تكنولوجيا طبية

استخدام تقنية “كريسبر” لمنع إنتقال فيروس “سارس-كوف-2” المسبب لجائحة “كوفيد-19” في الخلايا البشرية

استخدم العلماء تقنية تحرير الجينات “كريسبر” بنجاح لمنع إنتقال فيروس “سارس-كوف-2” المسبب لجائحة “كوفيد-19” في الخلايا البشرية المصابة، وفقا لدراسة جديدة قد تمهد الطريق لعلاجات جديدة غير تقليدية. وقال الباحثون أن الأداة كانت فعّالة ضد انتقال الفيروس في الاختبارات المعملية، مضيفين أنهم يأملون في البدء قريبًا في التجارب على الحيوانات.

“كريسبر” و “كوفيد-19”

نُشرت الدراسة يوم الثلاثاء 13 يوليو/ الجاري في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز “(Nature Communications)، واستخدم الفريق في الدراسة، إنزيم “كريسبر-كاس13بي “(CRISPR-Cas13b)، الذي يرتبط بتسلسلات الحمض النووي الريبوزي ذات الصلة على فيروس كورونا الجديد والذي يؤدي بدوره إلى تدهور الجينوم الذي يحتاجه للتكاثر داخل الخلايا البشرية.

وقال باحثون أستراليون أن الأداة كانت فعالة ضد انتقال الفيروس في الاختبارات المعملية، مضيفين أنهم يأملون في بدء التجارب على الحيوانات قريبا. وقالت الباحثة الرئيسية شارون لوين، من معهد بيتر دوهرتي الأسترالي للعدوى والمناعة(Institute for Infection and Immunity )، لوكالة “فرانس برس” أن الفريق صمم أداة “كريسبر”  للتعرف على فيروس “سارس-كوف-2” المسؤول عن مرض “كوفيد-19”. وأضافت: “بمجرد التعرف على الفيروس، يتم تنشيط إنزيم “كريسبر” والذي بتقطيع الفيروس. ولقد استهدفنا عدة أجزاء من الفيروس، أجزاء مستقرة جداً ولا تتغير وأجزاء شديدة التغير، حيث عملت جميعها بشكل جيد للغاية في تقطيع الفيروس”. ونجحت هذه التقنية أيضاً في إيقاف التكاثر الفيروسي في عينات من السلالات الجديدة المثيرة للقلق مثل “ألفا”.

أشارت لوين إلى أن استخدام تقنية “كريسبر” في الطب على نطاق واسع ربما تكون على بعد “سنوات، وليس شهورا”. لكنها أصرت على أن الأداة يمكن أن تظل مفيدة في معالجة “كوفيد-19”.

وعلى الرغم من وجود العديد من لقاحات “كوفيد-19” في السوق بالفعل، ما تزال خيارات العلاج المتاحة نادرة نسبيا وفعالة جزئيا فقط. وأضافت لوين “ما زلنا بحاجة إلى علاجات أفضل للأشخاص الذين يدخلون المستشفى بسبب كوفيد-19. وخياراتنا الحالية محدودة وفي أحسن الأحوال تقلل من خطر الموت بنسبة 30%”.

علاجات أفضل

قالت لوين إن العلاج المثالي سيكون مضادًا بسيطًا للفيروسات، يؤخذ عن طريق الفم، ويُعطى للمرضى بمجرد أن تكون نتيجة اختبار “كوفيد-19” إيجابية. هذا من شأنه أن يمنعهم من الإصابة بأمراض خطيرة، وبالتالي يخفف الضغط على المستشفيات وأنظمة الرعاية الصحية. وأوضحت أن نهج “الاختبار والعلاج لن يكون ممكنا إلا إذا كان لدينا مضاد فيروسات رخيص ويأخذ عن طريق الفم وغير سام. وهذا ما نأمل أن نحققه يوما ما باستخدام أسلوب المقص الجيني هذا”.

تقنية كريسبر

اُستقبلت تقنية التكرارات العنقودية المتناظرة القصيرة المنتظمة التباعد المعروفة اختصارا باسم “كريسبر” التي تُعالج الجينات، بالترحاب لقدرتها الفائقة على تعديل الجينات.، وهي أحد الإنجازات الرئيسية ذات العلاقة بعلم الأحياء الجزيئي الحديث  وتعتبر تقنية “كريسبر” في الواقع قاتلة للفيروسات الطبيعية، وقد اُكتشفت لأول مرة في بعض أنواع البكتيريا التي تحمي نفسها من العدوى الفيروسية، عن طريق تقطيع الحمض النووي الريبوزي الفيروسي إلى أجزاء، باستخدام “مقص جزيئي” يسمى بروتين “كريسبر/كاس” (CRISPR/Cas).

ويعتبر الحمض النووي الريبوزي (RNA)  جزيئًا بوليمريًا أساسيًا يتواجد ضمن المهام البيولوجية المتنوعة ذات العلاقة بتشفير الجينات وفك شفرتها وتنظيمها وطريقة عملها، والبروتين “كاس”(Cas)  المرتبط بكريسبر قادر على العثور على هدفه باستخدام “الحمض النووي الريبوزي الموجه”، الذي يقوده نحو المناطق التي تحمل المتواليات المماثلة.

وقام الباحثون بتغيير متوالية الحمض النووي الريبوزي الموجه لإجراء التعديل الجيني على كائنات متعددة تشمل (حيوانات ونباتات وبشر وبكتيريا وفيروسات)، والتي يمكن أن يُستفاد منها في تطبيقات عديدة. وأظهرت تقنية “كريسبر” (CRISPR)، التي تسمح للعلماء بتغيير تسلسل الحمض النووي وتعديل وظيفة الجينات، بالفعل نتائج واعدة في القضاء على بعض الأمراض من قبل، ولكن لم يتم توظيفها في علاجات مرض “كوفيد-19” حتى الآن.

كريسبر لعلاج “كوفيد-19”

إذا كانت البكتيريا تستخدم «كريسبر» لتقضي على الفيروسات، فلم لا نستعمله بالطريقة نفسها؟ طالما أعطينا إنزيم “كاس” جزءاً من المادة الوراثية لفيروس “سارس-كوف-2″، سيتمكن “كاس” من قصها ليقضي عليه. وحتى الآن، لم تثبت الأدوية المُعاد استخدامها لأغراض أخرى حاليًا فاعلية مقنعة في مكافحة كوفيد-19. وقد أظهر عقار “ريمديزيفير” (Remdisivir)، وهو دواء فشل في علاج مرض الإيبولا، بعض العلامات التي تبشر بالنجاح مع المرضى في دراسة أُجريت في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، لكن من السابق لأوانه توقع فاعليته مع المرضى المصابين بسلالات متطورة من الفيروس.

ومن جانب آخر، يتحور فيروس كورونا مثل باقي الفيروسات بشكل مستمر، ما يجعله أكثر قدرة على مقاومة الأدوية المضادة للفيروسات. ومن خلال جهود مبتكرة، يبحث العلماء في الوقت الحالي طرقًا لعلاج “كوفيد-19 ” باستخدام “كريسبر”، الذي قد يكون أكثر فاعلية من الأدوية واللقاحات التقليدية. وتعتمد معظم التجارب الجارية لإنتاج لقاح لفيروس كورونا على “تدريب” نظام المناعة لدى الإنسان من خلال تعريضه لأجزاء من فيروس كورونا (مثل الشوكة الفيروسية “بروتين سبايك” أو بروتينات الغشاء). ونظرًا لأن فيروس كورونا في حالة تطور مستمر، ربما تكتسب السلالات المتحورة منه خصائص جديدة، تجعلها قادرة على تفادي رد الفعل المناعي. ولفهم أفضل لكيفية تخلص “كريسبر” من فيروس كورونا، نحتاج أن نلقي نظرة أولاً على كيفية إصابة الفيروس لخلايا الرئتين.

يستخدم الفيروس بروتيناته “الشوكية” للهبوط على المستقبلات الموجودة على سطح خلايا الرئتين، ويدخل الخلية لإطلاق الحمض النووي الريبوزي الفيروسي، وهو ما يُعرف بالشفرة الوراثية لفيروس كورونا. وتحتوي هذه الشفرة على جميع المعلومات الضرورية لتكاثر الفيروس. ويستخدم الفيروس آلية خلايا الرئتين، التي تسمى الريبوزوم، وهو مصنع تكوين البروتين في الخلية، في قراءة شفرتها وترجمتها.

يقرأ الريبوزوم جين (ORF1ab) لفيروس كورونا وينتج (RdRp)، وهو البروتين الوحيد الذي يمكنه قراءة بقية شفرة الحمض النووي الريبوزي الفيروسي لصنع مكونات جديدة للفيروس (من خلال عملية تسمى النسخ والتحويل) وينتج نسخ جديدة منه، وهو ما يُعرف بعملية (التكاثر). ومن السهل أن نرى الآن مدى أهمية الحمض النووي الريبوزي الفيروسي في بقاء وتكاثر فيروس كورونا في خلايا الإنسان، وقد يؤدي تدميره إلى كبح جماح الفيروس.

وقد تمكن فريقان من العلماء من العثور على الأجزاء غير المتطورة من شفرة الحمض النووي الريبوزي الفيروسي (المناطق المحفوظة) وتدميرها باستخدام “كريسبر”، كما استهدف فريق إيطالي يقوده الدكتور بيير باندولفي كريسبر “لمضغ” جيني (ORF1ab) و(S)  لإيقاف فيروس “سارس-كوف-2” من إنتاج (RdRp) وكذلك البروتينات الشوكية في خلايا الرئتين. واستهدف فريق الدكتور ستانلي كي في الولايات المتحدة جيني (ORF1ab) و(N)، اللذين ينتجان بروتينات نيوكليوكابسيد التي تحيط بالحمض النووي الريبوزي الفيروسي وتحميه.

ومن قبيل التحذير، تقدم هذه الدراسات فقط دليلاً على استراتيجيتها التصورية والمفهومية، ولا يزال أمامها طريق طويل، حيث لم يطوّر العلماء بعد نظامًا لتطبيق “كريسبر” على خلايا الرئتين لدى المرضى. وقد أظهر فريق الدكتور باندولفي أنه يمكن تجميع كريسبر في جزيئات فيروسية فارغة (ناقلات فيروس الغدة المرتبطة) في نهج يُعرف بـ”فيروس في مواجهة فيروس”.

وتدخل ناقلات فيروس الغدة المرتبطة الخلايا بنفس الطريقة التي يستخدمها فيروس كورونا، حيث تطلق هذه الناقلات كريسبر للعثور على الحمض النووي الريبوزي الفيروسي وتدميره. ويخطط فريق الدكتور ستانلي كي لاستخدام ناقلات تتكون من الدهون أو الببتيدات لتغليف “كريسبر”.  وبعد ذلك، يمكن إعطاء هذه الناقلات للمرضى من خلال نظام البخاخات أو بخاخات الأنف كعلاج مضاد للفيروسات. ولا يزال هناك حاجة لاختبار هذه الأنظمة على الحيوانات من أجل ضمان سلامتها وفاعليتها، ومع المرضى لتعديل معايير الجرعة، وهي عملية قد تستغرق سنوات على الأرجح. وعلى الرغم من أننا قد لا نرى “كريسبر” يكافح “كوفيد-19″، إلا إنه قد يكون جاهزًا تمامًا عند ظهور فيروس آخر جديد.

تطبيق التقنية على أمراض فيروسية أخرى

قال المؤلف الأول للدراسة، محمد فريح، من مركز بيتر ماكالوم للسرطان، إن هناك فائدة أخرى للدراسة تتمثل في إمكانية تطبيق التقنية على أمراض فيروسية أخرى. وتابع: “على عكس الأدوية التقليدية المضادة للفيروسات، تكمن قوة هذه الأداة في مرونة تصميمها وقدرتها على التكيف، ما يجعلها دواء مناسبا ضد العديد من الفيروسات المسببة للأمراض بما في ذلك الإنفلونزا والإيبولا وربما فيروس نقص المناعة البشرية”.

ومن المعروف أن تقنية “كريسبر” تثير جدلا واسعا في المجتمع العلمي، حيث أنه رغم إمكانية استخدامها بشكل مفيد في المجال الطبي، يقول المنتقدون إن التجارب التي تعتمد هذه التقنية يمكن استغلالها في محاولة تعديل الصفات الوراثية للإنسان وهو ما يسبب مخاوف أخلاقية وأمنية.

د. طارق قابيل

أكاديمي، كاتب، ومترجم، ومحرر علمي

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى