” عمر من الشرنقة إلى الطيران ” يقهر التوحد بالرسم

صدر في مستهل هذا العام كتاب ” عمر من الشرنقة إلى الطيران ” للكاتبة المصرية ” فاطمة ناعوت “، والتي تتحدث فيه عن تجربتها مع ابنها ” عمر ” ، وإصابته بالتوحد في الرابعة من عمره، حيث دخل في دائرة الصمت، بعد تميزه في الحديث بالعربية والإنجليزية تفوق أقرانه.

ابني مصاب بالجمال

تقول الكاتبة في كتابها : “حينما اكتشفنا إصابة ابننا الأصغر «عُمر» بالتوحُّد، أصابني الهلعُ، وتمنيتُ مغادرةَ هذا العالم؛ حتى لا أراه يكبُرُ أمامي بذلك المرض الغامض، الذي لم يجد له الأطباءُ علاجًا حتى الآن.. ثم عشتُ عشر سنوات أقرأ عن التوحُّد حتى ملأني اليأسُ من شفائه.. لكنني مع الوقت ومع مراقبة تصرفات «عمر» الراقية، وهوسه الشديد بالنظام والعدل والأناقة والصدق وعذوبة السلوك، بدأتُ في تعديل وضع المنظار فوق عيني، والنظر إلى «عمر» من زاوية أخرى، غير زاوية المرض التي وضعنا الأطباءُ فيها.. فاكتشفتُ، فجأة، أن ابني «مصابٌ بالجمال»، إن كان ثمة مرضٌ اسمه: الجمال! هل هناك أبدعُ وأرقى وأجمل من كائن عادل، صادق، منظَّم، غير أناني، قليل الكلام، غير مجامل، إلى أقصى الحدود؟! واكتشفتُ وجاهةَ وجهة نظر زوجي المثقَّف حين قال: («عمر» مش مريض.. ابننا «مختلف».. وعلينا احترام اختلافه.. هو يرى العالم من منظوره الخاص، وعلينا احترام عالمه الجميل، بدلًا من محاولة سحبه إلى عالمنا).

عمر ومهارات فطرية في التعامل مع الألوان

عمر نبيل شاب يتمتع بمهارات تلقائية فطرية فى استخدام خامات متنوعة من الألوان مثل الزيت والأكواريل والجواش وأقلام الرصاص والباستيل، وهو بارع فى إسقاط الظلال على الكتل، ويجيد ضبط زوايا المنظور ونقاط الهروب، ألوانه مشرقة تبعث على البهجة.

مجموعة من اللوحات أنجزها بروح فنان محترف، وجميعها تعكس رؤيته الخاصة للعالم والأشياء والبشر، فالرسم هو اللغة الوحيدة التى يعبر بها عن نفسه، هكذا «أبناء التوحد» صامتون لا يجيدون الكلام؛ لكنهم يعبرون عن مشاعرهم ويتكلمون لغتهم الخاصة عبر الفرشاة واللون والضوء والظلال.

لمحات إنسانية في لوحات عمر

ثمة لمحات إنسانية تظهر فى لوحة لفتاة تغرق فى النهر، وقدماها مربوطتان إلى أحجار ثقيلة، وتستغيث ولا مجيب، بينما أصدقاؤها يمرحون ويشربون نخب موتها الوشيك وهم يقرعون الكؤوس، وغرفة معتمة ذات حوائط سوداء، وفى زاوية بعيدة ثمة نافذة مشرقة مفتوحة على الحياة، يظهر من ورائها البحر والسماء والطيور والشجر، وداخل الغرفة طفل يجلس أمام سريره فى حالة تشبه العبادة، وعلى الحوائط لوحات معلقة يغمرها الضوء، وهناك لوحة تجسد فكرة آدم وحواء بشكل معاصر.

ويجيد «عمر» رسم البورتريه ولكن على نحو عفوى، إذ قُدر له ذات مرة أن يلتقى بالمهندس صلاح دياب، وبعد حديث معه التقط له صورة بالموبايل ثم ترجمها تشكيليًّا.

تكريم المجلس الأعلي للثقافة

وحين منحه المجلس الأعلى للثقافة درع تكريم وميدالية، خبأها تحت سريره ولم يخبر عنها أحدًا، ورفض كل محاولات الأم فى استمالته للعودة إلى الرسم، واعتزل العالم تمامًا حتى يوليو 2022، ثم حدثت المعجزة وخرج من الشرنقة وعاد إلى الرسم وممارسة هواياته، مثل السباحة وركوب الخيل وارتياد الأوبرا والمسارح.