سيكولوجية الطفل الرافض للمدرسة: الخوف المرضي.. المفهوم – الأسباب- التشخيص- العلاج
الخوف من المدرسة School refusal أو الرفض من المدرسة هو مصطلح يستخدم لوصف علامات القلق لدى الطفل في سن المدرسة ورفضه أو رفضها الذهاب إلى المدرسة. ويسمى أيضًا تجنب المدرسة أو رهاب المدرسة. يمكن رؤيته في أنواع مختلفة من المواقف.
والخوف من المدرسة, هو أحد المخاوف التي تراود الطفل وقد لفت هذا نظر الباحثين والدارسين ليس لكونه معيقاً لنمو الطفل من الناحية النفسية والاجتماعية والانفعالية فحسب, بل لكونه خوفاً حقيقياً وتجنباً صارماً لايزول مع مرور الوقت في كثير من الأحيان.. وقد اختلف العلماء في تحديد هذا المفهوم: فمنهم من أطلق عليه مصطلح رفض المدرسة ومنهم من أطلق عليه قلق الانفصال ومنهم من أعتبره شكلاً من أشكال الهـروب من المدرسة .
وفي عـام ( 1932) وصف “برودوين” الهروب من المدرسة بأنه غياب متعمـد عن المدرسـة رغم عدم وجـود أسباب واضحة لذلك.
ولكن الخوف من المدرسة عبارة عن خوف الطفل الشديد أو الحاد من الذهاب إلى المدرسة، ويبقى القلق الذي يرتبط بالموقف المدرسي قوياً وشديداً؛ لدرجة أن الطفل لا يمكنه البقاء بالمدرسة ، ويعمل بكل الطرائق والأساليب للعودة إلى المنزل والبقاء فيه.
هذا ما يحاول البحث فيه كتاب سيكولوجية الطفل الرافض للمدرسة.. الخوف المرضي من المدرسة.. المفهوم – الأسباب – التشخيص – العلاج للدكتور رياض نايل العاسمي والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
جاء الكتاب في مقدمة وعدة عناوين. في البداية تحدث الباحث عن الخوف المرضي من المدرسة وأكد أن المخاوف عادة تبدأ من مرحلة الطفولة المبكرة لعدم قدرة الطفل على إدراك العالم الخارجي وفهم ما يدور فيه وهذا أمر طبيعي، فهناك الخوف من الحيوانات والخوف من الظلام والخوف من الغرباء والخوف من الوحدة.. .الخ وهذه المخاوف سرعان ما تزول وتختفي بشيء من التوجيه والرعاية والإرشاد، لكن بعض المخاوف قد تظهر في مرحلة الطفولة المتوسطة بصورة تختلف عن مخاوف الطفولة المبكرة من حيث شكلها ونوعها وخطورتها، استمرارها وديمومتها. حيث ترتبط هذه المخاوف بالمواقف الجديدة التي يتفاعل معها الطفل كالمدرسة بوصفها بيئة جديدة بالنسبة له.
يرى الباحث أن أكثر من المخاوف انتشاراً في مرحلة الطفولة المتوسطة هي الخوف من المدرسة او رفض الذهاب إليها، والذي يظهر عند التحاق الطفل بالمدرسة في بعض الحالات، أو بعد الدخول والاستمرار فيها في حالات أخرى.
ويعبر هؤلاء الأطفال عن خوفهم هذا من خلال الصعوبة في المواظبة على الذهاب إلى المدرسة والذي يمكن ملاحظته في سلوكهم كمظاهر الاحتجاج والرفض والعناد والبكاء احياناً، والتذرّع بحجج غير مقنعة احياناً أخرى، وذلك عند إرغامهم على الذهاب إليها.
يقترن هذا الاحتجاج في كثير من الأحيان باضطرابات انفعالية ووجدانية حادة تفضي إلى أعراض مرضية بدنية مثل: الصداع وآلام المعدة أو الغثيان أو القيء…الخ.
لقد وُصفت الأعراض الإكلينيكية للخوف المرضي المدرسي من قِبل «هيرسوف» 1960. حيث يرى انه غالباً ما تبدو المشكلة لدى الطفل على شكل شكاوى مبهمة من المدرسة أو الاحجام عنها بشكل مستمر، ليصل في نهاية الأمر إلى رفض الذهاب إلى المدرسة رفضاً كلياً أو البقاء في البيت كطلب من والديه أحيانا، وغالباً ما يكون هذا الرفض مصاحباً بعلامات واضحة من: القلق والذعر والتي تبدو في أوضح صورها عندما يحين موعد ذهاب الطفل إلى المدرسة، وبعضهم يستطيع مغادرة البيت متوجهاً إلى المدرسة.
ولكنه يعود إلى البيت من منتصف الطريق وبعضهم عندما يكون في المدرسة يندفع إلى البيت في حالة من القلق والذعر، والعديد من هؤلاء الأطفال يصرّ على انه لا يريد الذهاب إلى المدرسة متذرعاً بمبررات وجيهة كحيَل لكي يتجنّب الذهاب إليها. فقد ظهر على هؤلاء الأطفال بعض الأعراض المرضية كالصداع وآلام البطن والإسهال والتي تكون مبرراً وحجّة لعدم ذهابهم إلى المدرسة.
أما عن أسباب الخوف المرضي من المدرسة فيقسّم الباحث الأسباب إلى:
1ـ أسباب خاصة بالطفل منها ضعف الثقة في النفس، واعتماد الطفل الشديد على والديه، والقلق الشديد والضغوط التي تهدد شعور الطفل باحترامه لذاته، بسبب عدم قدرته على التغلب على بعض الحرمان والنبذ من قبل الوالدين والخجل والنبذ من قبل رفاقه في المدرسة، والإحساس برداءة ملابسه مما قد يسبب له الشعور بالحرج أمام زملائه.
2ـ أسباب خاصة بالأسرة مثل تعلم الخوف من أحد الوالدين بشكل مباشر، مثل خوف أحد الوالدين من المواقف الجديدة ، وهذا ينمي الخوف في نفس الطفل مثل هذه المواقف، خاصة عند دخول الطفل للمدرسة كبيئة جديدة، احتمال وجود مشاكل عنيفة بين الآباء كسوء العلاقات بينهم، عدم المبالاة من الوالدين بالأطفال، المبالغة الشديدة في الحماية والرعاية للطفل، ولد أخ أو أخت، مرض الأم أو الأب.
3ـ أسباب خاصة بالمدرسة وتشمل: فشل امتحاني، أن يذهب الطفل إلى المدرس متأخراُ، ضعف في القراءة، التوبيخ الخوف من المدرسين الصارمين، التعرض للإيذاء أو السخرية من جانب رفاق المدرسة، بعد المسافة بين البيت والمدرسة.
4ـ أسباب وراثية وبيولوجية. يتناول الباحث أيضاً النظريات النفسية المفسّرة للخوف المدرسي وأهمها: نظرية التحليل النفسي ونظرية قلق الانفصال والنظرية السلوكية ونظرية الذات.
كما يقدم الباحث بعض الإجراءات التشخيصية لظاهرة الخوف المدرسي من وجهة النظر التكاملية، وتطور ومآل الخوف المدرسي باعتباره المسؤول عن الكثير من اضطرابات سن الرشد كما أكّد على ذلك (جون بولبي).
ثم يقترح الباحث بعضاً من الأساليب العلاجية لمواجهة هذه الظاهرة لدى بعض الأطفال كالأساليب القائمة على نظرية التحليل النفسي والأساليب السلوكية التقليدية (الكلاسيكية) والإجرائية، والعلاج المعرفي والعلاج الأسري والعلاجات الدوائية.
وقد أورد الكتاب العديد من الأساليب العلاجية وأدوات التشخيص المناسبة التي تساعد الآباء والمهتمين بالطفل على مساعدة الطفل الذي يعاني من هذه المشكلة على تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي السليم.
كما عرض الدكتور رياض نايل العاسمي بعض القضايا الإرشادية والعلاجية حول كيفية التعامل مع الأطفال الذين يعانون من الخوف المرضي من المدرسة، مثل دافعية الطفل للعلاج والوقت المناسب للتدخل العلاجي وإجراءات سير العملية العلاجية والمكان المناسب…الخ.
فمثلا عرض الباحث لأسلوب العلاج التوافقي هذا الأسلوب هو تعاقد بأن تقدم مكافأة على كل استجابة يتعاون فيها الطفل و المعالج بشرط أن يستجيب بشكل معين حتى يحصل على التعزيز . وقد أكد كل من “هيرسوف و”باترسون” على أن ينصب التعزيز على السلوك المناسب لمقتضيات الموقف الذي يتفاعل فيه الطفل مع بيئته بهدف إنجاز أمر ما
1ـ التعامل مع الوالدين الذين يعززون بطريقة غير مقصودة سلوك تجنب الروضة لدى الطفل ،وأي سلوك آخر يتطلب علاجاً. والتعامل مع المرشد النفسي، وذلك لأنه قد يوجد تعزيزا غير مقصود للسلوك الذي يدل على خوف ورهبة من المدرسة. والتعامل مع الطفل نفسه بأسلوب مدعم ومشجع ومساند.
فعن علاج الطفل الخائف من المدرسة يضع الباحث بعض الخطوات للعلاج :
– الخطوة الأولى :
وفيها يتم التخطيط لتعديل سلوك الطفل الذي يعاني الخوف من الروضة مع والديه الذين يقومان بتعزيز سلوك الطفل عندما يذهب إلى الروضة، و يتضمن هذا التعاون مع والدي الطفل مايلي:
أ ـ أن يبقى الوالدان حازمين في قرارهما بشأن انتظام طفلهما في الذهاب إلى الروضة ، و غير معززين لأي سلوك يرتبط بخوف الطفل من الروضة مثل: البكاء والصراخ أو أي شكوى يعبر عنها الطفل التي تتعلق ببعض المواقف ـ بالنسبة له ـ في البيئة المدرسية .
ب ـ أن يقوم الوالدان بتعزيز أي سلوك يصدر عن الطفل الخائف من الروضة بأنه على استعداد للذهاب إليها في ذلك اليوم لوحده، أو أنه راغب بكتابة الواجبات المنزلية، أو أن يقول لوالديه أنه جاد اليوم في الذهاب إلى الروضة لكنه بحاجة إلى علبة ألوان …
ج ـ العمل على محو أو تثبيط أي نوع من السلوك يمكن أن يظهر كبديل للسلوك الأصلي غير المتوافق .
الانفعالية ويطرد أية مشاعر عدوانية نحو أي تعديل في اتجاهه نحو الروضة أو المنزل أو تجاه نفسه.
– الخطوة الثانية :
وتعني أن يكون المعالج النفسي مستعداً للحضور مع الطفل إلى الروضة حين يشعر بحالة من الضيق و القلق أو عدم الارتياح، وأن يبقى مشجعاً ومدعماً له خلال هذه الحالة، كما ينبغي أن يكون المرشد حازما في قراره بشأن عودة الطفل إلى الروضة بأسرع وقت ممكن.
ـ الخطوة الثالثة :
تتضمن هذه الخطوة التي تقوم بين المعالج النفسي و الطفل الذي يخاف من المدرسة ما يلي :
أ ـ أن يقوم المعالج النفسي بتعزيز أي سلوك يصدر عن الطفل بالاتجاه المطلوب (الذهاب إلى الروضة) سواء أكان سلوكاً لفظياً أو سلوكاً إجرائياً.
ب ـ يقوم المعالج بتثبيط أي سلوك غير سوي يصدر عن الطفل وذلك من خلال استخدام أساليب عدم التعزيز لهذا السلوك مثل: الصمت، تجاهل السلوك ، تجاه بكاء الطفل …
ج ـ أن يستخدم المعالج مع الطفل أسلوب علاج شخص في مواجهة شخص آخر كي يفرغ الطفل الشحنة فنية التشكيل في علاج الطفل الخائف من المدرسة .
1ـ اللعب خارج المنزل: إذا قام الطفل به مع أسرته فإنه يحصل على تعزيز
إذا قام به الطفل لوحده يحصل على تعزيز ..
2 ـ كتابة الواجبات المدرسية : إذا قام بها الطفل بالتعاون مع أحد أفراد أسرته يحصل على تعزيز.إذا قام بها الطفل لوحده يحصل على تعزيز .
3ـ الاستيقاظ صباحا: إذا صحا الطفل بمساعدة أهله يحصل على تعزيز .إذا استيقظ بنفسه يحصل على تعزيز .
4ـ الذهاب إلى الروضة: إذا ذهب الطفل إلى الروضة برفقة أحد أفراد أسرته يحصل على تعزيز.
إذا ذهب إلى الروضة بمفرده يحصل على تعزيز.
5ـ المواظبة : إذا حضر الطفل آخر حصة برفقة أحد أفراد أسرته يحصل على تعزيز.
- إذا حضر آخر حصة لوحده يحصل على تعزيز.
- إذا حضر آخر حصتين يحصل على تعزيز.
- إذا حضر ثلاثة حصص يحصل على تعزيز.
- إذا حضر أربعة حصص في اليوم برفقة أحد أفراد أسرته يحصل على تعزيز.
- إذا حضر أربعة حصص لوحده يحصل على تعزيز.
- إذا حضر يوم دراسي كامل يحصل على تدعيم (تعزيز).
كما زُوّد الكتاب بملحق تناول المؤلف فيه بعضاً من الاستبيانات والاختبارات التي تساعد المربين والأهل على تشخيص هذه الظاهرة تشخيصاً دقيقاً من اجل تمييزها عن الاضطرابات الانفعالية الأخرى وذلك عندما تحدّث لأطفالهم، مع ذكر مثال تشخيصي لبعض الحالات التي تعاني من الخوف المرضي من المدرسة.
يجيب هذا الكتاب عن الأسئلة العديدة التي يثيرها الآباء والمعلمون في بداية كل عام دراسي حول الأسباب التي تدفع الطفل إلى رفض الذهاب إلى المدرسة والأساليب العلمية التي تمكنهم من تشخيصها تشخيصاً دقيقاً والطرائق الإرشادية والعلاجية المناسبة التي تساعدهم على الحدّ منها أو التخفيف من نتائجها السلبية على الطفل والأسرة والمجتمع.
كما زُوّد الكتاب بملحق تناول المؤلف فيه بعضاً من الاستبيانات والاختبارات التي تساعد المربين والأهل على تشخيص هذه الظاهرة تشخيصاً دقيقاً من اجل تمييزها عن الاضطرابات الانفعالية الأخرى وذلك عندما تحدّث لأطفالهم، مع ذكر مثال تشخيصي لبعض الحالات التي تعاني من الخوف المرضي من المدرسة.
حول المؤلف
والباحث الدكتور رياض نايل العاسمي مؤلف الكتاب، أستاذ ورئيس قسم العلاج والإرشاد النفسي في جامعة دمشق، بكلية كلية التربية. حاصل على الدكتوراه في العلاج النفسي من جامعة القاهرة عام 1998. وله العديد من الكتب العلمية في مجال الإرشاد والعلاج النفسي أهمها: الإرشاد النفسي العملي والإرشاد والعلاج النفسي ،وعلم النفس المرضي و مشكلات الطفولة والمراهقة والإرشاد النفسي لطفل الروضة (كتاب جامعي ، تأليف مع آخرين) والإرشاد النفسي التربوي وعلم النفس الاجتماعي وعلم النفس ومهارات التواصل الإنساني.
عرض/ محمد سيد بركة