العلاج بالموسيقى والحد من الإعاقات والاضطرابات الوظيفية
عرّف بروشيا (1991) العلاج بالموسيقى بأنه ” عملية شخصية يستخدم فيها المعالج الموسيقى وجميع جوانبها لمساعدة المرضى على تحسين الصحة أو استعادتها أو الحفاظ عليها ” (ماراتوس، جولد، وانج وكروفورد، 2008).
وبعد ذلك بقليل، في عام 1998، اقترح بروشيا تعريفًا بديلًا آخر للعلاج بالموسيقى على أنه ” عملية تدخل منظمة حيث يساعد المعالج العميل على تعزيز الصحة، باستخدام الخبرات الموسيقية والعلاقات التي تتطور من خلالها كقوى تغيير ديناميكية ” (Geretsegger ، إليفانت، موسلر آند جولد، 2014).
لعلاج بالموسيقى هو استخدام الموسيقى وعناصرها (مثل الصوت والإيقاع والانسجام) لتحقيق العديد الأهداف العلاجية، مثل تقليل التوتر أو تحسين نوعية الحياة.. ويعد العلاج بالموسيقى من أشهر أشكال العلاج بالفن وأكثرها استخداما، ويتم من قبل معالج موسيقي مختص، يقدم الدعم اللازم للفرد الذي يتلقى العلاج، ومن هنا تخرج الموسيقى من استخدامها كوسيلة للمتعة وتحويلها كوسيلة للعلاج باستخدام العلم والخبرة.
الموسيقى بين القلب والروح
ويعود تأثير الموسيقى كما تقول الدكتورة رحاب كمال استشارية المناهج الموسيقية والتأهيل والعلاج بالموسيقى إلى أن “الموسيقى هي أقرب وسيلة للقلب والروح، فكل ما حولنا هو ضرب من الموسيقى، المشي موسيقى، والحركة نوع من الموسيقى، والكون كله يعيش في حالة من التوافق الموسيقي، لذلك يكون للموسيقى أثرها القوي في الأفراد، وتكون نتيجتها أسرع على الأطفال، لأنه حين يولد الطفل يتعامل مع الكون كله على أنه صوت، فيستمع إلى صوت والدته، وهمهمات من حوله، ويستمع إلى الأغاني التقليدية التي تلقى عليه في المهد، والموسيقى بالذات لا تعمل على حاسة السمع فقط، بل تعمل على عدة حواس في الوقت ذاته”.
تضيف د. رحاب إن “الموسيقى تعود بالنفع على الإنسان بجوانب مختلفة، فيدخل تأثيرها في الجوانب السلوكية، والجوانب الاجتماعية، والجوانب الجسدية والنفسية، ولها أثرها في كل جانب من هذه الجوانب بطريقة مختلفة، واعتمادا على حالة الفرد”.
ولكن لا تعد هذه إلا جزئية صغيرة من جوانب العلاج الموسيقي، حيث تقول د. رحاب، إن ”للموسيقى تأثيرا أوسع مما يعتقد الكثيرون، فهي تعمل على تعديل الجوانب السلوكية، حيث تعدل سلوكيات الأطفال العدوانية كالصراخ المستمر، والعنف والعدوان ضد الأقران، وتعمل على الجوانب الجسدية كذلك، فتساعد الأفراد الذين يعانون من قصور أو ضعف في التوافق العضلي العصبي، كما أنها تساهم في مساعدة من يعانون من أمراض عقلية كالزهايمر، أو الخرف وغيرها من الأمراض”.
وللموسيقى تأثيرها على الجوانب النفسية بحسب رأي الفروخ الذي يبيّن أن “الموسيقى العلاجية تساعد في عدة نواحٍ، منها تخفيف القلق والتوتر، وتحسين مهارات التواصل الاجتماعي، وتحسين قدرة الفرد على التركيز” .
الوقت المناسب للعلاج بالموسيقى
وبخصوص الوقت المناسب للتدخل الموسيقي، فقد بيّنت د. رحاب، أن “شأن الموسيقى كشأن أي علاج آخر، أي كلما تدخلنا في وقت مبكر كانت النتائج أفضل، وتحقيق أي هدف لدى أي مريض يحتاج إلى وقت ويختلف هذا الوقت تبعًا للحالة، ولكننا نستطيع تحقيق الأهداف المنشودة أسرع إذا قمنا بالتدخل اللازم في المراحل الأولى”.
وسيلة علاجية آمنة
وأضافت: “تعد الموسيقى وسيلة علاجية آمنة للغاية، ولها قوة وأثر على هذه الجوانب، فهي تعتبر تدخلاً غير طبي، كما أنها تلبي احتياجات الفرد وتقدم له الدعم الذي يحتاجه، وتقوم جلسات العلاج بالموسيقى على نقله من حالة عدم الارتياح إلى جانب يرى نفسه فيه آمنا، وتؤثر عليه إيجابيا بحيث تساعده وتمكّنه من القيام بأنشطته اليومية المختلفة.”.
“العلاج الموسيقي يناسب كل الأعمار، ويقوم المعالج بمراعاة قدرات كل فئة عمرية”.
