إضاءات

مبادرات عالمية لدعم “أرزقية” العالم

تجدهم يجوبون الشوارع في كل دولة في العالم بلا كلل أو ملل، يبحثون عن أرزاقهم وسط زحام المواصلات وتهكم البعض واستياء البعض الآخر من الإلحاح في بيع سلعتهم.. إنهم “الأرزقية”، الذين استطاعوا أن ينقلوا نشاطهم من الأرض إلى الإنترنت ليشكلوا حركة عالمية منظمة تدافع عن حقوقهم الاقتصادية التي ما زال البعض لا يعترف بها.. غير أنه قبل التعرف على أبرز المحاولات لتشكيل هذه الحركة.. فلنحدد أولا من هم الأزرقية؟

سريحة ومتجولون

و”الأرزقية” وصف يطلقه أهل مصر على كل إنسان خرج من بيته من الشرائح الدنيا الحضرية تحديدا يطلب الرزق من العمل الحلال، ولا يعُلم له دخل محدد، ولا تعترف له الدولة بوضع قانوني؛ ومن ثم لا تمنحه أي تأمين اجتماعي أو صحي. ويمكن تصنيف الأرزقية إلى ثلاثة أصناف رئيسية هي:

  • تجار الشوارع: ولهم أصناف فرعية ثلاثة: –

السريحة (وهم من يسرحون في الشوارع والمواصلات العامة يحملون بضائعهم

في أيديهم).

• الباعة الجائلون (وهم الذين يتجولون في الشوارع دافعين أمامهم عربات تحمل

بضائعهم).

• صغار الباعة في الأسواق العشوائية وغير العشوائية.

  • بعمال التراحيل الجدد (الأرزقية القح): وهم العمال غير المهرة, أي الذين لا يحترفون حرفة معينة، وليس لديهم ما يقدمونه إلا قوتهم البدنية، وتجدهم جالسين على الأرصفة في الميادين والشوارع ينتظرون من يطلبهم لعمل يتطلب قوة بدنية كأعمال الهدم، وتنزيل البضائع الثقيلة، ومواد البناء، ورفع مواد البناء للأدوار العليا… وغيره.

ج) الصنايعية: وهم من يحترفون حرفة معينة كالنقاشين والميكانيكيين والكهربائيين والسباكين وغيرهم، وفيهم من يمتلكون الورش أو المحال التي يقدمون من خلالها أعمالهم، ومنهم من لا يمتلك.

وهناك فئات خاصة ضمن “الأرزقية”، مثل:

النساء العاملات في القطاع غير الرسمي (وهن في العادة من النساء اللائي

يعلُن أسرًا أو يساهمن في إعالتها)، وهن: النساء في الصنف الأول (أ) والصنف

الثالث (ج)، ولهن وضع خاص باعتبارهن نساء.

• الأطفال العاملون: وهم الأطفال من الصنف (أ)، (ج)، ولهم وضع

خاص باعتبارهم أطفالا.

• أطفال الشوارع: وهم إما تطور سيئ للأطفال العاملين، أو أنهم أطفال للأسر

التي يعولها صنف من الأصناف الأخرى من (أ) إلى (د).

“سوا”.. طليعة القافلة

جاءت بداية حركة تجمع “الأرزقية” من الهند، وبالتحديد عام 1972 عندما تم تأسيس “سوا” SEWA أو “جمعية النساء الموظفات ذاتيا”  كنقابة عمالية تجمع النساء الفقيرات غير الموظفات لدى أي مؤسسة اللائي يقمن بأعمال فردية صغيرة تجارية أو حرفية لإعالة أنفسهن وأسرهن، ويطلق عليهن أحياناً العاملات في قطاع الاقتصاد غير الرسمي.

وتهدف “سوا” إلى تنظيم النساء العاملات من أجل تحقيق التوظيف الكامل لهن، أي الحصول على المزايا الكاملة التي يتمتع بها العاملون في المؤسسات المختلفة، من تأمين العمل والدخل والغذاء، وتأمين اجتماعي يحقق لهن على الأقل قدرا من التأمين الصحي ورعاية أطفالهن، وإيجاد مأوى لهن، كما تهدف أيضا إلى تمتع النساء بالذاتية والاكتفاء الذاتي فرديا وجماعيا، سواء على المستوى الاقتصادي أو من حيث قدرتهن على اتخاذ القرار.

وتعمل سوا على تحقيق ذلك من خلال آليتين، هما:

  • النضال ضد المعوقات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر سلبا على حياة هذا القطاع من المجتمع.
  • والتنمية التي تمنح النساء قوة تفاوضية وتعطيهن بدائل جديدة. ويتأتى كل

ذلك عمليا من خلال العمل المشترك في النقابة والتعاونيات.

وقد مثل فكر غاندي هاديا ومرشدا للحركة في وضع مبادئها الأربعة: الحقيقة، واللاعنف، وتكامل كل الأديان والشعوب، وتنمية التوظيف والاكتفاء الذاتي.

آفاق سوا محلياً وعالمياً

وقد انطلقت “سوا” لآفاق محلية تدعم نضال النساء الأرزقيات في الهند، وذلك من خلال إنشاء عدد من المؤسسات تساعدها على تحقيق أهدافها ودعم رسالتها، ومن هذه المؤسسات:

بنك سوا: الذي أنشئ كبنك تعاوني عام 1974 ، يقدم خدماته في الإقراض والادخار المتناهي في الصغر للنساء الفقيرات المعيلات لأنفسهن وأسرهن في الريف والحضر، وقد وصل إجمالي المستفيدات من القروض الصغيرة بنهاية عام 2001 إلى 50 ألف حالة، كما بلغ إجمالي النساء المدخرات 170 ألف مدخرة في نفس الفترة.

أكاديمية سوا: وقد تأسست عام 1991 لتكون بمثابة الجامعة لعضوات سوا، تضعهن على أول طريق التعليم الرسمي وتقدم خدماتها لهن في مجال التعليم والتدريب وبناء القدرات والأبحاث. كما تساعد الأكاديمية في خلق فهم مشترك وتوضيح الرؤية الخاصة بالحركة، واكتشاف القيادات وفهم أوضاع النساء الأرزقيات وظروف حياتهن، وتوصيل هذا الفهم لأعضاء الحركة أنفسهن، ولصناع القرار والنشطاء والأكاديميين، وللرأي العام.

مؤسسة فيديو سوا: وهي إحدى إبداعات الحركة، والتي تأسست عام 1984، ثم تحولت عام 2002 إلى شركة تعاونية، والتي جعلت من “الفيديو” أداة في يد النساء الفقيرات المعيلات لأنفسهن وعائلاتهن، واليوم يقمن من خلال الشركة بإنتاج العديد من أفلام البرامج التعليمية والمعلوماتية الموجهة لأعضاء سوا؛ لتوعيتهن في مجال الرعاية الصحية ورعاية أطفالهن، وبناء قدراتهن، وإتاحة المعلومات حول أوضاعهن لصناع القرار، وإنتاج كل ما يساعد في ترقيتهن وتمكينهن من حقوقهن كمواطنات في المجتمع الهندي.

سوا العالمية: وهي مؤسسة خيرية وإغاثية سجلت في المملكة المتحدة عقب زلزال جوجارات في يناير 2001 ، وتضم عددا كبيرا من المتطوعين من كافة التخصصات لتخفيف الفقر والمرض ومساعدة المحتاجين من أعضاء سوا، خاصة في أوقات الكوارث والنكبات، وللمساعدة في تعليم وتدريب الفقراء والمرضى والمعاقين والمحتاجين والضعفاء من أعضاء سوا وأسرهم.

تحالف عالمي لتجار الشوارع

تعتبر “الشبكة الدولية للشوارع” Streetnet International  http://www.streetnet.org.za/ أحد أهم تجليات حركة العولمة البديلة، وهو تحالف لتجار الشوارع تأسس في دربان في نوفمبر عام 2002، ويضم في عضويته اتحادات وتعاونيات وروابط باعة الشوارع والأسواق والسريحة، وذلك بهدف تبادل المعلومات والأفكار حول القضايا الحرجة التي تواجههم، وتنظيم حملات لمناصرة قضاياهم.

ويحقق ذلك التحالف لهم الفهم المشترك للمشاكل المشتركة التي تواجههم، ويساعدهم على تطوير أفكار جديدة لدعم جهودهم في التنظيم والمناصرة، كما أن ذلك التحالف يحفزهم على الانخراط في حملات دولية من أجل تبني سياسات وأفعال تسهم في تحسين نوعيات حياة الملايين من باعة الشوارع والأسواق والسريحة على مستوى العالم.

وقد أنشئ ذلك التحالف تتويجا لجهود ممثلي أربع من المنظمات على مدى عدة سنوات، وهي: جمعية النساء الموظفات ذاتيا SEWA (الهند)، اتحاد النساء الموظفات ذاتيا SEWU (جنوب أفريقيا)، العمل البنكي للنساء (نيويورك)، التحالف العالمي للنساء والائتمان (نيويورك). وذلك بدعم من برنامج السياسات الحضرية في مؤسسة “عولمة وتنظيم النساء في القطاع غير الرسمي” WEIGO.

وأهم ما أثمرت عنه تلك الجهود “إعلان بيلاجيو العالمي لباعة الشوارع” الذي وضعت تلك المنظمات مسودته عام 1995، ويؤسس الإعلان للتخطيط من أجل وضع سياسات على المستوى القومي لحماية حقوق باعة الشوارع، كما يدعو للعمل على أربعة مستويات؛ وهي: التجار (كأفراد وروابط التجار)، وحكومات المدن، والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية والبنك الدولي.

ويهدف التحالف إلى العمل على مراجعة وتطوير الإعلان كي يكون صالحا لاستخدام البلديات من أجل سن تشريعات جديدة تراعي حقوق باعة الشوارع والأسواق والسريحة. وقد تم تأسيس مقر التحالف في دوربان بجنوب أفريقيا في أوائل عام 2000 .

وقد استغرق العمل مدة 3 سنوات للإعداد لتأسيس الشبكة العالمية للشوارع في نوفمبر عام 2002، وقد شمل الإعداد عقد عدد من ورش العمل الإقليمية والزيارات الميدانية لاستطلاع أحوال ولقاء منظمات باعة الشوارع والأسواق والسريحة في عدد من بلدان قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

الشبكة العالمية لعمال البيوت

هناك الملايين من العمال في العالم، أكثرهم من النساء، يقومون بالعديد من الأعمال مدفوعة الأجر في منازلهم، ل كن لأنهم يعملون خلف الأبواب المغلقة، فإن أعمالهم تبقى غير منظورة، وليست محل اعتراف أو تقدير. وإذا كانت سوا هي أول منظمة شقت جدار الصمت على مستوى العالم، فإن “الشبكة العالمية لعمال البيوت” أو HomeNet هي أول شبكة تضم هؤلاء العمال على مستوى العالم، وقد تأسست في بريطانيا عام 1994، وقد شاركت في تأسيسها حركة سوا وغيرها من المنظمات الممثلة للذين ينطلقون في أعمالهم من البيوت.

وقد استهدف تأسيس الشبكة تحقيق مجموعة من الأهداف، هي:

  • بناء شبكة عالمية للعمال الذين يعملون في المنازل ومنظماتهم، وتعاونياتهم، ونقاباتهم، والباحثين في قضاياهم، والمجموعات النسائية تشمل كل من له صلة مباشرة أو غير مباشرة بالأعمال في ذلك المجال.
  • تنسيق حملة عالمية لتحسين أحوال العمل لعمال البيوت على المستوى المحلي والقومي والإقليمي والدولي.
  • جمع وبث المعلومات المتعلقة بالعمل في البيوت لأعضاء الشبكة والمنظمات الأخرى المهتمة.
  • للمساعدة في الحصول على الدعم الفني، والعمل كقناة لعمال البيوت.

وفي الوقت الذي تنشط حركة “الأرزقية” في العالم للدفاع عن حقوقها، فثمة غياب عربي ملحوظ عن هذه المنظمات؛ وذلك لأسباب عديدة، منها: ضعف حركة المجتمع المدني وطغيان الدولة وعرقلتها أحيانا لهذه الحركة، علاوة على تدني الثقافة لدى شريحة الأرزقية ذاتها وانغلاقها على همومها المحلية دون الانفتاح على الحركات العالمية.. فيا “أرزقية” العالم.. اتحدوا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى