شيفرة الإبداع: الفن والابتكار في عصر الذكاء الاصطناعي
في كتابه البديع “شيفرة الإبداع: الفن والابتكار في عصر الذكاء الاصطناعي” The Creativity Code: Art and Innovation in the Age of AI يستكشف عالم الرياضيات في أكسفورد، “ماركوس دو سوتوي”، عن ثلاثة أنواع من الإبداع. وكيف سيعطل التعلم الآلي فهمنا لما يعنيه أن تكون إنسانًا ويثريه ويغيره.
يقول ماركوس: “يعتقد الكثير من الناس أن الإبداع الفني يدور حول التعبير عن معنى الإنسان، وبالتالي كيف يمكن أن يقترب الذكاء الاصطناعي من الحدود الإنسانية؟. إنني أنظر إلى الكثير من الفنانين، وأرى أن للكثير من الأعمال الفنية نمطًا وهيكلًا مميزين، وهذا أمر حسابي في حد ذاته. لهذا السبب، أعتقد أن الإبداع الفني ربما يمت أكثر إلى النمط والخوارزمية، وغالبًا ما تكون الأنماط مخفية، وربما هذا شيء يمكن الذكاء الاصطناعي اكتشافه، لأنه ماهر في اكتشاف الأنماط المخفية”.
بحسب سوتوي، هناك إبداع استكشافي يأخذ قواعد اللعبة، ويدفعها إلى أقصى الحدود؛ وهناك إبداع اندماجي، حيث يأخذ المبدع فكرتين، لا علاقة للواحدة بالأخرى لمعرفة كيف يمكن إحداها تحفيز الأفكار الجديدة في الأخرى؛ وهناك الإبداع الأكثر غموضًا، يشرحه بالعبارة الآتية: “هو تلك اللحظات التي يبدو أنها خرجت من العدم، تتغير هذه المرحلة عندما تصل المياه إلى مرحلة الغليان، فتتحوّل إلى بخار، ويتغيّر الوضع بكامله”.
بحسب المؤلف، يمثل كل من هذه الإبداعات تحديًا مختلفًا للذكاء الإصطناعي، فيبدو أن الإبداع الاستكشافي مثالي للحاسوب لأن هذا ما يمكن أن تفعله الآلة، فهناك حسابات أكثر مما يستطيع الدماغ البشري القيام به. الإبداع التوافقي مثير للاهتمام، الذكاء الإصطناعي يمكن أن يتعلم الأنماط وتطبيقها على مجالات جديدة، لكن الأكثر تحديًا هو فكرة الحصول على شيء جديد وكسر النظام الرتيب.
يقول سوتوي في مقابلة مع موقع “ذا فيرج”: “تقليديًا كان السؤال: كيف يمكن الذكاء الإصطناعي كسر القواعد، من مطلق أنه عالق داخل نظام لأنه مبرمج للعمل بطريقة معيّنة؟، وكيف يمكن أن يقفز خارج النظام؟. لكن، إذا قيل للذكاء الإصطناعي: إكسر القواعد، فهذا أمر وقاعدة في حد ذاتها. ولديك شيفرة التعريف التي تخبر البرنامج بكسر الرمز الذي يقوم عليه.
في كثير من الأحيان، يبدأ البشر في تكرار أنماط السلوك، وبشكل ممتع، صاروا أكثر شبهًا بالآلات لأنهم يكررون الأشياء نفسها، ولذا يعتقد سوتوي أن الأمر المثير هو أن البرنامج الموسيقي “مكمل الجاز” أعطى العازف محفزًا ما، وأوقفه عن التصرف كآلة. ساعد ذلك على إيقاظ إبداعه، لأنه أظهر أن هناك أشياء يمكنه فعلها بالمكونات التي يمتلكها بالفعل، والتي لم يدرك أنها ممكنة.
يقول سوتوي: “أردت أن أوضح أن الدور الذي يمكن الذكاء الإصطناعي أن يلعبه في مجال الإبداع هو تعزيز الإبداع الإنساني”.
أحد التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعى هو أن العديد من برامج التعلم الآلي تنتج شيفرة، لكن الإنسان لا يفهم تمامًا كيف تعمل هذه الشيفرة.
مشروع DeepDream من غوغل، على سبيل المثال، يساعد على إيجاد طريقة لفهم كيفية حدوث ذلك. لذا، نظرًا إلى أن الفن بالنسبة إلى البشر هو وسيلة لمساعدتهم على الوصول إلى ذهن شخص آخر، “فربما يساعدنا الفن الذي أنتجه الذكاء الإصطناعي على الدخول في أعماق هذه الشيفرة الغامضة”.
لكن، هل يقتصر هذا النوع من اكتشاف الأنماط على الفنون البصرية؟، بحسب سوتوي، في نتفليكس مثلًا، يقدم الذكاء الإصطناعي مجموعات من الأفلام استنادًا إلى تعبيرات البشر عن أعجابهم وكراهيتهم، “حيث لم نتمكن من فهم الموضوع المشترك. كأن الذكاء الإصطناعي حدد نوعًا جديدًا من الأفلام لم يكن لدينا تعريف عنها”.
يقول سوتوي: “الذكاء الإصطناعي يمكن أن يأخذ إنتاجنا الإبداعي، ويرى أشياء نعبّر عنها لا شعوريًا، لكننا لم نتعرف إليها بعد، وبالتالي يمكنه أن يساعدنا على إيضاح ما قد يكون عميقًا داخل منتوجنا الفني”.
لكن، الكلمة المكتوبة استثناء نوعًا ما. فهناك الكثير من الكلمات المكتوبة المتاحة للذكاء الإصطناعي ليتعلمها.
يقول سوتوي: “فوجئت تمامًا أنه على الرغم من أن الذكاء الاصطناعى الآن متمكن من كتابة النصوص الأدبية القصيرة، فإنه لا يزال عاجزًا عن تحمل الكلمة المكتوبة على المدى الطويل. ليس لديه شعور جيد بقوس السرد، على سبيل المثال. لم أر ذكاءً اصطناعًا يحافظ على قصة متماسكة تتجاوز ثلاث صفحات. إنني أتطلع حقًا إلى معرفة ما إذا كان ذلك ممكنًا، ولا أرى سببًا يمنع ذلك. لكن قد يكون من الصعب للغاية على الذكاء الاصطناعي أن يكون قادرًا على التعبير عن لغة معقدة مثلنا.
عنوان الكتاب شيفرة الإبداع: الفن والابتكار في عصر الذكاء الاصطناعي
المؤلف: ماركوس دو سوتوي
الناشر: منشورات جامعة هارفرد
البلد: أمريكا
تاريخ النشر: 2019
عدد الصفحات: 320