في ذلك اختبار الأدوية في ظل ظروف شبه فسيولوجية. إن قابلية زراعة هذه العُضيّات وإمكانية التلاعب بها وراثيًا تفتح طرقًا جديدة لدراسة تطور وتطور ونتائج الالتهابات المزمنة في بيئة ما قبل السريرية.
دكتور رضا محمد طه
أستاذ الميكروبيولوجيا والفيروسات المساعد – كلية العلوم جامعة الفيوم