وهم المعرفة.. لماذا لا يمكننا أن نفكِّر وحدنا؟
يطرح “ستيفان سلومان” Steven Sloman و”فيليب فرنباخ” Philip Fernbach فى كتابهما الماتع: “وهم المعرفة.. لماذا لا يمكننا أن نفكِّر وحدنا؟” The Knowledge Illusion Why We Never Think Alone أسئلةً محوريةً كانت، وما زالت، تحتاج إلى إجابات واعية منها: هل اعتاد بنو البشر والعلماء المغالاة في تقدير فهمهم للكيفيَّة التي تعمل بها الأشياء؟ وهل نعرف أقل ممّا نظن؟
هل تعرف كيف يعمل صنبور المياه؟ (الحنفية) أو هل تعلم كيفية عمل سحّاب السروال ( السوستة)؟ تقول الأبحاث أن أغلب الناس تجيب بنعم, وحين تسألهم عن درجة معرفتهم بطريقة عمل مثل هذه الأشياء البسيطة والموجودة في حياتنا اليومية, سيقولون بثقة انهم يعرفون بدرجة عالية جداً (70% مثلاً ).. فهم يتعاملون مع هذه الأشياء يوميا !
لكن في نفس البحث حين يتم طلب شرح تفاصيل طريقة عمل الصنبور أو السحّاب يكتشف هؤلاء الناس أنهم يعرفون جزء بسيط جداً, وانهم كانوا يتخيلون انهم يعرفون أكثر من الواقع !
وهذا هو ما يسمى في العلم : ( وهم المعرفة).. وهم انك تعتقد انك تعرف بينما في الواقع انك لا تعرف بالقدر التي تتخيله
وهذا الكتاب يفسر لنا أن الناس يتكلمون بحماس ويقدمون اقتراحات مثلاً عن السياسة أو الأزمة الاقتصادية أو كرة القدم, أو حتى الاحتباس الحراري أو التاريخ أو أي شيء, بينما لو سألتهم عن تفاصيل تتعلق بالموضوع الذي يفتون فيه تجد معلوماتهم أقل بكثير مما يتخيلون هم أنفسهم!
ويفسر الكتاب هذه الظاهرة بأن البشر يعتمدون على بعضهم البعض في المعرفة .. وبالتالي فأنت لا ترهق عقلك بتحميل معلومات عن طريقة عمل الصنبور.. لأنك تعرف أنه وقت المشكلة سوف تستدعي السباأاو تبحث على الانترنت أو في كتب السباكة !..
وبالتالي فعقلك يعتبر المعارف الموجودة في عقل السباك والانترنت والكتب متوفرة لديك في عقلك ! ويكتفي بالقشور البسيطة الموجودة لديك بدون تعمق في علم السباكة وتفاصيلها. ولا ينكشف هذا الوهم إلا حين تضطر انت بنفسك الى إصلاح الصنبور ! دون تعاون أو مساعدة السباك أو الانترنت !
المشكلة تظهر بوضوح حين تعتقد أن هذا السباك موثوق فيه, بينما هو غير ذلك أو أن تعتقد الأمانة والثقة والخبرة في مذيع أو خبير ما يتكلم في التاريخ أو الاقتصاد, بينما هو غير ذلك!!
نتعلم من ذلك أن نتذكر دائماً أننا نعرف أقل بكثير مما نتخيل, وأن تعاون البشر مع بعضهم في العقل الجمعي الكبير هو ما يبني الحضارة عن طريق توزيع الأدوار.. كل شخص يتخصص في جزء ويتقنه .. ثم نكمل بعضنا البعض. وان هذا طبيعي.. فلا نتسرع بالحكم على الأمور أو الإفتاء فيما لا نعرف.. إلا بعد الرجوع الى متخصص أمين … قوي أمين في تخصصه .
يذكرنا الكاتبان أن الجهل هو حالتنا الطبيعية، ولا شيء في هذا يستحق الخجل، ما دمنا نمزجه بالتواضع. أما في خلاف ذلك، فقد نسقط فريسة لتأثير دانينغ-كروغر، حيث تجد الذين يبلون أسوأ بلاء في مهمة ما، يبالغون في تقدير مهاراتهم إلى أقصى درجة. ومثلما أظهرت الدراسات التي أجريت على الأطباء، والعمال، والطلاب، والسائقين، ولعل الأخيرة أبرزها، فإن الأكثر مهارة يميلون إلى التقليل من شأن قدراتهم، فهم يدركون مقدار ما يجهلونه، وإلى أي درجة يمكنهم تحسين أدائهم. في حين يميل أصحاب الأداء الأسوأ، إلى افتقاد الإحساس بالمهارات التي تنقصهم، فيبقون غافلين عمدا، عن قدراتهم الكامنة. “عندما تكون معرفتك هي الأداة الوحيدة لتقييم ما تعرفه، فلن تحصل أبدا على تقييم صادق”.
يعتبر تأثير دانينغ-كروغر خطرا أشد ارتباطا بالساحة السياسية. حيث تقع على كاهل الزعماء “مسؤولية التعرف على جهلهم، واستغلال معرفة الآخرين ومهاراتهم على نحو فعال”، كما يقول المؤلفان، وكذلك هناك واجب على المصوتين: “فالناخب الناضج، هو من يبذل الجهد، لدعم الزعيم الذي يدرك الطبيعة المعقدة للعالم وصعوبة فهمه”.
وفى الاخير: هذا الكتاب لا يُركِّز على المعرفة وطرق الحصول عليها، بل على عمق تصوُّر مجتمع المعرفة للعالم، بهدف التخلُّص من الجهل، ومن وهم عدم الفهم، وحتى ندرك أنَّ الذكاء يكمن في العمل مع الآخرين والاستفادة من خبراتهم.