مقالات

د. هانى سليمان يكتب: خطة تسويق

طُلِبَ مني مؤخراً أن أقوم بوضع خطة تسويق (Marketing Plan) لمجموعة من الأدوية المتميزة لشركة جديدة، تقبلت المهمة مسرورًا وعقدت العزم على إنهائها سريعا.

قرأت مواصفات الأدوية الجديدة وعرفت عنها كل شيء تقريبًا، وأحضرت البيانات والمعلومات الخاصة بسوق هذه الأدوية، أو ما نسمية الـ Market Segment، من مرضى وأطباء وأدوية منافسة وشركات منافسة وأرقام بيعها وتاريخ إطلاقها في السوق…الخ الخ، ثم… وجدت نفسي غير قادر على وضع خطة التسويق المطلوبة!

اكتشفت أنني أصبحت غير قادر على الدخول في التفاصيل الصغيرة المرهقة للأرقام والبيانات والمعلومات، وأنني أصبحت أمل وأضجر و”أزهق” من هذه التفاصيل الدقيقة، وبالتالي غير قادر أو غير راغب في استخراج أي دلائل أو معرفة من هذه البيانات الصغيرة الكثيرة والمملة، وأنني بالتالي لا أستطيع أو لا أرغب في وضع خطة التسويق المطلوبة!

هذا رغم أن عملي الأساسي في مجال الأدوية كان في مجال التسويق، وكثيرا ما وضعت خططا تسويقية ناجحة والحمد لله عندما كنت أعمل مديرا للمستحضر (Product Manager) أو حتى كمدير للتسويق (Marketing Manager)، وقد وضعت مثلا عندما كنت مديرا للتسويق خطة تسويق مستحضر فياجرا في السعودية، ونجحت الخطة نجاحا كبيرا واختيرت كواحدة من أفضل خمس خطط تسويق لفياجرا على مستوى شركة فايزر كلها، كما أنني حتى الآن أقوم بتدريس التسويق الدوائي (Pharmaceutical Marketing)، واعتبر نفسي مجيدا فيه والحمد لله.

ببساطة اكتشفت أنني قد قد أصبحت كمدرب كرة القدم الكبير في السن، لا يستطيع أن يلعب بنفسه على أرض الملعب، ولا يستطيع الجري والتمرير والتصويب، ولا مجاراة اللاعبين الشباب سواء كانوا من زملائه أو من المنافسين، وحتى لا يستطيع تسجيل الأهداف التي طالما سجلها وهو شاب قوي ولاعب محترف.

 ولكن هذا المدرب العجوز هو نفسه من يقوم بتدريب اللاعبين الشباب الموهوبين المملؤين قوة وحماسة، ويضع لهم خطة اللعب وطرق الهجوم والدفاع، وهو من يضع اللاعب المناسب في المكان المناسب، وهو من يستبدل لاعبا بلاعب آخر في التوقيت المناسب والظرف المناسب وحسب سير المبارة، وهو من يوجه وينصح ويأمر ويشير أثناء المباراة، وهو من يضع الخطة طويلة الأجل أو الخطة الاستراتيجية للنادي كله، والتي ستمكنه في نهاية الموسم من الفوز بالبطولة، وهذا كله اعتمادا على مهاراته السابقة وخبرته الطويلة، لكنه لا ينزل أبدا، ولا يمكنه أن ينزل، إلى أرض الملعب ليلعب مع فريقه، ويقوم بنفسه بتنفيذ ما يأمرهم به!

وأحيانا ما يكون هذا المدرب الماهر الكفؤ لم يكن لاعبا متميزا أو مشهورا أو من كبار اللاعبين، لكنه عندما أصبح مدربا، استغل كل مهاراته وخبراته إلى جانب اجتهاده في العلم والتحصيل وتنمية نفسه بعدما أنهي حياته كلاعب، أصبح مدربا متميزا وكفؤا ويحقق أفضل النتائج مع فريقه، والعكس صحيح أيضا، فليس كل لاعب موهوب وماهر ومتميز ومشهور يصلح أن يكون مدربا كفؤا يحقق نفس النجاحات التي حققها عندما كان لاعبا.

العبرة أن لكل منا دور في الحياة، وهذا الدور يتغير مع الوقت، ولا يمكن أن يلعب الإنسان دورا واحدا طوال حياته، فهذا ضد الطبيعة البشرية وضد تطور الحياة، وضد القوانين البيولوجية والفكرية والفسيولوجية والعلمية والمادية والكونية، وأن ما يفقده الإنسان مع الزمن يمكن اكتساب غيره، وذلك عن طريق استجماع الموهبة القديمة والمهارات السابقة والخبرات المتراكمة مع بذل المجهود المناسب، ليقوم الإنسان بدور جديد تماما في الحياة، وربما حقق في دوره الجديد نجاحات أفضل وإنجازات أكبر من تلك التي حققها وهو يقوم بدوره القديم. 

الإنسان بطبعه “مخلوق متكيف”، هكذا خلقه الله عز وجل، وهذه القدرة على التكيف والتطور هي التي أبقته حيا سليما قويا يصارع كل الظروف المحيطة به، بل ويحقق تقدما وإزدهارا وحضارة في شتى مجالات الحياة رغم الصعوبات والمشاق والعوائق التي تواجهه في الحياة.

رأيي المتواضع جدا، أن الإنسان قادر على القيام بأي شيء، لو فقط توافرت عنده الإرادة والعزيمة والصبر والاجتهاد، ومع الظروف المناسبة وفي الوقت المناسب.

د. هانى سليمان

طبيب أمراض جلدية

مدير عام المعهد الوطني للتدريب

مدير التسويق / مدير التخطيط الاستراتيجي Pfizer Middle East سابق لدى شركة Pfizer

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى