يُلقّب بـ “زميل آينشتاين”.. فيزيائي إماراتي يقدم دراسة مبتكرة لعلاج الاختراق العلمي
أحمد المهيري فيزيائي إماراتي، حاصل على جائزة “أفق جديد” NewHorizon المرموقة، في مجال الفيزياء، عن تقدمه في اكتشاف المادة المظلمة Sub-GeV، فيما يتعلق بتجربة SENSEI.
وحصل المهيري، الذي يعمل بمعهد الدراسات المتقدمة التابع لجامعة برينستون في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو معهد مستقل لأبحاث ما بعد الدكتوراه، على الجائزة وقيمتها 100 ألف دولار أمريكي، إلى جانب زملائه، نيتا إنغلهاردت، من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا، وهنري ماكسفيلد، من جامعة كاليفورنيا-سانتا باربارا، وجيوف بينينغتون، من جامعة كاليفورنيا-بيركلي، والذين عملوا على أبحاثهم في اكتشاف المادة المظلمة.
وتقدم جائزة “الاختراق العلمي” Breakthrough Prize، المعروفة باسم “جوائز الأوسكار في العلوم”، تكريما لأفضل العلماء في العالم، حيث تبلغ قيمة كل جائزة 3 ملايين دولار، وتقدم في مجالات علوم الحياة (حتى 4 جوائز سنويا)، والفيزياء الأساسية (جائزة واحدة سنويا)، والرياضيات (جائزة واحدة سنويا). بالإضافة إلى 3 جوائز في مجال الرياضيات “آفاق جديدة في الرياضيات”، وما يصل إلى 3 جوائز للباحثين في بداية مشوارهم المهني.
ولد المهيري في عام 1986 بأبوظبي، حيث تدرج في المراحل الدراسية المختلفة، والتي كان خلالها شغوفاً بالعلوم والمعرفة والاكتشافات، وصولاً إلى تخرجه عام 2004 من مدرسة الشويفات، حيث تم ابتعاثه من قبل جهاز أبوظبي للاستثمار لدراسة البكالوريوس في جامعة تورونتو ليتخرج منها بعد 4 أعوام في تخصص برنامج «هندسة الفيزياء»، وواصل بعدها تحصيله العلمي، من خلال مكتب البعثات الدراسية التابع لوزارة شؤون الرئاسة لدراسة الماجستير والدكتوراه بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا، حيث حصل على جائزة أفضل رسالة دكتوراه على مستوى جامعته في مجال الرياضيات والعلوم الطبيعية والهندسة.
المهيري، أول إماراتي يحصل على القبول في دراسات ما بعد الدكتوراه في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون بالولايات المتحدة، وهو يعتبر أبرز معهد لبحوث الفيزياء النظرية في العالم، والذي عمل فيه آينشتاين في آخر عشرين سنة من حياته، حيث يلقّب بـ «زميل آينشتاين»، نظراً لإسهاماته العلمية وحرصه على التعمق في النظريات الفيزيائية والعلمية التي طرحها العالم الشهير آينشتاين.
تم تكريم المهيري بميدالية فخر الإمارات، خلال حفل الدورة الـ5 لجائزة محمد بن راشد للأداء الحكومي المتميز، لدوره العلمي العالمي، حيث يمتلك المهيري بحوثاً في الفيزياء النظرية، تم الاقتباس منها أكثر من 1500 مرة من قبل باحثين آخرين في مختلف مناطق العالم.
الثقوب السوداء
يُعد “المهيري”، من أبرز العلماء العالميين في مجال أبحاث الفيزياء النظرية، نظراً لإسهاماته العلمية المتعددة وأبحاثه المتنوعة، والتي تناولت مجموعة من الظواهر، من أهمها “الثقوب السوداء” في الفضاء، حيث حاز إعجاب أبرز الخبراء الدوليين في قطاعات العلوم والهندسة والفضاء، لرغبته المتواصلة في البذل والإنجاز ورفد الميدان المعرفي بالنظريات والاكتشافات المتنوعة.
تصحيح الشيفرة الكمومية
كيف يمكن “للزمكان” تصحيح الشيفرة الكمومية؟ سؤال انطلقت منه دراسة مبتكرة أعدها عالِم الفيزياء الإماراتي أحمد عيد المهيري وفريقه البحثي بهدف معالجة مشكلات مفصلية في الحواسيب الكمومية.
ولاحظ المهيري وفريقه المكون من العلماء؛ وشي دونغ، ودانييل هارلو، من معهد الدراسات المتقدمة في برينستون في نيو جيرسي، أن الشيفرة ذاتها اللازمة لإيقاف الأخطاء في الحواسيب الكمومية قد تمنح نسيج الزمكان المتانة الذاتية أيضًا.
واكتشف الفريق خضوع نسيج الزمكان لمبدأ يسمى تصحيح الخطأ الكمي، في الأكوان الهولوجرافية المصطنعة -إن لم يكن الكون الحقيقي- ويجعل هذا المبدأ نسيج المكان والزمان يظهر كشبكة من الجسيمات الكمومية.
وفي العام 1994، اشتُهِرت الحواسيب الكمومية بفضل عالم الرياضيات، بيتر شور، من شركة إيه تي آند تي العالمية لأبحاث الحواسيب الكمومية، الذي وجد أن هذه الأجهزة قادرة على معالجة كميات ضخمة من الأعداد بسرعة فائقة، ما يمكنها من اختراق الشيفرات الأمنية الحديثة. لكن المشكلة الأساسية التي تعوق بناء أجهزة الحاسوب الكمومية هي هشاشة مكوناته المادية الأساسية.
وفي حين يعمل الحاسوب العادي بالاعتماد على النظام الثنائي بخانة ليس لها إلا احتمالين فقط هما الصفر أو الواحد، أو ما يعرف بالبت، يعتمد الحاسوب الكمومي على الكيوبت وهي اختصار لـكوانتوم بت، أي البت الكمي. وكل زيادة في البت الكمومي تؤدي لزيادة قدرة الآلة على إجراء الحسابات في الوقت عينه. وعندما تتفاعل البتات الكمومية، تصبح حالاتها المحتملة مترابطة، فترتبط احتمالات كل منها على صفر وواحد الأطراف الأخرى، وتتكاثف احتمالات الوحدات مع تزايد التشابك مع كل عملية. وتمنح استدامة هذا العدد المتزايد من الاحتمالات المتزامنة مع القدرة على التلاعب بها، الحواسيب الكمومية القوة من الناحية النظرية.
إلا أن البتات الكمومية معرضة للأخطاء؛ فالمجال المغناطيسي الأكثر ضجيجًا أو نبض الموجات الميكروية الضالة، يسبب للبتات الكمومية الخضوع لتقلبات البتات، التي تغير احتمالاتها في أن تكون صفر واحد بالنسبة إلى البتات الكمومية الأخرى، إذ أن تقلب الطور يعكس العلاقة الرياضية بين الاثنين.
ولتعمل الحواسيب الكمومية، على العلماء إيجاد مخططات لحماية المعلومات حتى في حال تلف الكمات الفردية. والأكثر من ذلك، يجب أن تكشف هذه الأنظمة وتصحح الأخطاء دون قياس البتات الكمومية مباشرة، لأن قياسات الوجود المساعد للبتات الكمومية تنهار أمام الواقع القديم البسيط، القائم على نظام صفر وواحد، الذي لا يمكنه الحفاظ على الحسابات الكمومية.
وفي العام 1995، اتبع شور خوارزمية لابتكار حل جديد؛ وهو إثبات أن شيفرات تصحيح الأخطاء الكمومية موجودة. وأثبت عالما الحواسيب، دوريت أهارونوف، ومايكل بنؤور، وغيرهم من الباحثين المستقلين -بعد مرور عام واحد- أن هذه الشيفرات يمكنها نظريًا خفض معدلات الخطأ لتصبح أقرب إلى الصفر.
وقال عالم الحاسوب الكمومي الرائد في جامعة تكساس الأمريكية، سكوت أرنسون «كان هذا هو الاكتشاف الأساسي في تسعينيات القرن الماضي، وأقنع الجمهور بأن الحوسبة الكمومية القابلة للتطوير، ممكنة؛ وأنها مجرد مشكلة هندسية مذهلة.» وفقًا لما نقلته المجلة الكمومية.
وعلى الرغم من استخدام حواسيب كمومية صغيرة في المختبرات حول العالم، فإنها تبقى أكثر فائدة ومتفوقة على الحواسيب العادية بأعوام أو حتى عقود، ومن هنا نبعت الحاجة إلى شيفرات تصحيح الأخطاء الكمومية الأكثر كفاءة، للتعامل مع معدلات الخطأ المُرهِقة للبتات الكمومية الحقيقية.
وقال أرونسون إن “الجهد المبذول لتصميم شيفرات أفضل، هو أحد التوجهات الأساسية في هذا المجال، إلى جانب تحسين الأجهزة”.
وتوصل المهيري وفريقه البحثي، إلى نتيجة مذهلة، إذ كانوا يعملون في الملعب النظري المفضل لدى الفيزيائيين؛ فضاءٌ مصطنعٌ يدعى «أنتي دي سيتر سبيس»، أو (الكون المضاد دي سيتر) الذي يظهر بصورة ثلاثية الأبعاد. فالنسيج البسيط للزمكان في باطن الكون هو إسقاط ينبثق من جسيمات كمية متشابكة تعيش على حدوده الخارجية.
وأجرى الفريق عمليات حسابية تشير إلى أن هذا الظهور الواضح للزمكان، يعمل مثل شيفرة تصحيح الخطأ الكمومي تمامًا؛ ونشروا بحثًا في مجلة فيزياء الطاقة العالية خمنوا فيه أن الزمكان في حد ذاته هو رمز في الأكوان المضادة دي سيتر، وأثارت هذه الورقة البحثية موجة من النشاط في مجتمع الجاذبية الكمومي، واكتُشِفت شيفرات جديدة لتصحيح الأخطاء الكمومية تستقطب مزيدًا من خصائص الزمكان.
وبدأت لغة تصحيح الأخطاء الكمومية في تمكين الباحثين من استقصاء أسرار الثقوب السوداء؛ وهي المناطق الكروية التي تنحني فيها منحنيات الزمكان بصورة شديدة نحو المركز حتى لا يستطيع الضوء الهروب منها؛ وقال العالم الإماراتي أحمد المهيري، إن “كل شيء يعود إلى الثقوب السوداء؛ هذه الأماكن المليئة بالمفارقات حيث تصل الجاذبية إلى ذروتها وتفشل نظرية النسبية العامة لآينشتاين فيها. هناك بعض مؤشرات تدل على أنك إذا فهمت تطبيقات الزمكان، فقد تساعد في فهم الجزء الداخلي من الثقوب السوداء”.
ويأمل الباحثون علاوة على ذلك، أن يفسر الزمكان الهولوجرافي الطريق إلى الحوسبة الكمومية القابلة للتطوير، ما يحقق رؤية شور وغيره من العلماء؛ وقال المهيري إن «الزمكان أكثر ذكاء منا بكثير. إن نوع شيفرة تصحيح الأخطاء الكمومية المُطبَّقة في هذه البُنى هي شيفرة فعالة جدًا”.