تكنولوجيا طبية

العلم يتوصل إلى عمليات زرع للرحم كفيلة بتغيير حياة كثير من النساء غير القادرات على الإنجاب

يداعب حلم الأمومة خيال الكثير من الزوجات الغير قادرات على الإنجاب، لكن تجري الأمور أحياناً على خلاف توقعاتها وأحلامها، فهناك سيدات يولدن من دون رحم، وأخريات اضطررن إلى استئصاله، فتأتي عملية زرع الرحم لتعيد إليهن حلم الإنجاب. في سنة 1999 أجرت جامعة غوتنبرغ في السويد مشروعاً بحثياً يهدف إلى منح النساء فرصة الإنجاب بفضل عملية زرع الرحم، وفي 2014 تمكن فريق طبي سويدي من تحقيق هذا الإنجاز، وأجرى عملية لسيدة سويدية عمرها 32 عاماً، تلتها عمليات عدة ناجحة. ومنذ عام 2018، وعلى أثر تعاون بين الفريق السويدي ومركز “بلفو” الطبي في بيروت، أجريت العملية في لبنان للمرة الأولى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وبفضل عملية زرع الرحم، تحقق حلم الأمومة لشابة أردنية (28 عاماً)، إذ تبرعت والدتها برحمها، فأنجبت طفلة في عام 2020، ثم عادت وأنجبت ولداً أخيراً بصحة جيدة في الوقت المحدد للإنجاب، ومن دون أن يحتاج أي منهما حتى إلى الدخول إلى الحاضنة في المستشفى. هذا، فيما لم يكن من الممكن أن تنجب يوماً لو لم تُجرَ لها هذه الجراحة لكونها ولدت من دون رحم، وهي مشكلة خلقية تعانيها 100 ألف امرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب التقديرات.

هذا الإنجاز كفيل بتغيير حياة كثير من النساء غير القادرات على الإنجاب بسبب اختلال في الرحم. صحيح أن الطريق طويل والمشوار ليس سهلاً، لكن رغبة المرأة بأن تصبح أماً تشكل دفعاً لها لتتخطى كل التحديات والعوائق. في لبنان، تحقق هذا الإنجاز بفضل فريق طبي برئاسة البروفيسور جوزيف عبود في مركز “بلفو” الطبي، وبالتعاون مع فريق سويدي.

وفي حديث لموقع “اندبندنت عربية” يوضح عبود أن المساعي لتحقيق هذا الإنجاز بدأت في مدينة غوتنبرغ السويدية إلى أن حصل التعاون بين الفريق اللبناني مع الفريق السويدي ليكون من الأوائل في العالم والأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تحقيق إنجاز مماثل.

دوافع الزرع

هناك دوافع كثيرة تستدعي اللجوء إلى جراحة زرع الرحم، كأن أن تكون المرأة قد ولدت من دون رحم، وتصيب هذه المشكلة الخلقية التي تعرف بـ”الرحم الطفولي” فتاة من كل خمسة آلاف. وفي مثل هذه الحالة، يكون للفتاة مبيض وأنابيب، لكن لا رحم لديها، ولا مهبل أيضاً، لتتمكن من الحمل، ولا تظهر أعراض تشير إلى الإصابة بهذه المشكلة باعتبار أن المبيض يعمل بشكل طبيعي، فيما يلاحظ فقط أنه لا دورة شهرية لها على الرغم من البلوغ.

أما السبب الثاني الذي يمكن أن يستدعي اللجوء إلى جراحة زرع الرحم فهو وجود مشكلة في الرحم، أو عدم وجود رحم بسبب استئصاله المبكر. وبحسب ما يوضحه عبود، تعد حالة الاستئصال أكثر سهولة من الحالات التي تولد فيها الفتاة من دون رحم. وعندها من المفترض إجراء خطوتين في عملية زرع الرحم، أولاهما زرع مهبل للمرأة، ثم في مرحلة ثانية تجرى عملية زرع الرحم. أما في حال الاستئصال المبكر للرحم لسبب أو لآخر، فتجرى العملية مباشرة.

للتبرع بالرحم شروط

هناك شروط محددة يفرضها اللجوء إلى عملية زرع الرحم التي تبدو في نواحٍ عديدة أقرب إلى عملية زرع الكلى، ويفضل أن تكون المتبرعة والدة المتلقية أو إحدى قريباتها، أو ربما صديقة مقربة، حتى لا يكون في الأمور منحى آخر تجاري. وكذلك لا بد من شرط المطابقة الجينية، تماماً كما في عمليات زرع الكلى، حتى يتقبل الجسم الرحم. مع الإشارة إلى أنه من الممكن أيضاً أن يؤخذ الرحم من متوفية، إلا أنها عملية أكثر تعقيداً بكثير، بحسب عبود، ومن الأفضل اللجوء إلى متبرعة على قيد الحياة لتكون العملية أكثر سهولة. أما عمر المتبرعة فلا أهمية له، طالما أن الرحم لديها بحالة جيدة، فيما على المتلقية أن تكون في سن مبكرة حتى يكون حملها سهلاً، خصوصاً أنها تمر بهذه المراحل التي لا تخلو من الصعوبات والعلاجات بالأدوية.

وفي تفاصيل العملية، وبعد إيجاد المتبرعة المطابقة جينياً بما يسمح بإجرائها، والتأكد من أن رحم المتبرعة والأوعية الدموية بحالة جيدة بالفحوص والصور الشعاعية، وأنه ما من مشكلة تمنع إجراء العملية، تؤخذ البويضات من المتلقية، ويتم تلقيحها بالحيوانات المنوية لزوجها في المختبر فتحفظ بطريقة التجميد قبل إجراء العملية ووصف العلاجات المثبطة للمناعة، لأن هذه الأدوية قد تؤثر سلباً على البويضات في حال إعطائها إياها أولاً.

ويشير عبود إلى أن إجراء عملية زرع الرحم تستدعي حجز غرفتي عمليات ليوم كامل لأنها جراحة تطول مدتها. وفي إحدى الغرفتين يعمل فريق من الأطباء على أخذ الرحم مع الشرايين من المتبرعة وفق شروط معينة، فيما يزرع فريق طبي آخر الرحم للمتلقية في الغرفة الثانية، وهي العملية الأكثر سهولة بين الاثنتين.

أما المضاعفات فلا ترتفع معدلاتها، وتقتصر على ما يمكن أن يحصل أثناء الجراحة، إضافة إلى رفض الرحم، فيما ليست هناك للعملية من تداعيات لاحقاً على المتبرعة والمتلقية، ولا على الحمل لدى حدوثه أو الجنين.

بعد العملية تخضع المتلقية للمراقبة الشديدة خلال يومين تمضيهما في المستشفى للتأكد من أن جسمها تقبل الرحم بشكل طبيعي، وأن وظائف الأوعية الدموية جيدة وتعمل بشكل طبيعي، وتسير الدورة الدموية من دون مشكلات، ثم تستمر المراقبة كل أسبوعين للتأكد من عدم رفض الرحم، مع الإشارة إلى أن المتلقية تتناول باستمرار مثبطات المناعة طالما أن الرحم لا يزال موجوداً في جسمها وإلى حين إعادة استئصاله بعد أن تنجب، وعندما لا تعود بحاجة إليه.

وبعد مرور 6 أشهر على العملية يقترب أكثر تحقيق حلم الأمومة، إذ يمكن المباشرة بعملية التلقيح الاصطناعي لحصول الحمل والإنجاب، وهذا ما لا يتأثر أبداً بكون متلقية الرحم قد خضعت لمثل هذه العملية، إلا أن المراقبة التي تخضع لها الحامل في مثل هذه الحالة مماثلة لتلك المطلوبة في حالات الحمل عالي المخاطر.

وبفضل هذه العملية تحقق حلم الأمومة لعشرات الأمهات بدول نجحت في إنجازها، فأعادت الأمل إليهن بعد معاناة دامت طويلاً غالباً، ومن المتوقع أن يستمر هذا الإنجاز الطبي المهم في إعادة الأمل إلى كثيرات في العالم شاءت ظروفهن ألا يتمكن من الإنجاب بصورة طبيعية، ومن دون تدخل طبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى