الحكيم

يحتفي بها محرك “جوجل”.. توحيدة بن الشيخ أول طبيبة عربية من تونس

توحيدة بن الشيخ (2 يناير 1909- 6 ديسمبر 2010)، طبيبة تونسية, وأول طبيبة مسلمة في العالم العربي, يحتفى اليوم محرك البحث العملاق (جوجل) بذكرى “توحيدة”، التي ولدت في الثاني من يناير عام 1909 شمالي تونس. ويرجع سبب هذا الاحتفاء إلى تزامن تاريخ اليوم مع ذكرى طرح البنك المركزي التونسي للتداول، ابتداءً من 27 مارس العام الماضي، ورقة نقدية جديدة من فئة 10 دنانير، واختيرت الدكتورة توحيدة بن الشيخ شخصية رئيسة لتلك الورقة النقدية.

ولدت “بن شيخ” في عائلة ميسورة الحال, إذ كان والدها مالكاً عقارياً أصيل بلدة رأس الجبل التابعة حالياً إلى ولاية بنزرت. أما أمها فكانت من عائلة بن عمار، إحدى العائلات الثرية بالعاصمة. وقد توفي والدها وتركها صغيرة فعاشت إلى جانب أخويها تحت رعاية أمهم التي حرصت على تعليمهم.

دخلت توحيدة مدرسة نهج الباشا، وحصلت على الشهادة الابتدائية سنة 1922. فواصلت دراستها الثانوية بمعهد أرمان فاليار (Lycée Armand Fallières) حتى أحرزت بامتياز على شهادة الباكالوريا سنة 1928، وكانت بذلك أول تلميذة تونسية مسلمة تحصل على مثل هذه الشهادة. ثم اتجهت إلى فرنسا رفقة ليديا بورني، زوجة الدكتور بورني (Dr. Burnet) الطبيب والباحث الفرنسي بمعهد باستور بتونس.

وقد سجلت حينئذ لتحرز على دبلوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا (P.C.B). وهو ما سمح لها باللحاق بكلية الطب بباريس، وبعد ثلاث سنوات من السكن بالحي الدولي للطالبات انتقلت لتسكن مع عائلة بورني ممّا سمح لها بالتعرف على الأوساط الثقافية والعلمية الفرنسية.

الحصول على الدكتوراة

حصلت توحيدة على الدكتوراه في الطب سنة 1936 في فرنسا قبل أن تعود إلى وطنها وتسهم في معركة مكافحة الأمراض التي استشرت حينها في أوساط شعب كان يرزح تحت الاستعمار وتقع أغلب شرائحه تحت مستوى الفقر.

ونجحت، من خلال عملها أربعة عقود طبيبة ثم مسؤولة في المستشفيات، في تحسين الوضع الصحي للمرأة التونسية في جميع الأوساط خاصة الفقيرة، ووضع سياسة تنظيم العائلة التونسية، ما أسهم إلى حد كبير في تراجع مهم لنسب وفيات النساء والأطفال عند الولادة في ستينيات القرن الماضي.

تقول توحيدة بن الشيخ، في شهادة تضمنها كتاب “نساء وذاكرة: تونسيات في الحياة العامة 1920-1960″، إنها ولدت في عائلة ميسورة الحال من كبار ملاك الأراضي الفلاحية في قرية رأس الجبل التابعة لمحافظة بنزرت شمال تونس، وتوفي والدها بعد أشهر قليلة من مولدها، فنشأت مع أخويها في كنف أمها حلومة بن عمار المنحدرة من عائلة عريقة، وهي شقيقة رئيس الحكومة التونسية في الخمسينيات من القرن الماضي الطاهر بن عمار.

وقد حرصت هذه الأم على تعليم ابنتها مثلها مثل شقيقيها في وقت كانت الأمية منتشرة في أغلب فئات المجتمع التونسي، وخاصة لدى العنصر النسائي، بسبب رفض الأسر التونسية إرسال بناتهم على المدارس أو دفعهن إلى الانقطاع عن التعليم خلال المرحلة الابتدائية.

حازت توحيدة بن الشيخ شهادتها في الطّب لتكون أول تونسية وأول طبيبة عربية مسلمة تحصل على الدكتوراه في الطب، إذ سبقها في نيل هذه الشهادة طبيبتان مسيحيتان عربيتان هما السورية لوريس ماهر والمصرية هيلانة سيداروس، اللتان حصلتا على الشهادة في عام 1930، الأولى ضمن الدفعة الأولى من المعهد الطبي بدمشق، والثانية من إنجلترا.

وعادت إلى تونس بعد نيل شهادتها لتفتح عيادتها الخاصة وتشتغل في البداية في الطب العام، لكنها سرعان ما تخصصت في طب النساء والتوليد.

بعد عودتها إلى تونس فتحت توحيدة بن الشيخ عيادتها بمدينة تونس (42 شارع باب منارة). وفي الفترة بين 1955 و 1964 عينت على رأس قسم الولادة بمستشفى شارل نيكول بمدينة تونس، ثم انتقلت بنفس الخطة إلى مستشفى عزيزة عثمانة حتى أحيلت على التقاعد سنة 1977. وقد ساهمت في الأثناء في تركيز سياسة التنظيم العائلي. وكلفت سنة 1970 بإدارة ديوان الأسرة والعمران البشري غير أن المقام لم يطل بها هناك.

انخرطت الدكتورة توحيدة بعد الاستقلال في مشروع بناء الدولة التونسية وتولت عديد المناصب منها إدارة قسم التوليد وطب الرضيع في مستشفى شارل نيكول بالعاصمة من سنة 1955 إلى سنة 1964 كما أنشأت في نفس المستشفى قسما خاصا بالتنظيم العائلي سنة 1963.

بعدها تولت منصب رئيسة قسم التوليد وطب الرضيع بمستشفى عزيزة عثمانة بتونس. وقد تم تعيينها سنة 1970 في منصب مديرة الديوان الوطني للتنظيم العائلي. ساهمت في الحياة الفكرية من خلال كتاباتها وإشرافها على أول مجلة تونسية نسائية ناطقة بالفرنسية صدرت من 1936 إلى 1941 تحت عنوان “ليلى”.

نشاطها الاجتماعي

لقد نشطت توحيدة بن الشيخ في عدد من الجمعيات سواء بفرنسا أو بعد عودتها إلى تونس. ومن تلك الجمعيات جمعية طلبة شمال أفريقيا المسلمين بفرنسا، كما دعيت لتلقي كلمة في مؤتمر اتحاد النساء الفرنسيات الملتئم في شهر ماي\أيار 1931. وقد تعرضت آنذاك إلى أوضاع المرأة المسلمة في المستعمرات الفرنسية. أما في تونس فقد نشطت في الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي. كما أسست غداة الحرب العالمية الثانية جمعية الإسعاف الاجتماعي وتولت رئاستها. وكانت هذه الجمعية وراء مشروع إقامة دار الأيتام (1950) ودار المرأة. وفي سنة 1950 أسست جمعية القماطة التونسية للعناية بالرضع من أبناء العائلات المعوزة. كما ساهمت في تأسيس لجنة الإسعاف الوطني. وفي سنة 1958 أصبحت عضوا في عمادة الأطباء التونسيين. احتفت النخبة التونسية بالسيدة توحيدة بالشيخ تقديرا لإسهاماتها الطبية والفكرية وتم تناول مسيرتها في شريط وثائقي بعنوان ” نضال حكيمة” كما أصدر البريد التونسي طوابع بريدية تحمل اسمها وصورتها وأسس عدد من الأطباء جمعية طبية تحمل اسمها” جمعية توحيدة بالشيخ للسند الطبي” اعترافا بمكانتها وإسهاماتها التي تواصلت إلى تاريخ وفاتها سنة 2010.

كما ساهمت توحيدة بن الشيخ في الصحافة إذ كتبت وهي طالبة في النشرة السنوية لجمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين كما ساهمت سنة 1936 بالكتابة في مجلة ليلى الأسبوعية الناطقة بالفرنسية والتي تعتبر أول مجلة نسائية تونسية.

توفيت توحيدة بن الشيخ في السادس من ديسمبر سنة 2010، بعد أن فتحت أمام المرأة التونسية والعربية طريقاً جديداً في مجال علمي صعب.

تكريم البنك المركزي التونسي

طرح البنك المركزي التونسي للتداول، ابتداء من يوم الجمعة 27 مارس 2020 ورقة نقدية جديدة من فئة 10 دنانير واختيرت الدكتورة توحيدة بن الشيخ كشخصية رئيسية لهذه الورقة النقدية الجديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى