“مركز الجينوم المصري”.. مشروع علمي لفك شفرة حياة الإنسان والتعرف على أسباب الإصابة بالأمراض
في مارس من العام الماضي 2021، تم تدشين (مشروع الجينوم المرجعي للمصريين وقدماء المصريين أو مركز الجينوم المصري) بهدف رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري، تتضمن الخريطة تحديد المؤثرات الجينية في تأثير الأدوية وعلاج الأمراض المختلفة، وتحديد العوامل الجينية المؤثرة في الاستجابة لأسباب الأوبئة المختلفة. الأمر الذي سيساهم في تفعيل الطب الشخصي والطب الدقيق، ويسهم أيضاً في تحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابات الفيروسية والذين يمكن أن يتعرضوا لانتكاسات صحية كبيرة تتطلب رعاية صحية خاصة. ويُعد هذا المشروع العمود الرئيس للطب الشخصي وأي منظومة صحية متطورة. كما يهدف المشروع أيضًا ألى دراسة الجينوم المرجعى لقدماء المصريين، وكذا دراسة الجينات المتعلقة ببعض الأمراض القاتلة مثل أمراض القلب والأورام السائدة لدى المصريين وكذلك الأمراض الوراثية الشائعة عمومًا في مصر.
ويُعد مشروع الجينوم البشري هو أحد أعظم أعمال الاستكشاف في التاريخ، ولا يضاهيه أي كشف علمي تم على مر العصور؛ إذ يمثل أعظم رحلة استكشاف داخل أعقد المخلوقات، “الإنسان”، من أجل كشف أسرار الجسد البشري, وفك شفرة حياة الإنسان وتحديد تسلسل جميع الجينات الخاصة به وقراءة المحتوى الجيني له بالكامل.
منارة علمية
سيكون مركز الجينوم المصري منارة علمية متاحة لكل الباحثين المهتمين بأبحاث الجينوم من داخل مصر وخارجها. فمن خلال مشروع الجينوم المصري سيتم إنشاء “مركز الجينوم المصري”، على أن يكون معملًا وطنيًا متخصصًا في أبحاث الجينوم ويتلقى الدعم السنوي من “أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا” المصرية، ويستضيفه “مركز البحوث والطب التجديدي” التابع لـ “وزارة الدفاع”، وسيكون بمشاركة كل الجهات البحثية و الجامعات المصرية ذات الخبرة في علم الجينوم بموجب اتفاقية تعاون بين الأكاديمية والجهات المنفذة. وسيكون المركز منارة علمية متاحة لكل الباحثين المهتمين بأبحاث الجينوم من داخل مصر وخارجها. وسيواكب إنشاء مركز الجينوم تأسيس وحدة متخصصة لمعالجة البيانات الكبيرة تبنى على الإمكانيات الحاسوبية، مثل تلك الموجودة في “جامعة القاهرة” و”مكتبة الإسكندرية” و”أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا” لتوفير القدرة الحاسوبية اللازمة لإجراء تحليل البيانات الكمية الهائلة المنتظر إنتاجها.
الجينوم البشري والظهور الأول
كان الظهور الأول لفكرة الجينوم البشري عام 1988، من خلال “أكاديمية العلوم الوطنية” الأمريكية، التي شكلت لجنة خاصة لوضع المشروع بالتعاون مع “المعهد القومي للصحة (NIH) وحصلت على تمويل للمشروع من لدن الكونجرس الأمريكي. فقد تم تشكيل فريق دولي شارك فيه العديد من دول العالم للتعاون معًا من أجل فك شفرة حياة الانسان وتحديد تسلسل جميع الجينات الخاصة بالإنسان وقراءة المحتوى الجيني له بالكامل. بدأ المشروع في أكتوبر 1990 وأعلن الرئيس الأمريكي، حينئذ، “بيل كلينتون” نتائج المشروع فى يونيو عام 2000، وانتهى المشروع رسميًا في أبريل 2003. استغرق إنجاز المشروع 13 عامًا من مجهود وتعاون العديد من المجموعات البحثية حول العالم؛ وهو ما مكن العلماء والباحثين من قراءة المخطط الكامل لطبيعة بناء الكائن البشري.
المفهوم
لكن ترى ما هو الجينوم المرجعي؟ الجينوم المرجعي (المعروف أيضًا باسم التجميع المرجعي) هو قاعدة بيانات رقمية لتسلسل الحمض النووي، تم تجميعها من قبل العلماء كمثال تمثيلي لمجموعة الجينات في كائن فردي مثالي لأحد الأنواع. وفي النهاية يشبه الجينوم المرجعي فسيفساء ولا يمثل أي فرد، بل يحدد صفات عامة للإثنيات والعرقيات.
يقول الدكتور سامح سرور عميد كلية الصيدلة جامعة حلوان، وعضو اللجنة العلمية لمشروع الجينوم المصري، إن الحمض النووي لجميع البشر متشابه بنسبة 99 في المئة، لكن الـ1 في المائة المتبقي، هو ما يجعل كل مجموعة إثنية من البشر لها صفات مختلفة عن الأخرى. ويضيف سرور (وفقا لـ “سكاي نيوز”)، أن هناك عديد من الدراسات نشرت في دوريات علمية حديثة، كان من بينها مؤخرًا دراسة أجرتها الجامعة الأمريكية في بيروت، وأخرى أعدتها جامعة المنصورة بالتعاون جامعة ألمانية.
الطب الشخصي
ويلفت الدكتور سامح سرور إلى أن أهمية المشروع لا تتوقف فقط عند تحديد مدى قرابة المصريين إلى العرقيات والإثنيات الأخرى، لكن الأهم هو ما يمثله المشروع في تحديد مدى ملائمة الأدوية للمصريين، خاصة أن البشرية مقبلة على عصر الطب الشخصي.
والطب الشخصي هو نموذج طبي يُقسم الناس إلى مجموعات مختلفة تساعد على تحسين القرارات والتدخلات الطبية، وكذلك المنتجات العلاجية المصممة خصيصًا للمريض استنادًا إلى الاستجابة المتوقعة أو خطر الإصابة بالمرض.
وهنا يوضح سرور، أن مشروع الجينوم المرجعي يساعدنا على فهم ما يميز المصريين عن غيرهم في الاستجابة للأدوية المختلفة، وكيفية الإصابة بالأمراض، وهو ما يعنينا في النهاية ويدعم المنظومة الصحية المصرية بشكل إيجابي.
إكسبو 2020
وفي إطار فعاليات معرض “إكسبو 2020 دبي”، نظمت “وزارة التعليم العالي والبحث العلمي” المصرية بالشراكة مع “مركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية”، فعالية استعرضت خلالها أبرز المستجدات ضمن “مشروع الجينوم المرجعي للمصريين وقدماء المصريين” من رؤية وأهداف وأهم المخرجات العلمية والتطبيقية التي سيسهم بها هذا المشروع الرائد.
وقال وزير التعليم العالي، الدكتور خالد عبد الغفار، لوسائل إعلام محلية، أن إطلاق المشروع يتمثل في إنشاء المركز المصري للجينوم، تحت مظلة أكاديمية البحث العلمي؛ مشيرًا إلى أن المشروع هو أحد أعظم أعمال الاستكشاف في التاريخ ولا يضاهيه أي كشف علمي تم على مر العصور.
وفي ذات السياق، قال الدكتور محمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، إن الأكاديمية أعدت مشروع الجينوم البشري للمصريين وأهدافه وآلية التنفيذ وخطته التنفيذية في يونيو 2020.
وأضاف صقر أن المشروع يهدف إلى إنشاء مركز الجينوم المصري، الذي سيكون معملًا وطنيًا متخصصًا في أبحاث الجينوم ويستضيفه مركز البحوث والطب التجديدي التابع لوزارة الدفاع بعد إعلان تنافسي، وبمشاركة كل الجهات البحثية المصرية ذات الخبرة في علم الجينوم.
ثروة عربية
وعلى هامش إكسبو 2020 الدكتورة مريم مطر, رئيسة جمعية الإمارات للأمراض الجينية، أن “الجينوم المرجعي للمصريين وقدماء المصريين”، القائم على عاتق فريق بحثي عالمي بجينات وراثية مصرية؛ يمثل مشروعاً واعداً وثروة قومية لجميع الدول العربية، مؤكدة أن الفائدة العلمية للمشروع لا تقتصر على مصر وحدها.
عوائد علمية وخفض تكلفة الرعاية الطبية
وأضافت مطر: “الجينوم المصري من أكبر المشاريع البحثية على أرض الكنانة، ومتوقع أن تكون عوائده العلمية كبيرة على المنطقة بأكملها، من خلال تنظيم منظومة الصحة العامة والرعاية الصحية، فضلاً عن تنمية العلوم الطبية والصناعات الجديدة التي تعنى برفع القدرة على تقديم خدمات الجينوم في مجال الرعاية الصحية داخل مصر، ووضع محددات جينية للتشخيص المبكر والتنبؤ بالأمراض المنتشرة بين المصريين”.
ولفتت “مطر” إلى أن المشروع البحثي يؤدي إلى خفض تكلفة الرعاية الطبية، وتحسين جودة حياة المصريين خاصة الأجيال القادمة، بالإضافة إلى وضع خريطة جينية للأمراض في مصر، ويؤدي إلي وضع القدرة على وضع عادات غذائية وصحية سليمة للوقاية من الأمراض، مما ينعكس بشكل كبير على خفض تكلفة الرعاية الصحية وفتح الباب لتطبيق العلاج الجيني في الأمراض المستعصية.
وأوضحت “مريم مطر” أن الكشف عن تفاصيل مشروع الجينوم المصري في إكسبو دبي، جاء برعاية كريمة من الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش الرئيس الأعلى لجمعية الإمارات للأمراض الجينية، وبتنظيم من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية، بالشراكة مع مركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية، وبحضور حصة بنت عيسى بو حميد وزيرة تنمية المجتمع، والبروفيسور مجدي يعقوب جراح القلب العالمي، وكوكبة من الشخصيات العلمية، مما يٌعد دلالة كبيرة على أهمية فكرة المشروع للبشرية.
الجهات المشاركة في المشروع
ويشار إلى أن المشروع يشارك فيه عدد من الجهات العلمية والتنفيذية في مصر، متمثلة في وزارات الدفاع والصحة والاتصالات وأكثر من 15 جامعة ومركز بحثي ومؤسسة مجتمع مدني، ووفقًا للخطة التنفيذية ينتهي تنفيذ المشروع نهاية عام 2025، بتكلفة مبدئية تصل إلى 2 مليار جنيه (128 مليون دولار أمريكي).