مبادرة: (مكتبات الأشياء).. إتاحة استعارة الكتب والمعدات وأدوات الطهي وسواها
كلنا نعرف سورة “الماعون” وحفظناها صغارا، لكننا لم نتوقف عند معانيها التي تسرد لنا صفات من “يكذب بالدين” وتختمها بصفة “ويمنعون الماعون”. وربما لم نسأل أنفسنا ولم يقل لنا أحد ما “الماعون”، وربما ورد إلى أذهاننا أطفالا أن الماعون هي مفرد “المواعين” وهي أواني الطهي، ومن ثم ورد في أذهاننا أن ما تصفهم الآية، إنما هم أولئك الذين يمنعون إعارة جيرانهم أواني الطهي، وهو معنى ربما يكون صحيح جزئيا، لكنني قرأت مؤخرا معنى أوسع، عبر ترجمة معناها إلى common good والتي يصح أن تعني بالعربية الأدوات والموارد وأصول النفع العام، وما يدخل في باب الخير العام.
وعلى الرغم من أن الثقافة التي تشيعها المنظومة الرأسمالية السائدة في العالم هي ثقافة “الفردانية”، و”الأنانية”، و”الملكية الخاصة”، للأدوات والأصول، لكن مؤخرا، ومنذ عقد تقريبا أخذت بلدان العالم الرأسمالي تعرف بعض المبادرات والمشاريع التشاركية، التي تسير عكس هذا الاتجاه، ومنها مشروع مكتبات الأشياء.
مكتبات الأشياء أو Libraries of Things أو LoTs هو عنوان الحركة الآخذة في الانتشار عبر العالم انطلاقا من الغرب، دفع الناس إليها هناك مآلات الأزمة المالية العالمية في 2008، وسعي الناس للخروج منها، حيث عانى كثير من الناس من ارتفاع كلفة شراء الأدوات والأصول خاصة تلك التي ربما لا يحتاجون إلى استعمالها إلا مرات قليلة في حياتهم.
فضلا عن ذلك فقد يسر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي انتشار عدوى الفكرة وغيرها من الأفكار النافعة. كما ساهمت التطبيقات applications التكنولوجية (على الإنترنت والأجهزة المحمولة)، في تيسير إدارة عمليات تداول الأصول والأدوات والموارد بشكل منضبط، ومفتوح، ومتاح الوصول إليه على اختلاف الزمان والمكان، الأمر الذي جعل أحد تلك التطبيقات وهو تطبيق “ماي تيرن أو MyTurn”، وهو تطبيق يوفر موقعه منصة لأكثر من 400 مكتبة أشياء حول العالم، تنتشر ما بين الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وألمانيا، وهولندا، وأستراليا، وحتى الصين وغانا وغيرها من بلدان العالم.
مكتبات الأشياء إذن، هي مكتبات للأدوات تشبه مكتبات الكتب العادية، والتي يتاح لك استعارة الكتب منها، يمكنك من خلالها استعارة طيف من الأدوات يشمل أدوات ومعدات الحدائق أو السباكة أو النجارة، أو أدوات المطبخ أو تربية الأطفال أو الأدوات الموسيقية، أو حتى الروبوتات والطائرات المسيرة، وهي كلها أدوات تتاح إما بتكلفة منخفضة أو في بعض الحالات بدون تكلفة على الإطلاق. وتقدم خدمات مكتبات الأشياء ليس فقط للأفراد والمجتمعات، ولكن أيضا للمؤسسات التعليمية والشركات وغيرها من المؤسسات وذلك لزيادة استخدام الأدوات والمعدات بين المؤسسات والجامعات فضلا عن الأفراد.
وكما يحكي جين هوميكي Gene Homicki المؤسس المشارك لمنصة “ماي تيرن”، وأحد الرموز المهمة لحركة مكتبات الأشياء أنهم عندما بدأوا تأسيس مكتبة للأدوات في غرب سياتل أعوام 2009 – 2010 كانت خطتهم الأولية هي المساعدة في جعل العديد من الأشياء التي يعلوها الغبار في مرائب الناس وخزاناتهم وسندراتهم تستخدم بشكل منتج. ولكن مع ذلك، حدث شيئان: أولاً، بدلاً من مجرد مساعدة الناس على إعادة استخدام الموارد، وجدنا أن مكتبات الأدوات ومكتبات الأشياء رائعة أيضًا في بناء (علاقات) المجتمع.
ثانياً، وفي حين أن الكثير من الأشخاص والأسر لديهم الكثير من الأشياء في المخازن، فإن الشركات والجامعات والمدن (أيضا) لديها معدات غير مستغلة بشكل كامل محصورة في المخازن والساحات وحتى المستودعات.” ومن ثم توسعت فكرة استخدام مكتبات الأشياء إلى تلك المساحة الإضافية.
تطبيق MyTurn، ليس هو الممثل الوحيد لمكتبات الأشياء، هناك أيضا “ستريت بنك Streetbank.com“، وهي شبكة مقرها المملكة المتحدة تساعد المستخدمين على تبادل المعدات والمهارات مع جيرانهم.
تم إطلاقه في عام 2010 بواسطة سام ستيفنز وريان ديفيز، لديها الآن أكثر من 20 ألف من “الجيران” مسجلين، وساعدت في تبادل أكثر من 117 ألف من الأشياء منذ إنشائها.
ومنصة ثينجري Thingery التي أطلقها كريس ديبلوك Chris Diplock ، وهي منصة تنسق العمل على مستوى المجتمعات المحلية لتداول الأدوات والمعدات، حيث تقوم بتوفير حاوية شحن فارغة، وتزينها بشكل لطيف، وتضعها في وسط المجتمع، وتملأها بأشياء مفيدة، ويقوم أعضاء المنصة بحجز الأشياء التي يريدونها عبر الإنترنت، ثم الوصول إلى الحاوية بأنفسهم باستخدام رمز كودي، وعندما يدخلون إلى الحاوية، يفحصون ما يحتاجون إليه باستخدام الرمز، ومن ثم فإن فكرة Thingery تقوم على الخدمة الذاتية المستمرة بشكل يومي.
هذه مجرد أمثلة لمنصات مختلفة تقدم خدمة “مكتبات الأشياء”، وهي بالأساس مشروعات للمجتمعات المحلية والجيران، يتم تنظيمها عبر الإنترنت والتطبيقات، فكما قال جين هوميكي في الحوار الذي أجري معه على موقع شيرابل في 17 أبريل 2019: هناك بعض الأسباب الرئيسية وراء عمل مكتبات الأشياء بشكل جيد ومعقول، أولاً أنها توفر مكانًا آمنًا وموثوقًا لتداول الأشياء، ومن ثم ليست هناك حاجة لترتيب التداول مع أشخص ربما لا تعرفهم. ثانياً، أن تلك المكتبات تقبل معظمها تبرعات بالأدوات والأصول والمعدات، مما يزيد من إحساس المشاركين بالملكية ويشجع في الوقت نفسه على العرض والطلب عبر الإنترنت في نفس الوقت، والأهم من ذلك، أنها بتلك الخدمات القائمة على المكان تخلق مجتمعات أكثر حيوية. ولأن معظم الناس على دراية بالمكتبات وأيضًا بمتاجر الإيجار، لذلك تتمتع مكتبات الأشياء Libraries of Things بميزتين تبدوان متناقضتين، وهما الابتكار والألفة في نفس الوقت.
رأس المال الاجتماعي إذن هو عنصر أساسي لجدار الثقة الذي بدونه لا تنجح مثل تلك الأفكار التشاركية، وهو رأس المال الذي يساهم الاستبداد مثلا في تآكله، وتساهم كل أشكال الإحسان في العلاقات الاجتماعية في إعادة بنائها، تماما كما قد تساهم تلك المشروعات التشاركية والتعاونية في إعادة ترميمها إذا أحسن إدارتها. فالثقة تعدي، كما أن تآكلها معد أيضا.
د. مجدي سعيد