جديد العلوم

مختبر أمريكي يحقق طفرة في مجال الاندماج النووي للمساعدة في الحد من التغير المناخي

تمكن مؤخرا فريق علمي أمريكي تابع لمختبر لورنس ليفرمور الوطني بكاليفورنيا من تحقيق طفرة في مجال اندماج الطاقة باستطاعتها المساعدة في الحد من التغير المناخي إذا تمكنت الشركات من الاستفادة تجاريا من التكنولوجيا في العقود المقبلة. وقالت وزارة الطاقة الأمريكية إن العلماء في مختبر لورنس حققوا للمرة الأولى ولفترة وجيزة زيادة صافية في الطاقة في تجربة اندماج باستخدام أشعة الليزر. وركز العلماء شعاعا من الليزر على هدف من الوقود من أجل دمج ذرتي الضوء لتكوين ذرة أكثر كثافة وتوليد الطاقة.

الاعتماد على الوقود الأحفوري

كانت وزيرة الطاقة الأمريكية، جينيفر جرانهولم، قد أعلنت في في وقت سابق، أن الولايات المتحدة حققت اختراقًا علميًا في مجال الاندماج النووي، وصفته بـ«العظيم» في مجال الطاقة، حيث سينهي الاعتماد على الوقود الأحفوري، لكن خبيرًا قال إن الأمر سيستغرق عقودًا.

وقالت الوزيرة إن الاختراق حدث «لأننا استثمرنا في مختبراتنا الوطنية وفي أبحاثنا.. غدًا سنستمر في العمل من أجل مستقبل تكون فيه الطاقة بهذا الاندماج النووي».

وأضافت: «لحسن الحظ، الاستثمار في القطاع الخاص كبير، ووصل إلى 3 مليارات دولار العام الماضي، سمعنا أيضًا من الأساتذة أن الطلبة مهتمون بهذا الأمر.. إدارة بايدن وهاريس تريد أن تستغل هذه الفرصة، وإعلان اليوم هو خطوة عظيمة إلى الأمام نحو الهدف الرئيس، وهو تحقيق الاستقلال على صعيد الطاقة خلال عقد».

وذكرت أن السلطات تعمل على تحقيق رؤية الرئيس في مجال الطاقة بتكلفة أقل ومراعاة البيئة، معتبرة أن «اختراقًا سيسجل في كتب التاريخ».

وقالت الدكتورة أراتي برابكر، مديرة ساسية العلوم والتكنولوجيا في البيت الأبيض، إن الاختراق جاء تتويجًا لجهود استمرت لعقود حتى نجحت الأسبوع الماضي في توليد طاقة ناتجة عن الاندماج النووي.

وأضافت أن الطاقة الناتجة الناجمة أكبر من تلك التي جرى استعمالها في مختبر ليبر مور الوطني للطاقة بولاية كاليفورنيا، وذكرت بحسب «واشنطن بوست»، أن الهدف من هذا الاندماج هو استخدام أسلوب مشابه لعملية التفاعل النووي، التي تنتج عنها طاقة الشمس.

والطاقة التي ستنتج عن عملية الدمج في هذا الكشف ستكون من مصادر الطاقة النظيفة الخالية تمامًا من الانبعاثات الكربونية، والتي كان يسعى العلماء للوصول لها منذ خمسينيات القرن الماضي.

عقبات علمية

وفي ذاته السياق قالت كيمبرلي بوديل مديرة المعهد للصحافيين في فعالية أقامتها وزارة الطاقة إن العقبات العلمية والتكنولوجية تعني أن الاستفادة التجارية ربما لا تكون بعد خمسة أو ستة عقود بل أقرب من ذلك.

وأضافت “مع تضافر الجهود والاستثمار فإن بضعة عقود من البحث في التكنولوجيا الداعمة يمكن أن تمكننا من بناء محطة كهرباء”.

واكتشف العلماء منذ نحو قرن من الزمان أن طاقة الشمس تتولد من خلال الاندماج ويحاولون منذ عقود إحداث الاندماج على الأرض.

وقالت وزارة الطاقة إن التجربة حققت لفترة وجيزة ما يعرف بإشعال تفاعلات الاندماج بتوليد 3.15 ميغا غول من الطاقة بعدما زود الليزر الهدف بما مقداره 2.05 ميغا غول.

وقال علماء نوويون من خارج المعمل إن الانجاز سيكون نقلة نوعية كبيرة، لكن هناك الكثير ينبغي فعله قبل أن يصبح الاندماج مجديا تجاريا.

ما هو الاندماج النووي؟

هناك نوعان من الطاقة النووية: الانشطار والاندماج، في حالة الانشطار، تنقسم نواة الذرة إلى نواتين أصغر أو أكثر وعدد من النيوترونات؛ اما في الاندماج، تتحد نواتان أو أكثر، مما يطلق كم هائل من الطاقة.

وفي كل تفاعل يطلق طاقة والتي يمكن تسخيرها للتدمير- القنابل التي ألقيت على اليابان في عام 1945 كانت انشطارية، لكن الاندماج كان وراء الجيل الثاني والتي سميت بـ «القنبلة الهيدروجينية» ويمكن أن تولد كميات هائلة من الطاقة.

الإندماج النووي.. تاريخ حافل بالتعاون

منذ أن توصَّل العلم إلى فهم الاندماج النووي في ثلاثينات القرن الماضي، انخرط العلماء في مساع لاستنساخه وتسخير الطاقة الناتجة عنه. وفي بداية الأمر، جرت هذه المحاولات في كنف السرية. بيد أنه سرعان ما اتضح أنّ هذه البحوث المعقّدة والمُكلفة لا يمكن إجراؤها إلا من خلال التعاون. وخلال مؤتمر الأمم المتحدة الدولي الثاني المعني بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية الذي عُقِدَ في عام 1958 في جنيف بسويسرا، كشف العلماء أمام العالم عن البحوث الجارية في مجال الاندماج النووي.

وقد كانت الوكالة ولا تزال في موقع القلب من البحوث الدولية في مجال الاندماج. فقد أطلقت الوكالة مجلة الاندماج النووي في عام 1960 لتبادل المعلومات حول التقدّم المحرز في مجال الاندماج النووي، وتُعتبر هذه المجلة اليوم الدورية الرائدة في هذا المجال. وعُقِدَ مؤتمر الوكالة الدولي الأول المعني بطاقة الاندماج في عام 1961، ومنذ عام 1974، تعقد الوكالة كل سنتين مؤتمراً لتعزيز النقاش بشأن التطورات والانجازات في هذا المجال.

وبعد عقدين من المفاوضات بشأن تصميم ومكان أكبر مرفق دولي للاندماج على الصعيد العالمي، أُنشِئ مفاعل إيتير في عام 2007 في فرنسا، بهدف إثبات إمكانية إنتاج طاقة الاندماج من الناحية العلمية والتكنولوجية. والمدير العام للوكالة هو وديع اتفاق التنفيذ المشترك لمفاعل إيتير. وفيما بعد مفاعل إيتير، يجري التخطيط لإنشاء محطات لإثبات جدوى القوى الاندماجية، أو ما يُعرف بمحطات القوى الإيضاحية، بهدف إثبات إمكانية توليد مكسب صاف من القوى الكهربائية باستخدام الاندماج النووي الخاضع للتحكُّم. وتستضيف الوكالة حلقات عمل بشأن محطات القوى الإيضاحية لتيسير التعاون من أجل تحديد وتنسيق أنشطة البرامج العادية لهذه المحطات حول العالم.

 

ومن المتوقع أنَّ الاندماج يمكن أن يلبي احتياجات البشرية من الطاقة لملايين السنين. ووقود الاندماج متوفر بكثرة ومن السهل الحصول عليه: فالديوتيريوم يمكن استخراجه بتكلفة زهيدة من مياه البحر، أمَّا التريتيوم فيمكن إنتاجه من الليثيوم الموجود بوفرة في البيئة الطبيعية. ولن تَنْتُج عن مفاعلات الاندماج في المستقبل نفايات نووية قوية الإشعاع وطويلة العمر، أمَّا انصهار القلب فهو أمرٌ مستحيل عمليًّا في مفاعلات الاندماج.

ومن الجدير بالذكر أنَّ الاندماج النووي لا تنجم عنه انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون أو غيره من غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، ومن ثمَّ يمكن للاندماج النووي أن يؤدي، إلى جانب الانشطار النووي، دوراً في التخفيف من حدَّة تغير المناخ في المستقبل باعتبارهما من مصادر الطاقة المنخفضة الكربون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى