قصة اختراع

“ليفي شتراوس” مبتكر “سراويل الجينز الزرقاء”.. وعبقري التسويق

في عام 1850 ابتكر المهاجر الألماني “ليفي شتراوس” سراويل الجينز الزرقاء، وكان يبيعها للباحثين عن الذهب في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ليُنشأ بعدها شركته الشهيرة والتي تفوقت على مر السنين في إنتاج الجينز.

شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى آوائل السبعينيات إزدهارا كبيرا لمنتجات ليفي من الجينز، وذلك بسبب الانفجار السكاني الذي حدث في أمريكا وأوروبا عقب الحرب، وإزدياد عدد المراهقين والشباب في المجتمعات الأمريكية والأوروبية، وهم من يعرفون بجيل الـ “Baby Boomers”، فأصبحت أمريكا شابة وأصبحت عملية بيع الجينز سهلة، ونمت مبيعات شركة ليفي بسرعة في تلك السنوات دون مجهود كبير منها في عمليات التسويق.

ثم بدأ جيل الـ ” Baby Boomers” في الكبر في السن، وبدأ النمو السكاني في أمريكا وأوروبا في التباطؤ، وازداد عدد كبار السن، وانخفضت نسبة الشباب ما بين 18 و 24 سنة، وهي الشريحة العمرية التي كانت تفضل ارتداء الجينز، وهكذا واجهت شركة ليفي مشكلة في الحفاظ على مكانتها ونموها في سوق الملابس في أمريكا.

حاولت ليفي الحفاظ على مكانتها ونموها بزيادة الإنفاق على الدعاية والإعلان، كما بدأت في بيع منتجاتها عن طريق الشركات الكبرى التي تمارس البيع بالجملة، ولكن هذا لم يكن كافيا لوقف تراجع مبيعاتها ومكانتها في السوق.

قررت ليفي توسيع تشكيلة منتجاتها على أساس التوجهات الحديثة السريعة للملابس وقتها، فقامت بإنتاج أكثر من 75 موديلا جديدا خاصة بالملابس الراقية الغالية، منها ملابس رياضية رحالية كلاسيكية، وملانس نسائية عصرية، وملابس خاصة برياضات معينة مثل ألعاب القوى ورفع الأثقال، وكثير غيرها.

وبحلول منتصف الثمنانينيات، كان منتجات ليفي عبارة عن مجموعة غير متناسقة من الملابس، ملابس جينز وأزياء رجالية تقليدية وملابس نسائية حديثة وقبعات رجالية وجوارب نسائية وملابس رياضية…الخ الخ، وهكذا فقدت صورتها وسمعتها التي اشتهرت بها طويلا، وكانت النتيجة مأساوية فعلا، ففي عام 1985 تهاوت مبيعاتها وفقدت حوالي 80% من أرباحها واستغنت عن حوالي 5 آلاف عامل وموظف.

تم تغيير إدارة الشركة بنهاية عام 1985، فقررت الإدارة الجديدة إيقاف كل المنتجات الحديثة التي لا تمت لنشاط الشركة الأصلي بصلة، لتعود إلى ممارسة العمل الذي نجحت فيه أكثر من غيره، وهو صناعة الجينز وبيعه.

وكبداية لهذا، قامت الشركة بإعادة تشكيل أو “ترميم” منتجها الأساسي وهو “الموديل S01″، وهي سراويل جينز ضيقة ملتصقة بالجسم “Slim”، ووظفت مبلغا بقيمة 40 مليون دولار في حملة إعلانية لترويج هذا المنتج من جديد، ما رآه الكثيرون من خبراء التسويق وقتها أنه نوع من الجنون.

كانت الحملة الدعائية المدروسة جيدا تعتمد على إثارة الشوق والحنين للأيام السابقة التي كان جينز ليفي فيها على القمة، وضمت معلومات ليس فقط عن الموديل “S01″، ولكن عن منتجات الشركة الأخرى التقليدية القديمة، وذكّرت العملاء أنها مازالت محافظة على تقاليدها في إنتاج الجينز الأزرق السماوي الشهير، وبفضل حملة الإعلانات القوية والمركزة، ارتفع حجم مبيعات الموديل”S01” إلى الضعف، وارتفعت معه مبيعات الأصناف التقليدية الأخرى.

ثم قدمت الشركة نوعا جيدا من السراويل الجينز الزرقاء الغامقة، وهو الموديل “Dockers”، وهو اسم يعني “عمال رصيف الميناء”، للدلالة على قوة السراويل ومتانتها وتحملها للعمل الشاق، ولاقى هذا الموديل إقبالا كبيرا فاق حد التوقعات، حيث لم يقتصر شراؤه على الكبار فقط، ولكن امتد ليشمل الصغار أيضا، حيث قيل وقتها أنه يلزم لكل مراهق أمريكي زوج على الأقل من هذه السراويل.

تعمل شركة ليفي دائما على إطهار جذورها الأمريكية في معظم الأسواق الأجنبية، فمثلا توجد في معظم الإعلانات الخاصة بالشركة في اليابان صور النجم الأمريكي الشهير “جيمس دين” وهو يرتدي جينز ليفي،  وفي أندونيسيا يوجد مراهقون يرتدون سروايل جينز ليفي وهم يقودون سيارت من الستينيات، وكل الإعلانات تكون مصحوبة بموسيقى أمريكية وناطقة باللغة الإنجليزية.

وهكذا إذا ما كان الأمريكيون يرون ثياب ليفي أنها ملابس عمل جيدة تصلح لكل أوقات النهار، فإن العملاء خارج أمريكا يرتدونها لأنها “على الموضة” وتعطي مظهرا جيدا، وتجعلهم  يعيشون “الحلم الأمريكي” الشهير.

هذا يدلنا على أن وضع المنتج “Product Positioning” في ذهن العميل قد يختلف من بلد إلى آخر، ومن سوق لآخر، ومن عميل لآخر، وهو ما يحدده خبير التسويق الذكي الخبير بالأسواق المختلفة والعملاء المختلفين.

الدروس المستفادة من القصة:

– التطوير والتغيير مهمان جدا لمواكبة التغيرات التي تحدث في الأسواق مع الوقت، لكن على أن يكون هذا التغيير في مجال أمتلك فيه العلم والخبرة والقدرة والإمكانيات. 

– مشاكل الشركة التسويقية المتجددة والتي تواجة بحلول عدوانية غير مدروسة، قد تؤدي إلى نتائج مفجعة وكوارث.

– التخطيط الاستراتيجي التسويقي الدقيق يحول الشركة، حتى لو كانت خاسرة، إلى شركة قوية ورابحة تتأقلم بسهولة ومرونة مع التغيرات المفاجأة، وأيضا مع الفرص الجديدة التي تتاح دوما من تغير الأسواق.

– خبير التسويق الماهر الذكي هو الذي يدرس الأسواق المختلفة وأنواع العملاء فيها، ويقدم لك سوق ولكل عميل ما يحتاجه أو ما يريده فعلا.

د. هانى سليمان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى