النساء عُرضة للإصابة بـ “اكتئاب الشتاء” أكثر من الرجال
هل تشعر بكآبة غير مُبررة بمجرد حلول الشتاء؟ هل تحش بالوحشة في كل صباح بسبب غياب أشعة الشمس الدافئة، وتشعر بكسل وخمول دائميّن؟ هذا غالباً يعني أنك مصاب بـ “اكتئاب الشتاء”.
ووفقاً لدراسةٍ نُشرت في مجلة (Acta Psychiatrica Scandinavica) في شهر مارس من سنة 2000 م فقد وُجد أنّ أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي تصل ذروتها خلال فصل الشتاء، كما قد وُجد أنّ التغيرات الموسمية أيضاً لها دور في تفاقم أو تحسّن أعراض أمراضٍ واضطراباتٍ نفسية أخرى مثل مرض النُهام العُصابِي واضطرابات القلق.
يُعرّف الاضطراب العاطفي الموسمي، بأنه أحد أنواع الاكتئاب المرتبط بتغير الفصول، ويُعرف أيضاً باكتئاب الشتاء لأنّ أعراضه تكون أكثر وضوحاً وشدةً خلال فصل الشتاء؛ حيث تبدأ أعراضه بالظهور أواخر فصل الخريف ومع بداية موسم الشتاء وينتهي بحلول فصليّ الربيع والصيف. ولكن هذا لا ينفي أنّ الاضطراب العاطفي الموسمي قد يحدث خلال فصل الصيف، ولكنه أقل شيوعاً خلال الصيف مقارنةٍ بالشتاء.
تظهر أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي في الوقت ذاته من كل عام؛ أيّ تحدث بشكلٍ نمطيٍّ متكرر، وعلى الرغم من أنّ السبب الفعلي الكامن وراء ظهور الاضطراب العاطفي الموسمي غير واضحٍ تماماً إلى الآن، إلاّ أنّه مرتبطٌ على الأغلب بقلّة التعرض لأشعة الشمس خلال فترة النهار من أيام فصل الشتاء والخريف والتي تمتاز بأنّها قصيرة؛ حيث يُعتقد أنّ لذلك تأثيرٌ في قدرة منطقة تحت المهاد الموجودة في الدماغ على أداء وظائفها على النحو الصحيح، والذي ينعكس على النحو الآتي:
زيادة إنتاج الميلاتونين: وهو ناقل عصبي مسؤول عن الشعور بالنعاس، وقد وجد أنّ مستوياته يُمكن أن تكون أعلى من الطبيعيى لدى المُصاب بالاضطراب العاطفيى الموسمي.
انخفاض انتاج السيروتونين: إذ قد تؤدي قلة التعرض لأشعة الشمس إلى انخفاض مستويات السيروتونين المعروف بين الناس بهرمون السعادة والمسؤول عن تنظيم الشهية والنوم والتحكم بالمزاج العام، مما يؤدي إلى الشعور بالاكتئاب.
تعطُّل في الساعة البيولوجية في الجسم: فجسم الإنسان يحتاج أشعة الشمس لتوقيت العديد من الوظائف المهمة في الجسم؛ كمواعيد الاستيقاظ من النوم، ولكن قلة التعرض لأشعة الشمس خلال فصل الشتاء يُمكن أن تؤدي إلى اضطراب الساعة البيولوجية، وبالتالي ظهور أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي.
النساء أكثر عُرضة
الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية يعرف مرض الاكتئاب فيقول إنه أحد الاضطرابات العاطفية الموسمية فهو نوع من الكآبة التي تلي تتابع الفصول ولاسيما في فصل الشتاء وأواخر فصل الخريف ويختفي بحلول الصيف أو الربيع.
يضيف: تعاني النساء من الاكتئاب أكثر من الرجال بنسبة 4 : 1 وغالبًا لا يصاب من هم أقل من 20 عامًا كما تقل الإصابة به كلما تقدم الإنسان في العمر ويرجع ذلك لمجموعة من التغيرات الفسيولوجية المتعلقة بكيمياء المخ المرتبطة بكمية ضوء الشمس والذي يصاحبه انخفاض في نسبة هرمون السيروتونين “هرمو السعادة” الذي يعمل كمضاد للاكتئاب .
غياب “هرمون السعادة”
الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية، يوضح أن الوقت الحالي وهو بداية فصل الشتاء سبب رئيسي في إصابة الكثير بالاكتئاب، حيث تنتاب البعض الحيرة من أمرهم، وعدم الاستقرار على الملابس قبل الخروج من المنزل: “عدم استقرار البعض علي الطقس الحالي يتسبب في الإصابة بالاكتئاب”.
ويتابع أن فصل الشتاء تغيب فيه الشمس كثيرًا وهو ما يدعم شعور الاكتئاب لدي الكثير، موضحًا أن الشمس مسئولة عن إفراز بعض الأشياء التي تسبب هرمون السعادة وبالتالي فإن لغيابها أثراً نفسيا علي الناس.
ويضيف في نفس السياق أن المنازل تتسم بحالة من الكتمان في فصل الشتاء حيث إغلاق النوافذ والستائر لتجنب البرد القارص إلا أن غياب الضوء عنها يسبب حالة من الكآبه كما أن حركة الناس تقل في فصل الشتاء وكذلك الخروجات والتنزهات بسبب الطقس البارد فيذهب الغالبية إلي التدفئة داخل الغرف وينتج عن ذلك عدم الحركة والخمول الأمر الذي يدعم الإصابة ب الاكتئاب لافتًا إلي أن هناك بعض الناس لا يصابون باكتئاب فصل الشتاء: “الناس البيتوتية هي المستفادة من فصل الشتاء”.
ويشير إلي أن كثيراً من الناس الذين يتجنبون جو الشتاء بالجلوس في المنزل يلجأون إلي الأكل بشكل مكثف فتزداد أوزانهم ويصابون بالاكتئاب
لماذا يحدث اكتئاب الشتاء؟
قد ينتج اكتئاب فصل الشتاء عن الارتباط الشرطي بين مجموعة من الخبرات المؤلمة التي تعرض لها الإنسان في مراحل عمره المختلفة والسابقة، كفقدان عزيز لديه أو موت أحد المقربين أو التعرض لحادثة أو الإصابة بمرض في مطلع فصل الشتاء، فتتكون ذكري مؤلمة لأي مما سبق، وبالتالي كلما أتي فصل الشتاء استدعي تلك الذكري وتأثر الإنسان نفسيًا بالسلب لذا يرتبط فصل الشتاء بالحزن والألم لدي كثير من الناس.
كما أن الإفراط في الاستمتاع في الخروج والتنزه والسهر واستمتاع الأطفال بفصل الصيف وعدم التهيئة الجيدة للدخول في العام الدراسي في بدايات فصل الخريف يسبب لديهم خبرة مؤلمة عند الدخول في العام الدراسي فيتم استدعاء تلك الخبرة في الكبر بصورة لا شعورية فيجترون ذكريات الألم ويحدث لهم ذلك الاضطراب عند قدوم الخريف أو الشتاء.
بحسب حديث الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية تتمثل أعراض إصابة الإنسان بالاكتئاب في مجموعة من المتغيرات الفسيولوجية والجسمانية والنفسية والاجتماعية، مثل صعوبة التركيز والميل للإطالة في النوم والشعور بالإعياء وهبوط في مستوي الطاقة والشعور بثقل في الذراعين أو السيقان مع تغيير في الشهية، خصوصًا تجاه الأطعمة الحلوة والنشوية كما تحدث زيادة في الوزن وكذلك زيادة الحساسية للرفض الاجتماعي والعزوف عن المشاركات الاجتماعية ويحدث ما يسمى بـ “اكتئاب الشتاء”.
وللخروج من اكتئاب الشتاء، ينصح استشاري الصحة النفسية بضرورة الاستيقاظ مبكرًا في فصل الشتاء والتعرض للضوء وأشعة الشمس قدر الإمكان مع الحرص علي إقامة نشاط رياضي منتظم وفي بعض الأحيان قد يحتاج مريض اكتئاب الشتاء إلي مكملات غذائية يعرفها الطبيب لهرمون “ميلاتوتنين” مؤكدًا أهمية هذا الهرمون لدي الإنسان حيث يعمل بالليل وليس النهار فيزداد إفرازه في الظلام ويقوم بتنظيم دورة الحياة عند الإنسان في النوم والاستيقاظ وضبط الساعة البيولوجية: “المكملات تعمل علي تنشيطه وبالتالي يؤدي الهدف منه وهو تحسين الحالة المزاجية”.
كما ينصح الأطباء بتغيير في نمط الحياة بما في ذلك الحصول على أكبر قدر ممكن من ضوء الشمس الطبيعي، وممارسة الرياضة بانتظام وإدارة مستويات التوتر لديك.
العلاج السلوكي المعرفي, من خلال تحدي أنماط التفكير السلبية واستئصالها، كما يساعد العلاج السلوكي المعرفي الأفراد على تحديد الأنشطة الممتعة والمشاركة فيها.
متى تزور الطبيب؟
من الطبيعي أن يشعر المريض بالتعب عدة أيام. ولكن إذا كنت تشعر بالاكتئاب والتعب وسرعة الانفعال في نفس الوقت من كل عام، ويبدو أن هذه المشاعر موسمية بطبيعتها، فقد يكون لديك شكل من أشكال الاضطراب العاطفي الموسمي خاصةً في حالة تغير أنماط النوم والأكل، أو بدء تناول الكحوليات للشعور بالراحة والاسترخاء، أو الشعور باليأس أو التفكير في الانتحار. تحدث بصراحة مع طبيبك عن مشاعرك. اتبع توصياته لتغيير نمط الحياة والعلاج.
نصائح
ويوضح استشاري الطب النفسي أن اكتئاب الشتاء يصيب البعض وليس الجميع أما عن المصابين فينصح بعدم التوتر والقلق لأن شعور الاكتئاب هذا يعد مؤقتًا وينتهي بانتهاء الفصل أو المناخ أو بفور التدخل بالعلاج السلوكي وممارسة طقوس الحياة وانتظام الساعة البيولوجية والأخذ بالطرق السهلة والبسيطة في العلاج الفعال.