الحكيم

الباحث السعودي حسام الزواوي.. صانع التغيير ومحارب “البكتيريا الخارقة”

يعرف الباحث السعودي “حسام الزواوي” نفسه بأنه “محارب البكتيريا الخارقة ولاعب بولو”. بدأ اهتمام الزواوي العلمي حين كان عمره سبع سنوات، وكان لده يهوى تربية النحل. وذات مرة زارهم قريب لهم وأهدى والده “ميكروسكوب” (مجهر)، وكان الهدف منه أن يرى والده حبوب اللقاح تحت المجهر ويكشف عن العسل، لكن والده لم يستعمله مطلقاً، فأخذ الزواوي وشقيقه يلعبا بهذا المجهر، ومن خلاله اكتشف الزواوي عالماً لم يتخيّل وجوده، وهو العالم الذي لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، وقد كان في البداية يرى النمل تحت هذا المجهر كبيراً للغاية، ثم بدأ الموضوع يصغر أكثر فأكثر حتى بدأ الاهتمام بالبكتيريا.

هدية والده هي التي فتحت الآفاق أمامه، وبعدها وفي نهاية المدرسة التحق حسام بكلية العلوم وتخصّص في علم الاحياء الدقيقة، وخلال دراسته تعرف على الميكروبات المسببة لأمراض عدة معدية، ومن خلالها عرف البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وكانت هذه المشكلة الموجودة منذ عشر سنوات إلى يومنا هذا، وفي الوقت نفسه درس حسام طريقة تحليل الميكروبات، وكان السؤال الذي يستوقفه دائماً: لماذا تعدّ هذه البيكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية؟ وكيف نستطيع تطوير التحاليل الطبية ونجعلها لفترات اقصر؟

5 من مراقبة الحيوانات صغيرا لمراقبة البكتيريا كبيرا

وبعد دراسته الجامعية عمل أخصائي مختبر، ومن خلال هذه الممارسة اكتشف وجود مشكلة حقيقية للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، فقد كان يقرأ تقارير المرضى ويرى أن مريضاً دخل لعلاج ما أو عملية، ولكن بعد ساعات أو أيام قليلة كان يُصاب بعدوى، وكان سبب هذه العدوى البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من المستشفى، والمعروفة باسم “العدوى المكتسبة من المستشفيات”، وكان هذا بالنسبة له كبيراً جداً، لأنه كان يقرأ عنها في الكتب، ولكنه الآن يعيش التجربة عندما يرى المرضى الذين يعانون.

ثم خرج د. حسام من المختبر وبدأ يعمل ممارس مكافحة العدوى، وهذه الوظيفة تتطلب منك أن تقرأ تقارير المرضى، وفي بعض الأحيان أن تراهم، وفي هذه المرحلة شهد حالات عدة في المستشفيات من العدوى المكتسبة، حيث كانت منتشرة بشكل كبير في المستشفيات، وقد كان يقرأ  الزواوي عنها كثيراً في التقارير والأوراق العلمية والأبحاث.

انتقل حسام الزواوي بعد ذلك إلى جامعة “طيبة” في المدينة المنورة، حيث قام بعمل بحث لأول مرة، وهو دراسة مدى انتشار الميكروبات في جوّالات الأطباء والممرضات، طبعاً اكتشف أنواعاً عدة من ضمنها “إم آر إس آي”، وهذا نوع مشهور جداً من الميكروبات الشديدة المقاومة، ولكن هذا البحث وضح له انه يحتاج إلى خبرة أكثر في مجال الأبحاث حتى يقوم بأبحاث معقدة، وبسبب هذا الموضوع قرر الزواوي الانتقال إلى جامعة أخرى عرضت عليه البعثة لإكمال الماجستير والدكتوراه لدراسة الاحياء الدقيقة الاكلينيكية والأمراض المعدية، وبعدها انتقل إلى استراليا وبدأ أبحاثه التي ركزت فيها على العدوى المكتسبة في المستشفيات، وخاصة المقاومة للمضادات الحيوية.

يحمل حسام الزواوي الآن درجة الدكتوراة، متخصص في علم الأحياء الدقيقة وعالم الأمراض المعدية. يقوم الدكتور الزواوي وفريقه بمهمة مراقبة انتشار وظهور مقاومة مضادات الميكروبات (AMR). يركز الدكتور الزواوي أيضًا على تطوير اختبارات مبتكرة لتحديد الأمراض المعدية بسرعة للمساعدة في التنفيذ السريع للإدارات الطبية المستهدفة. قدم الدكتور الزواوي نصائحه للمراجعة على موقع AMR www.amr-review.org ، الذي تم تكليفه من قبل رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون وقدم تقريرًا إليه.

تمت استشارة الدكتور حسام الزواوي بشأن الخطة الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، وترأس اللجنة الفرعية الوطنية للتوعية بمقاومة مضادات الميكروبات، وعضو سابق في اللجنة الوطنية السعودية لمقاومة مضادات الميكروبات، وتمت استشارته لتأكيد استراتيجية المركز السعودي لمكافحة الأمراض والوقاية منها.

أحدثت أعمال حسام الزواوي المنشورة تأثيرًا عميقًا في هذا المجال. يتضح هذا من خلال الاستشهادات الهائلة لعمله في وثائق السياسة والممارسة الصادرة عن الوزارات المحلية والإقليمية بالإضافة إلى الوكالات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية ومركز السيطرة على الأمراض الأوروبي.

يكرس الدكتور الزواوي جهوده للمشاركة العامة ويؤمن بأن التواصل العلمي الأفضل يمكن أن ينشر العلم ويزيد الوعي ويحول الرعاية الصحية.

استخدام الزواوي التصوير السينمائي (على سبيل المثال، الفيلم الوثائقي The Cave)، والمشاركة مباشرة مع الجمهور من خلال مقالات الرأي (مثل The Guardian)، والزيارات المدرسية، والمحادثات العامة (مثل TEDx)، والاستفادة من وسائل الإعلام الاجتماعية والسائدة لتوصيل العلوم، وتنظيم الأحداث الخيرية لرفع صندوق الأبحاث (مثل Superbug Slayers)، يلتزم حسام الزواوي برفع مستوى الوعي العالمي بالأمراض المعدية لإحداث تأثير. إن أهمية عمله متعدد التخصصات في مكافحة الأوبئة معترف به على نطاق واسع وحصل على العديد من الجوائز الوطنية والدولية وشهادات التقدير. وتشمل هذه جوائز رولكس للمؤسسات، وقائد الجيل القادم من مجلة تايم، وزمالة بيتر دوهرتي من NHMRC، وجائزة تال بوبي للعلوم، وبطل كوينزلاند للعلوم والابتكار، وجائزة الباحثين المبتدئين من مركز الملك عبد الله الدولي للأبحاث الطبية.

نشرت مجلة التايم TIME الأمريكية الشهيرة ضمن قادة الجيل القادم صفحات مطولة عن حسام زواوي من مركز كوينزلاند للأبحاث السريرية، بجامعة كوينزلاند نظير مشاريعه البحثية الابتكارية في حماية صحة الإنسان من خطر البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية (Superbugs).

وفاز زواوي بجائزة جامعة جريفيث للتفوق العلمي عام 2010 Griffith University Award for Academic Excellence ، وحصل على جائزة رولاكس للمشاريع الطموحة Rolex Awards for Enterprise لتكريم قادة المستقبل في مجالات العلوم والصحة والتكنولوجيا والإستكشاف والبيئة والتراث، الجائزة تعطى كل عامين لخمسة أشخاص مبادرين بغرض الاحتفاء بهم ودعم جهودهم في مواجهة التحديات العالمية الكبرى.

وكجزء من دراسته في مركز كوينزلاند للأبحاث السريرية، بجامعة كوينزلاند، تمكن زواوي من تطوير أداة تشخيصية سريعة تسمى الجرثومة الخارقة السريعة والتي يمكن من خلالها تحديد نوع العدوى بسرعة أكبر بين ثلاث إلى أربع ساعات بينما في المعدل الحالي يتم الكشف عن العدوى خلال ثلاثة أيام، وبالتالي تسهيل تقديم العلاج المناسب في المراحل المبكرة من العدوى والحد من انتشار المرض وحماية للأرواح والمجتمعات من انتشار هذا النوع من البكتيريا.

حصل في العام 2014 على جائزة رولكس للمبادرات الطموحة والتي تمنح كل عامين لخمسة أشخاص ساهموا بجهود ملموسة في مواجهة التحديات العالمية الكبرى لتحسين الحياة وحماية كوكب الأرض، وقد بلغ عدد المتقدمين على الجائزة منذ تأسيسها في العام 1976م أكثر من 30 ألف متقدم من 190 دولة، وحصل على الجائزة بين 1500 مرشح في العام 2014، وتمنح لجنة الجائزة مكافأة مالية تقدر بقيمة 200 ألف ريال لتحفيز الباحثين على تطوير أبحاثهم، كما حصلت أبحاثه على إشادة عدد من المنظمات العالمية منها الجمعية الدولية للأمراض المعدية.

ومن إنجازات زواوي إنشاء نظام للمراقبة على مستوى المنطقة لمراقبة ظهور وانتشار المقاومة للمضادات الحيوية، حيث بدأ المشروع بنجاح من خلال إنشاء الشبكة التعاونية الأولى من المستشفيات في دول الخليج (البحرين، الكويت، عمان، قطر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) لتبادل البيانات والعينات من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.

أهمية أبحاث الزواوي

يرجع الفضل لكل ما نعرفه اليوم عن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية إلى الباحثين والعلماء أمثال حسام الزواوي الذين اجتهدوا في عملهم، ولم يقبلوا أن يبقى العلم حبيس المختبرات، فخرجوا لمشاركة ما يعرفونه مع الأفراد والمؤسسات والحكومات، ليصنعوا حراكًا حقيقيًا قد يكون السبب في إنقاذ العالم.

كما ترجع أهمية ابحاث حسام الزواوي الى النتائج التي حققها حول البكتيريا الخارقة حيث انه اثبت انها تتسبب في وفاة مايقرب من 50 ألف شخص سنويا فقط في الولايات المتحدة وأوروبا … وهذه البكتريا خطر على الأرواح البشرية كما ان منظمة الصحة العالمية قد حذرت من خطرها من قبل.

مستقبل البحث العلمي

وحول مستقبل البحث العلمي على مستوى العالم العربي يقول الزواوي “العالم العربي، وخاصة الخليج، لديه القدرة على الصرف للأبحاث الطبية والعلمية، فقد خطونا خطوات كبيرة في هذا المجال، فهي مهمة جداً، فإذا كان العالم الغربي الآن غير قادر على الاستمرار بسبب قلة الدعم، فهذا الآن وقتنا، ليكون عندنا مجال للابداع، بحكم وجود مراكز الأبحاث المصروف عليها مليارات، فضلاًعن وجود المنح البحثية، ووجود العقول العربية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى