العالم يقرأ

شرور شركات الأدوية: فساد صناعة الدواء والسبيل إلى إصلاحه

صارت صناعةُ الأدوية العالمية، التي وصلَتِ استثماراتها إلى نحو ٦٠٠ مليار دولار، تعجُّ بالفساد والجشع، في الوقت الذي يَثِق فيه المرضى في أن العقاقيرَ التي يتناولونها آمِنةٌ وخاضعةٌ للرقابة، وأن الأطباءَ يصِفون لهم أكثر العلاجات فَعاليةً.

يرى مؤلِّف هذا الكتاب أن شركات الأدوية تُجرِي تجاربَ متحيِّزةً على عقاقيرها، وتُشوِّه النتائجَ وتُضخِّمها، وتُخفِي البياناتِ السلبيةَ بكلِّ بساطة، كما يتكتَّم مراقِبو الأدوية الحكوميون على معلوماتٍ بالغةِ الأهمية؛ وكلُّ هذا يلحق الضرر بأعدادٍ هائلةٍ من المرضى.

يؤكِّد المؤلِّف على أن مِن حق المرضى وعامَّة الناس معرفة خبايا هذا الجانب الحيوي من حياتهم؛ الصحة، ويرى أن هذه المشكلات حُجِبت عن أنظارهم لشدة تعقيدها؛ ولهذا مرَّتْ دونَ أن يعالجها السَّاسة.

وبما أن مَنْ نَثِق في قدرتهم على حلِّ هذه المشكلات قد خَذَلونا، وبما أنه يتعيَّن علينا فَهْم المشكلة جيدًا لكي نتمكَّن من حلها، فإن هذا الكتاب يَحْوِي بين دفتَيْه كلَّ ما نحتاج إلى معرفته من أجل الوصول لهذا الحل.

مقدمة المؤلف:

استشرى الفساد في صناعة الأدوية؛ فكثيرًا ما يُطرَح الدواء في الأسواق ثم سرعان ما تَظهر آثارُه الجانبية الوخيمة ويَثبت فشله.

أعتقدُ بحقٍّ أن المرضى وعامة الناس لو أدركوا تمامًا ما يُفعل بهم في هذا المجال؛ أي ما يُقدِم الأطباء والأكاديميون ومراقبو الأدوية الحكوميون على تمريره والسماح به، لَتمَلَّكَهم الغضب. وهذا أمرٌ يمكنك وحدك الحُكم عليه.

نتصوَّر أن إنتاج الدواء مبنيٌّ على الأدلة وعلى نتائج اختباراتٍ سليمة، لكن، في واقع الأمر، هذه الاختبارات غالبًا ما تكون مَعيبةً لدرجةٍ كبيرة. ونتصوَّر أن الأطباء على علمٍ بتفاصيل هذه الاختبارات، ولكن الحقيقة أن الكثير منها تُخفيه عنهم شركات الأدوية.

ونتصوَّر أن الأطباء قد حصلوا على مستوًى جيدٍ من التعليم، ولكن الحقيقة أن جانبًا كبيرًا من هذا التعليم تُموِّله شركات الأدوية.

ونتصوَّر أن مراقبي الأدوية الحكوميين لا يُمرِّرون إلى سوق الدواء إلا الأدوية الفعَّالة، ولكن الحقيقة أنهم يُعطُون موافقاتٍ رسميةً على عقاقيرَ لا فائدة منها، بينما تُحجَب البيانات المتعلقة بالآثار الجانبية لتلك العقاقير على نحوٍ غير رسمي عن الأطباء والمرضى.

سوف أعرض لك قصة الدواء في عُجالة، بعد قليلٍ في هذه المقدمة وفي فقرةٍ واحدة فقط، بحيث قد يبدو الكلام فيها سخيفًا أو مرعبًا لدرجةٍ قد تجعلك تظن وأنت تقرؤها أنني ربما أبالغ. وسنلاحظ أن صَرْح صناعة الأدوية برُمَّته قد اختُرق؛ لأن الأدلة التي نستعين بها في اتخاذ القرارات قد تَشوَّهت على نحوٍ مُمنهَج يتعذَّر إصلاحه.

وهذا ليس بالأمر الهين؛ ففي عالم الطب والدواء يَستخدم الأطباء والمرضى بياناتٍ مجرَّدةً لاتخاذ القرارات في العالم الواقعي، وإذا اتُّخِذَت هذه القرارات على أساسٍ مُضلِّل، فقد تُفضي إلى المعاناة والألم، والموت.

هذه ليست إحدى قصص الشر البسيطة التي نشاهدها في أفلام الرسوم المتحركة، ولن أطرح نظريات مؤامرة؛ فلا أقول إن شركات الأدوية تحجب عنا سرَّ الشفاء من السرطان، أو إنها تقتلنا جميعًا باللَّقاحات؛ فمثل هذا النوع من القصص في أفضل الأحوال به جانب من الحقيقة؛ فكلنا يعرف بداهةً من تلك القصص أن ثَمَّةَ مشكلة ما في مجال الدواء، لكن معظمنا — بمَنْ فينا الأطباء — لا يعرفون ماهية هذه المشكلة على وجه التحديد.

لقد حُجِبَت هذه المشكلات عن أنظار الناس لأنها شديدة التعقيد لدرجةٍ تجعل من الصعب توضيحها في مقطع فيديو أو حتى في مقالٍ صحفيٍّ طويل؛ ولهذا السبب مرَّت دون أن يعالجها السياسيون، ولو بقدرٍ ضئيل على الأقل. وهذا هو السبب الذي جعلني أُؤلِّف هذا الكتاب الطويل الذي بين يديك.

وبما أن الأشخاص الذين تثق في قدرتهم على حل هذه المشكلات قد خذلوك، وبما أنه يتعيَّن عليك فهم المشكلة جيدًا لكي تتمكَّن من إصلاحها بنفسك، فقد أوردتُ في هذا الكتاب كلَّ ما تحتاج إلى معرفته في هذا الشأن.

ومن ثَمَّ، ولكي أكون واضحًا، فإن هذا الكتاب بكامله يُدافع — على نحوٍ بالغ الدقة — عن كل ادِّعاءٍ سأطرحه في الفقرة التالية.

يُجرى اختبار الأدوية من قِبل الأشخاص الذين يصنعونها، وذلك في تجارِبَ رديئةِ التصميم، وذلك للأسف على عيِّناتٍ قليلة غريبة وغير مُمَثِّلة من المرضى، كما يَجري تحليلها باستخدام تقنياتٍ مَعيبة التصميم بطريقةٍ تُبرِز فوائدها على نحوٍ مبالَغ فيه.

ولا غَرْوَ أن هذه التجارِب تميل إلى إصدار نتائج تصبُّ في مصلحة منتجي الأدوية. وعندما تكشف هذه التجارِب نتائج لا تروق لتلك الشركات، فإنها تَعْمد إلى إخفائها عن الأطباء والمرضى؛ فلا نرى سوى صورةٍ مشوَّهةٍ للآثار الحقيقية لأي دواء.

وصحيحٌ أن مراقبي الأدوية الحكوميين يطَّلِعون على أغلب بيانات تلك التجارِب، بَيْدَ أن هذا لا يحدث إلا في مرحلةٍ مبكرةٍ من عُمر الدواء، وحتى في هذه الحالة لا يعرضون هذه البيانات على الأطباء أو المرضى، أو حتى على القطاعات الحكومية الأخرى.

وتُبلَّغ بعد ذلك هذه الأدلة المشوَّهة وتُطبَّق على نحوٍ مشوَّه. وعلى مدى الفترة الطويلة التي تبلغ الأربعين عامًا التي يمارس فيها الأطباءُ الطبَّ بعد تخرُّجهم في كُلِّياتهم، يسمعون عن الأدوية الفعَّالة من خلال أقاويلَ مرتجلةٍ من قِبل مندوبي المبيعات أو الزملاء أو الدوريات الطبية. لكن أولئك الزملاء ربما يعملون لصالح شركات الأدوية — وغالبًا ما يكون هذا في الخفاء — وهكذا تفعل أيضًا الدوريات الطبية، وهكذا تفعل أيضًا مجموعات دعم المرضى.

وأخيرًا، فإن الأبحاث الأكاديمية، التي يظنُّ الجميع أنها موضوعية، كثيرًا ما يُخطِّط لها ويكتبها أناسٌ يعملون مباشرةً لصالح شركات الأدوية ولكن في الخفاء، بل أحيانًا ما توجد دوريات أكاديمية مملوكة برُمَّتها لصالح شركة أدوية واحدة.

وفضلًا عن ذلك، وبالنسبة إلى العديد من المشكلات المزمنة والشديدة الخطورة في مجال الدواء، ليست لدينا فكرة عن أفضل الحلول لها؛ إذ ليس من مصلحة أي شخصٍ من الناحية المالية إجراء تجارِب على الإطلاق. وهذه المشكلات مشكلات مستمرة، ورغم أن ثَمَّةَ من يدَّعي إصلاح الكثير منها، فإنهم في الغالب قد أخفقوا في ذلك؛ لذا، استمرت هذه المشكلات، بل وعلى نحوٍ أسوأ مما كانت عليه؛ لأن الناس في مقدورهم الآن أن يتظاهروا بأن كل شيءٍ على ما يرام رغم كل ذلك.

ثَمَّةَ الكثير مما يمكن التوقُّف عنده، والتفاصيل أفظع مما يمكن التعبير عنه في هذه الفقرة. وثَمَّةَ بعض القصص الفردية التي ستجعل نزاهة الأفراد المتورطين فيها موضعَ شكٍّ على نحوٍ جِدِّي، وبعضها سيثير حفيظتك، وبعضها في ظني قد يجعلك تشعر بحزنٍ شديد. ولكني آمل أن تدرك أن هذا الكتاب ليس مُكرَّسًا للحديث فقط عن الفاسدين؛ ففي واقع الأمر، يَحتمِل أن يوجد بعض الشرفاء ضمن أنظمةٍ فاسدة بالأساس، الذين ربما يقترفون دون قصدٍ أفعالًا تُلحِق أضرارًا جمَّة بأشخاصٍ لا يعرفونهم، وأحيانًا ما يكون هذا دون إدراكٍ منهم. إن اللوائح الحالية — الخاصة بالشركات والأطباء والباحثين — تُشجِّع على الفساد، وحريٌّ بنا أن نصلح هذه المنظومات الفاسدة بدلًا من أن نحاول تخليص العالم مما فيها من جشعٍ وطمعٍ دون جدوى.

قد يرى البعض أن هذا الكتاب يُمثِّل هجومًا على صناعة الدواء. وهو بالطبع كذلك، ولكن لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب. أولًا، وكما سترى لاحقًا: المشكلات متشعِّبة، ولكلٍّ من الأطباء ومراقبي الأدوية الحكوميين والدوريات الأكاديمية والصيادلة ومجموعات دعم المرضى، وكثيرين غيرهم، دورٌ فيها.

ثانيًا: إن هذا الهجوم ليس مطلقًا بلا حدود؛ فأنا أظن أن معظم من يعملون في هذه الصناعة أناسٌ طيبون بالأساس. كما أنه لا غِنى للطب عن الأدوية؛ فقد أنتجتْ شركات الأدوية في أنحاء العالم بعضًا من أكثر الابتكارات الطبية إثارةً للإعجاب على مدى الخمسين عامًا المنصرمة، فأنقذوا أرواحًا كثيرةً على نحوٍ يستحق الثناء. ولكن هذا لا يعطيهم الحقَّ في إخفاء المعلومات، وتضليل الأطباء، والإضرار بالمرضى.

في الوقت الحالي، حينما يخبرك أحد الأكاديميين أو الأطباء أنه يعمل في مجال صناعة الدواء، فغالبًا ما يفعل ذلك وهو تبدو عليه أمارات الإحراج. وإنني أتمنى أن أساهم في صُنْع عالَمٍ يمكن أن يشعر فيه الأطباء والأكاديميون بالتفاؤل الإيجابي فيما يتعلق بالتعاون مع صناعة الدواء، كما آمل في تطوير علاجاتٍ أفضل، وتحسين حالة المرضى. وهذا سيتطلب إجراء تغييراتٍ كبيرة، بعضها كان لا بد أن يحدث منذ زمن طويل.

تحقيقًا لهذا الهدف، ولأن القصص التي سأرويها لك تثير الانزعاج كثيرًا، فقد حاولت أن أتجاوز مجرد توثيق المشكلات. فحينما تكون هناك حلول واضحة لتلك المشكلات، كنت أذكرها على وجه التحديد. ولكني قدَّمت أيضًا في نهاية كل فصل من فصول الكتاب بعض الاقتراحات بخصوص ما يمكن أن تفعله لتحسين الأمور، وصُغْتُها حسب الدور الذي تلعبه في هذا الإطار؛ سواءٌ كنت طبيبًا أو مريضًا أو سياسيًّا أو باحثًا أو مراقبًا دوائيًّا أو شركةَ أدوية.

عنوان الكتاب:    شرور شركات الأدوية

المؤلف:    بن جولديكر

الناشر:     مؤسسة هنداوي

البلد: القاهرة

عدد الصفحات:   448

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى