التونسي “سامي بن عامر” يطلق أول معجم لمصطلحات الفنون البصرية.. إثراءً للغة الضّاد وتوسيعًا لمجال البحث العربي
فى بادرة هى الأولى من نوعها على المستوى الوطن العربي وتحت عنوان: “معجم مصطلحات الفنون البصرية”, أطلق الفنان التشكيلي التونسي الدكتور “سامي بن عامر”, أول معجم عربي خاص بالفنون البصرية عن دار نشر “المقدمة” بتقديم الباحث الحبيب سيدهم، رئيس جامعة تونس والفنان التونسي الحبيب بيدة. فى 765 صفحة.
بدايات الفكرة
فكرة المشروع بدأت مع “بن عامر” منذ ان كان طالباً بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس ثم بالسوربون بباريس، كان عنده شعور دائم بأن قطاع الفنون التشكيلية في تونس وفي البلدان العربية عمومًا يمثل مجالاً حيوياً ذا أهمية كبرى، إلا أن ما نلاحظه – بحسب بن عامر- هو انه يشكو من عديد النقائص سواء على مستوى طرائق تدريسه او ظروف إنتاجه وانتشاره.
معجم مصطلحات الفنون البصرية هو خلاصة تجربة ذاتية في الفنون التشكيلية. فهو نتاج عمل دؤوب تواصل على مدار عقود ثلاثة واستمدّ مادّة معارفه ممّا أنجزه بن عامر ووثقته في مسيرته الجامعيّة من دروس وبحوث ودراسات متعدّدة ومحاضرات ونقاشات ضمن ندوات علميّة وتعليميّة مختلفة وحصص إذاعية في إذاعة تونس الثقافية انجزها المؤلف منذ 2006 إلى حدود 2016 تطرق خلالها إلى قضايا متعلقة بالفنون البصرية عامة والفنون التشكيلية بالخصوص.
يتضمن المعجم 765 صفحة. وقد تمّ تبويبه تبويباً ألفبائيا من الألف إلى الياء، وفق عناوين بلغ عددها مائة وثلاثون عنواناً. كما تمّ إرفاق بعض المقالات بعناوين ثانويّة إبان التّحرير للمزيد من الوضوح المنهجي. وهو في الحقيقة لا يقف عند شرح المصطلح بطريقة مبسطة بل يذهب إلى التعمق في المفاهيم والإشكاليات التي يطرحها ويتناول أيضا استعمالاتها في ممارسات الفنانين مما يجعل منه معجما موسوعيا.
التجارب العربية
يتعرض المعجم بعمق إلى التجارب العربية فضلاً عن تجارب الفنانين الغربيين. وهو ما حدا بنا إلى الاعتماد في هذا الإطار – فضلا عن مقولات المفكّرين والفلاسفة والنقّاد – على شهادات الفنّانين أنفسهم، الغربيين والعرب، وقراءة المؤلف لأعمالهم الفنّية الّتي تمثّل مصدر معرفة ومنهل معانٍ ساعده على جمع المعجم وإثرائه.
لمن يتوجه هذا المعجم؟
المعجم يستهدف أولاً جمهور الباحثين في مجال الفنون البصرية فهو أداة مهمة تساعد الباحث على تعرف المصطلحات وما تفرضها من مفاهيم وإشكاليات وقضايا فضلاً عن استخداماتها في ممارسات الفنانين بمختلف ثقافاتهم.
وهو كذلك يهم أساتذة الفنون البصرية بقطع النظر عن المستوى التعليمي. فالتعليمية مكانة هامة في هذا المعجم.
كما انه يهم أيضاً كل الفنانين والباحثين في الألسنية والأدب وعلم الاجتماع. فللمعجم عديد الزوايا والمداخل.
مراجع المادة
استمد المؤلف مادة هذا المعجم من معارفه ممّا اكتسبه في ممارساته الفنّيّة من تجارب إنشائيّة واسطيتيقية أفرزت معارف تُراوح بين الممارسة الفنّيّة والتّنظير. وهو يعكس أيضا تجارب المؤلف في النشاط الجمعياتي وحتى الإداري.
ولعل هذا التنوع في النشاط ضمن مجال الفنون البصرية أسس في ذهن المؤلف الوعي بضرورة هذا المعجم الذي لا يقف عند حد التطرق إلى الاتجاهات الفنية الغربية التي تطالعنا في كل المكتبات بل إلى تناول التجارب الفنية العربية بطريقة معمقة.
يسهم هذا المعجم في توضيح المفاهيم الإسطيتيقية أو تقريبها إلى الأفهام في ظل غياب واضح لمثل هذه المراجع في الدّراسات العربيّة الحالية.
الحقل اللّغوي التّقني
تنقسم مقالات هذا المعجم إلى مواضيع مفهوميّة بالأساس وإلى إشكاليات ترتبط بالمصطلح الفنّي والحقل اللّغوي التّقني ومواضيع تخّص أحداثا وأماكن ذات دلالة خاصّة في تاريخ الفنّ العربي والعالمي.
كما تمّ تحرير مقالات أخرى حول العمل الفنّي وتقنيّاته والحركات التّشكيليّة والتّيّارات والمدارس الكبرى الّتي أثْرت جملة المعارف الإنسانيّة في مجال الفنون البصريّة وأثّرت فيها.
وتمّ العودة إلى المواضيع ذات الصِّلة الوثيقة بالنّقد الفنّي وبالتّعليميّة والتّكوين الأبستمولوجي للفنون.
كما تعرض هذا المعجم في مقالات عديدة إلى السّياق الّذي يتمركز فيه الفنّ باعتباره عنصرًا حيويّا في إدارة العولمة كموضوع الأسواق الدّوليّة، والاستراتيجياّت الجيو-سياسيّة وتاريخ الاستشراق والاستشراق الجديد مثلاً.
الفنون الجميلة
وحَرص المؤلف على أن يكون هذا المعجم ضاماً لجلّ الفنون البصريّة الّتي تخاطب حاسّة البصر. فتطَرّق إلى ما سمّي في عصر النّهضة الإيطالية بالفنون الحرّة والّتي أصبحت تُسمّى خلال الفترة الكلاسيكيّة والكلاسيكيّة الجديدة في أوروبا بالفنون الجميلة Beaux-arts وتناول بالدّرس الفنون التّشكيليّة الّتي فتحت بداية من القرن العشرين لقائمة الفنون الجميلة مزيدًا من الامكانات التّشكيليّة. واهتم المؤلف أيضا بفنون بصريّة مغايرة أفرزتها المعاصرة وخصّص المؤلف حيّزا من اهتمامه في هذا المعجم بالفنون البصريّة ذات الأبعاد النّفعية كتصميم المنتوج الصّناعي والحرفي.
استجلب المؤلف أهمّ المصطلحات من اللّغات الغربيّة كالإنجليزية والفرنسيّة والألمانية كما أخذ بعين الاعتبار مراجعة التّرجمات الّتي لم تعُد متناسبة مع الأطّروحات المعاصرة. فلترجمة المصطلح الفرنسي Esthétique مثلا، اعتمد كلمة إسطيتيقا وليس “جمالية” كما جرى الأمر غالبا، وذلك تفاعلا مع النّظريّات المعاصرة التي تجاوزت موضوع الجمال باعتباره صنفا إسطيتيقيا يحتكر هذا المصطلح.
المعجم ومسايرة تحولات الفنون
سعى المؤلف إلى مسايرة تحولات الفنون عبر تمظهراتها الاصطلاحية المتغيّرة خلال التّاريخ المتعاقب. وهي تُولّد هي ذاتها سلسلة مصطلحات متفرّعة تؤشّر على ثنايا المعرفة العالمة لهذه الفنون بكل صلاتها واختلافاتها. فلا شك أنّ تعريفات الفنّ مختلفة عبر التّاريخ وتطلّعات الإنسان أمام غموض هذا الكون لن تستقرّ على حال.
وإن لجأ المؤلف إلى إبراز تلك التحوّلات الاصطلاحية النّاجمة عن تغيّرات تعريفات الفنّ عبر فترات موغلة في التّاريخ ومُؤثّرة مثل عصر النّهضة الإيطاليّة والكلاسيكيّة الفرنسيّة وغيرهما، أو عبر مراحل تاريخيّة متصلة بتاريخ الحضارة الإسلامية وصناعاتها الفنّية والحرفية، فإنّه في المقابل قد ركّز بالخصوص على الزّمنين الحديث والمعاصر، وعلى أهمّ المصطلحات المؤسّسة لهما.
كما أبرز المؤلف خصوصيّات هاتين المرحلتين المختلفتين واللّتين سايرتا تباعا – ابتداء من أواخر القرن التّاسع عشر إلى يومنا – الممارسات الفنّية في العالم الغربي عموماً وفي الوطن العربي بالخصوص، وشكّلتا ما يتضمّنه المجال المعرفيّ الفنّي والاسطيتيقي والتّقني الّذي تزخر به ممارسات الفنّانين.
عن سامي بن عامر:
تخرج سامي بن عامر في جامعة السوربون، حاملاً شهادة الدكتوراه، وعمل في تدريس الفن في المعهد العالي للفنون الجميلة في تونس ثم كمدير له، كما شغل منصب الأمين العام لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين، وكُلف مهمة إعداد المتحف الوطني الحديث والمعاصر في تونس.
صدر له كتاب “الفنون الجميلة: الاصطلاح وموقعه من الفكر الحديث”، وله عديد من المعارض الفردية، كان آخرها معرضه الافتراضي في عام 2020، الذي حمل عنوان “لمسة مميتة”، كما شارك بأعماله في عشرات الفعاليات الجماعية المحلية والدولية.