ما هو العلاج بالموسيقى؟
العلاج بالموسيقى هو استخدام الموسيقى و/أو عناصر الموسيقى (مثل الصوت والإيقاع والانسجام) لتحقيق الأهداف، مثل تقليل التوتر أو تحسين نوعية الحياة. يتحدث معك أحد مقدمي الرعاية الصحية المسمى المعالج بالموسيقى لمعرفة المزيد عن احتياجاتك وتفضيلاتك الموسيقية وخبراتك، ويصمم كل جلسة خصيصًا لك. كما يقومون أيضًا بتقييم تقدمك في كل خطوة على الطريق، وقد يعملون مع مقدمي الرعاية الصحية الآخرين لتنسيق رعايتك.
يعتمد عدد الجلسات التي تجريها ومدة كل جلسة وما تفعله على احتياجاتك وأهدافك الفردية. قد تشمل تجارب العلاج بالموسيقى الغناء أو العزف على الآلات أو كتابة الموسيقى. قد تتضمن بعض الجلسات الاستماع إلى الموسيقى والتحدث عن معناها.
يستخدم مقدمو الرعاية الصحية الموسيقى كعلاج في العديد من السياقات، بما في ذلك بجانب السرير للأشخاص في المستشفيات. ومع ذلك، فإن العلاج بالموسيقى ليس مثل الاستماع إلى الموسيقى لمساعدتك على الاسترخاء. من المؤكد أن الموسيقى يمكن أن تكون أداة قوية للتهدئة والشفاء. لكن تعريف العلاج الموسيقي السريري ينص على أن المعالج الموسيقي المؤهل يجب أن يخطط ويقود الجلسة ضمن علاقة علاجية حتى يصبح مؤهلاً لهذا النوع من العلاج.
مجالات العلاج الموسيقي
مجال العلاج الموسيقي واسع للغاية، فهو يشمل التأهيل البدني، والعلاج السلوكي، وتوفير الدعم العاطفي للمرضى وذويهم، وغيرها من المجالات الهامة للمريض، فالموسيقى لها تأثيراتها المختلفة على أجزاء الجسد، بالإضافة إلى تأثيرها في ضغط الدم، وسرعة النبض، والتقليل من التوتر الجسدي، وزيادة الطاقة العضلية. فمثلاً نجد تفاعل الأعضاء الحسية واضحاً مع أي مصدر موسيقي يُسمع، كالحركات العشوائية تفاعلاً معها، والتصفيق، والضرب بالأرجل تناغمًا مع إيقاعها وغيرها من ردود الفعل السلوكية الواضحة على الموسيقى، باختلاف إيقاعها وآلاتها وسرعتها كذلك.
وتُظهر د. رحاب جانبًا من ذلك فتقول: “عملت شخصيًا على حالات كاضطراب طيف التوحد، وحالات تشتت الانتباه وفرط الحركة “ADHD”، وإعاقات حركية وعقلية، وصعوبات التعلم، وصعوبات النطق، وكان لجلسات العلاج بالموسيقى دورها الكبير في التخلص والحد من جوانب القصور التي تعاني منها تلك الحالات، وشهدنا نتائج أكثر من رائعة”.
الخطط العلاجية
وحول كيفية وضع الخطط العلاجية، وآلية التدخل الموسيقي، تقول الدكتورة رحاب: “لكي نتمكن من التدخل بالموسيقى في علاج أي حالة، علينا أن نكتشف القصور المراد علاجه، ثم نقوم بعمل استراتيجية علاجية لتحقيق الأهداف المراد الوصول إليها، سواء كان على المدى القريب أو البعيد، فإن كان لدى الفرد عجز في التواصل الاجتماعي مثلاً، فإننا نعمل على استخدام الموسيقى لتمكّنه من التواصل مع المحيطين به بشكل لفظي أو غير لفظي”.
وأضافت: “إن كان يعاني المريض من صعوبات في التعلم، فاستخدام الموسيقى الكلاسيكية في عصور مختلفة كموسيقى العصور الكلاسيكية والرومانتيكية وعصور النهضة، تساعد في تعزيز التركيز لديه والتعلم بشكل أفضل”.
أما عن مساهمة الموسيقى في التخفيف من آلام المريض، فبعد أن يرسل الدماغ إشارات على أنه يتألم بفعل مؤثر داخلي أو خارجي، فللموسيقى دورها في تخفيف الشعور بهذا الألم مهما اختلف نوعه، وكيفية التدخل الموسيقي يختلف من مريض إلى آخر، فتقول د. رحاب: “يختلف التدخل الموسيقي حسب الحالة، فقد يحتاج البعض إلى أنشطة موسيقية حتى تحفزهم على التفاعل مع العالم الخارجي، أما البعض الآخر فيحتاج إلى أنشطة مختلفة تساعد في التعبير عن النفس وعن الآلام والأفكار، فالتعبير جزء مهم من مرحلة علاج أي ألم كان، كما أن الموسيقى تساعد على إفراز هرمونات السعادة كالإندروفين الذي يشجع على الرغبة في التواصل والحياة والتعامل مع من حوله”.
يساعد العلاج بالموسيقى الأشخاص من جميع الأعمار (الأطفال والمراهقين والبالغين) ومن جميع مناحي الحياة. قد يفيد العديد من الجوانب المختلفة لرفاهيتك، بما في ذلك:
- العقل.
- العاطفة.
- البدن.
- العلاقات الاجتماعية.
- الذهن.