الجلد الصناعي: المكونات.. الأنواع.. الاستخدامات الطبية
الجلد الاصطناعي هو جلد يجري تصنيعه في المُختبرات ليُصبح بديلًا لجلد الإنسان، عادةً ما يُستخدم هذا الجلد لعلاج حالات الإصابة بالحروق الشديدة، هناك عدَّة أنواع من الجلد الاصطناعي، لكنها جميعها تتفق في كونها مُصممة لتقليد بعض الوظائف الأساسية للبشرة الطبيعية، من هذه الوظائف: الحماية من الرطوبة، والحماية من العدوى، وتنظيم حرارة الجسم.
تكوين الجلد الاصطناعي وعملية تصنيعه
تنقسم المواد الخام اللازمة لتصنيع الجلد الاصطناعي إلى فئتين، هما: المكونات البيولوجية والمُعدَّات المخبرية اللازمة.
المكونات البيولوجية:
المكونات البيولوجية هي أنسجة الجلد المُتبرع بها، ويأتي مُعظمها من القلفة الوليدية التي جرت إزالتها أثناء الختان. ويمكن أن تُنتج القلفة الواحدة خلايا كافية لصنع أربعة أفدنة من مادة التطعيم، ويجري فصل الخلايا الليفية عن الطبقة الجلدية للأنسجة المتبرع بها.
في الخطوة التالية يجري عزل الخلايا الليفية أثناء اختبارها بحثًا عن الفيروسات ومُسببات الأمراض المُعدية الأخرى، كذلك يجري تسجيل التاريخ الطبي للأم. تُخزن الخلايا الليفية في قوارير زجاجية ويجري تجميدها في النيتروجين السائل عند -94 درجة فهرنهايت، ما يُعادل -70 درجة مئوية، ويجري تجميد القوارير حتى تكون هناك حاجة لاستخدام الخلايا الليفية.
لتصنيع الكولاجين، يجري أيضًا استخراج الخلايا الكيراتينية من القلفة، الخلايا الكيراتينية هي نوع من الخلايا المنتجة للكيراتين، وهي تُشكل معظم الجلد في الثدييات، واختبارها وتجميدها، ويمكن أن تُصنع هذه الجلود أيضًا من مادة غير بيولوجية كمكوِّن آخر، مثل بشرة السيليكون.
مُعدَّات المُختبر:
تشمل مُعدَّات المختبر اللازمة لتصنيع الجلد الاصطناعي قوارير زجاجية، وأنابيب وزجاجات أسطوانية، وخراطيش تطعيم، وقوالب ومجمدات، ولكن من عيوب الجلد الاصطناعي أنه قد يكون مُكلفًا بسبب بعض التعقيد الذي يُميز عملية صناعته، هذا بالإضافة إلى كون عملية التصنيع تستغرق وقتًا طويلًا، ويوجد عيب آخر في الجلد الاصطناعي وهو أنه يمكن أن يبدو أكثر هشاشة من الجلد الطبيعي.
تطور عملية تصنيع الجلد الاصطناعي
يُعد الجلد هو أكبر عضو في جسم الإنسان، فهو، كما سبق الذكر، يحمي الجسم من الأمراض والأضرار الجسدية، ويساعد في تنظيم درجة حرارة الجسم.
عندما يُصاب الجلد بأضرار بالغة بسبب المرض أو الحروق، لا يستطيع الجسم التصرف والتعويض بالسرعة الكافية لتصنيع الخلايا البديلة اللازمة، وقد لا تلتئم الجروح، مثل تقرحات الجلد التي يُعاني منها مرضى السكر، كذلك، قد يموت ضحايا الحروق من العدوى وفقدان السوائل.
جرى تطوير ترقيع الجلد وسيلةً لمنع مثل هذه العواقب، وكذلك لتصحيح التشوهات، وقد بدأ هذا الأمر في وقت مبكر من القرن السادس قبل الميلاد؛ إذ شارك الجراحون الهندوس في إعادة بناء الأنف، وتطعيم الجلد من أنف المريض.
جلب الطبيب الإيطالي جاسباري تاجلياكوزو هذه التقنية إلى الطب الغربي في القرن السادس عشر حتى أواخر القرن العشرين، وكانت الطعوم الجلدية تُصنع من جلد المريض نفسه أو جلد شخص متوفى، في الحالة الثانية كان الجسم أحيانًا يرفض هذا الجلد، لكنه على أي حال كان علاجًا مؤقتًا جيدًا لحالات الحروق الشديدة لتوفير الحماية من العدوى ومنع فقدان السوائل.
وفي منتصف الثمانينيات، تضافرت جهود الباحثين الطبيين والمهندسين الكيميائيين، العاملين في مجالات بيولوجيا الخلايا وتصنيع البلاستيك، لتطوير هندسة الأنسجة لتقليل حالات العدوى والرفض، وفي عام 1984، فكر جوزيف فاكانتي، الجراح بكلية الطب بجامعة هارفارد، مع زميله روبرت لانجر، مهندس كيميائي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في إمكانية تصنيع جلد جديد في المختبر.
كانت الخطوة الأولى هي تكرار آلية إنتاج الجسم للأنسجة، وقد جاء لانجر بفكرة بناء سقالات يمكن أن تنمو عليها خلايا الجلد باستخدام الخلايا الليفية، وهي الخلايا التي جرى استخراجها من القلفة الوليدية المتبرع بها، والتي جرت إزالتها أثناء الختان.
في أحد أشكال هذه التقنية التي طورها باحثون آخرون، أضيفت الخلايا الليفية المستخرجة إلى الكولاجين، وهو بروتين ليفي موجود في النسيج الضام، فعندما يجري تسخين المركب، تحبس مادة الكولاجين الخلايا الليفية، والتي بدورها تُرتب نفسها حول الكولاجين، وتصبح مضغوطة وكثيفة وليفية، وبعد عدَّة أسابيع، تُزرع الخلايا الكيراتينية، التي يجري استخراجها أيضًا من القلفة المتبرع بها، ليجري تكوين أنسجة الجلد الجديدة، وتُنشئ طبقة بشرة.
أنواع الجلد الاصطناعي
يتكون الجلد بشكل أساسي من طبقتين:
الطبقة العلوية: هي البشرة، التي تعمل عاملَ حماية وحاجزًا ضد البيئة والمؤثرات الخارجية.
الأدمة: هي الطبقة الموجودة أسفل البشرة والتي تُشكل ما يقرب من 90% من الجلد، وتحتوي الأدمة أيضًا على بروتينات الكولاجين والإيلاستين، والتي تساعد على منح الجلد هيكله الميكانيكي ومرونته.
تُحاكي الجلود الاصطناعية إما البشرة وإما الأدمة، وإما تحاكي كلًّا من البشرة والأدمة في تكوين بديل للجلد.
استخدامات الجلد الاصطناعي الطبية والبحثية
هناك عدَّة استخدامات طبية وعلمية للجلد الاصطناعي، منها:
علاج الحروق:
الجلد الاصطناعي بالغ الأهمية لعلاج إصابات الحروق، خاصةً إذا لم يكن لدى المريض ما يكفي من الجلد السليم الذي يمكن زرعه في مكان الجرح، وفي هذه الحالات، لا يستطيع الجسم إنتاج خلايا الجلد بالسرعة الكافية لتعويض الجلد التالف.
كذلك، عند هذه الدرجة من الحروق قد تُصبح إصابة المريض مميتة بسبب فقدان السوائل وإمكانية التعرُّض للعدوى بشكل كبير، لذلك، يمكن استخدام الجلد الاصطناعي لإغلاق الجرح على الفور وتجنب فقدان المريض لحياته.
علاج اضطرابات الجلد:
يستخدم بعض أنواع الجلد الاصطناعي لعلاج الجروح المُزمنة على الجلد، مثل القرحة، التي تكون عبارة عن جروح مفتوحة تلتئم ببطء شديد، ويمكن أيضًا استخدام الجلد الاصطناعي لعلاج اضطرابات الجلد مثل الإكزيما والصدفية.
هذه الاضطرابات غالبًا ما يتضرر منها جزء كبير من الجسم، وهنا تثبت أهمية الجلد الاصطناعي الذي يمكن أن يلتف بسهولة حول المنطقة المُصابة.
استخدام الجلد الاصطناعي للأهداف البحثية:
من ناحية بحثية، يمكن استخدام الجلد الاصطناعي لتقديم نموذج مُحاكي لجلد الإنسان لأهداف البحث، فمثلًا، يستخدم الجلد الاصطناعي بديلًا للاختبار على الحيوانات، ويُستخدم غالبًا بهدف قياس مدى تأثير مستحضرات التجميل أو المنتجات الطبية على الجلد.
الاختبارات البحثية التي كانت تجري على الحيوانات كانت تُسبب لهم الألم، كما أنها لم تكن تعطي بالضرورة صورة واضحة عن استجابة جلد الإنسان، وهذا ما جعل بعض الشركات مثلًا تتجه إلى الجلد الاصطناعي لاختبار العديد من المكونات والمنتجات الكيميائية.
قد يُستخدم الجلد الاصطناعي أيضًا في تطبيقات بحثية أخرى، مثل: الكيفية التي يتأثر بها الجلد عند التعرُّض للأشعة فوق البنفسجية وكيف يجري التعامل مع المواد الكيميائية الموجودة في واقي الشمس والأدوية عبر الجلد.
والجلد الاصطناعي يمكن أن يشعر بالألم
وفقاً لموقع «CNN» فقد ابتكر باحثون في جامعة «RMIT» في ملبورن بأستراليا جلدًا صناعيًّا يتفاعل مع محفزات الألم، ويقول مادهو باسكاران «Madhu Bhaskaran»، أستاذ الهندسة في جامعة ريمت «RMIT» والباحث الرئيسي في المشروع البحثي: «هذا الجلد مصنوع من مطاط السيليكون، وله ملمس جلد حقيقي وهو أيضًا مُشابه جدًّا للجلد في خصائصه الميكانيكية».
صُممت هذه النسخة من الجلد الاصطناعي لتتفاعل عندما يزداد الضغط أو الحرارة أو البرودة ويصل إلى حدِّ الألم. الطبقات الخارجية لهذا الجلد مُزودة بأجهزة استشعار تستجيب للمنبهات.
يقول باسكاران: «أجسامنا تعمل عن طريق إرسال إشارات كهربائية إلى الجهاز العصبي المركزي، أجهزة الاستشعار المُزود بها هذا الجلد الاصطناعي تعمل بطريقة مماثلة، وهي لها سرعة استجابة الجسم نفسها».
يمكن أن يساعد هذا الجلد في إنشاء أطراف صناعية ذكية مُغطاة بجلد وظيفي يتفاعل مع الألم مثل الأطراف البشرية، مما يسمح لمرتديه بمعرفة ما إذا كان يلمس شيئًا قد يتسبب في ألم أو أذى له.