خوارق وطرائف

زواج الطيور والحيوانات.. الأنثى تختار والذكر يتجمّل!

ليست “غريزة البقاء” – وحدها- هي التي تحكم عالم الطيور والحيوانات، وهذه الغريزة ليست هي – فقط- من يدفعها إلى التزاوج والتناسل، فالحقيقة أن “الحب” هو أحد أبجديات هذا العالم المثير!

وهل تعلم أن الذباب يقع في الحب من أول نظرة، وأن هناك حيوانات وطيوراً تعيش “فترة خطوبة” حقيقية قبل الزواج؟!

وإذا كانت المرأة في عالم الإنسان تطالب بحقها في اختيار زوجها، فإن الأنثى في عالم الحيوان هي التي تختار، والذكر هو الذي.. يتزين!

البطريق.. حب وكبرياء

نبدأ إذن بذكور طيور “البنجوين” أو البطريق الشابة، وهي طيور لا تطير. وعندما يفكر فى الزواج يسير “بنجوين” فوق الجليد على غير هدى متفحصاً كل ما يمر أمامه من إناث جنسه باحثاً عن فتاة أحلامه لهذا فهو يسير منتصب القامة منتفخ الصدر شارد النظرات.

ولكنه إذا ما شاهد إحدى العذراوات الجميلات تقبل ناحيته، يبدأ يعتدل فى مشيته.. ويرسل إليها نظرات جانبية مشبوبة.. لكنها إذا مرت بجواره دون اهتمام فلا يطاردها، ولكنه يلتفت إليها بكبرياء. وإذا ما أعجبته يبدأ يعد العدة “لخطبتها” وهنا قد يبدو القول غريباً، ولكن هذا ما يؤكده د. كونورد لورانز عالم الطبيعة والذى يؤكد أن كثيراً من الطيور تعرف فترة الخطوبة، ومنها طائر البنجوين وأن الخطوبة بين هذه الطيور تبدأ بحصاة يحملها الذكر فى منقاره يضعها فى برقة عند قدمى العروس أو فتاة الأحلام، فإذا قبلتها وتعاملت معها برقة ورفق يعنى هذا موافقتها على الخطوبة، والإرتباط، ولكن إذا أعرضت عن الهدية وتعاملت معها باستهتار ولا مبالاة فهذا يعنى الرفض بطبيعة الحال، وليبحث لنفسه عن عروس أخرى!

وفى حال القبول يقترب البنجوين من عروسه، ثم ينشران أجنحتهما ويتمايلان فى رقصة طويلة ويظل متلازمين إلى أن يأتى موسم الزواج فيدخل الطائر على عروسه.

الحبيب المجهول

أما طائر “أبو زريق” فيلفت أنظار الحسناوات إليه في موسم الزواج بإصدار أصواتاً أحياناً تكون مفزعة، وأحياناً أخرى تكون أشبه بلحن موسيقى بديع وبنغمات مختلفة، فهذا الطائر قادر على تقليد أصوات الكثير من الطيور والحيوانات مثل القطط والصقور، وحتى بكاء الأطفال الصغار، وهذه المهارة الصوتية يكون لها دور فى التنافس بين الذكور على الزوجة التى ستختاره زوجاً فصاحب الصوت القوى المتنوع والجميل يكون دائماً فى المرتبة الأولى تماماً مثل أوبريت “الحبيب المجهول”.

والطريف أن معظم الذكور من الحيوانات أو الطيور لا يمكن أن يرغم الأنثى على الزواج منه، خاصة طيور الأعشاش التى يختار ذكرها أغنية جميلة ورقصة بديعة علاوة على “العش” الذى يبنيه بإتقان حتى ينال الرضا من المحبوبة ويجعلها تنبهر به.

سر غناء الذكور

يقول العلماء: إنه بدءا من حشرات الفاكهة إلى الأفيال، تختار الأنثى الذكر الذي سيحظى بها، ولا تُرغم على ذلك أبداً، والذكور من جانبها تتنافس لجذب انتباه الأنثى ومحاولة إقناعها بأنها الأقدر، ولعل ذلك هو ما دفع الكثير من الجيولوجيين إلى إطلاق اسم “الجنس المتزين” على الذكور، وأشهر من يتزين ويتجمل فى كبرياء هو ذكر الطاووس الذى يطلق جناحيه بشكل بديع لجذب الأنثى.. كذلك صياح ذكر الضفدع وغناء ذكر الكنارى.

ويرى بعض الباحثين أن زينة الذكر وزخرفته لنفسه والأغانى التى يردها، تحمل معلومات وإشارات عن فعالية وكفاءة جيناته وجهازه المناعى وقدراته الأبوية والزوجية ويرى البعض الآخر أن هناك القليل من المعلومات والبيانات فى هذه الخصائص الجنسية الثانوية وأنها موجودة فقط لجذب انتباه الأنثى.

ولطقوس الزفاف عند الضفادع خصوصية متفردة حيث تتجمع الذكور فى حفرة مائية صغيرة وتشكل ما يشبه “الحزام” وتصدر نوعاً من الأصوات أحدهما عميق وقصير والآخر نغمى طويل، وتستمع الإناث إلى هذه المعزوفات الموسيقية وكل منها يسبح إلى صاحب الصوت الذى تختاره ويعتلى الذكر المختار ظهر أنثاه ليلقح البيض الذى سوف تضعه.

وتدل نغمة الصوت على نوع الذكر وحجمه وقوته فإذا كان قوياً وعميقاً وطويلاً دل على كبر حجمه، وهذا يفسر حب الإناث للذكر عميق الصوت كما أن صاحب الصوت العميق يكون لديه القدرة على عملية التزاوج وباختياره تكون الأنثى قد فعلت الصواب لأن كل بيضها مهما كان كثيراً سوف يتخصب.

الحب.. والتناطح بالرؤوس

أما فى عالم الحيوانات البرية، ونختار مثلاً كبش الجبل الذى يعلن عن رغبته فى الزواج بالمعارك التى تشتد بين الذكور من خلال تناطح بالرؤوس، وتسفر هذه المعارك عن أنف دام، أو قرن أو ضلع مكسور، والفائز لديه فرص كبيرة للزواج بل والتعدد الزوجات أيضاً من “النعاج” أما الخاسر فيرغم على الزواج من أى أنثى.

وعلى عكس ما سبق نجد الفيلة من الحيوانات العاطفية جداً، فعند حلول فصل الربيع تختار أنثى الفيل مكاناً هادئاً تحفر فيه حفرة فى الأرض وتعمقها بحيث تكفى لها ولشريك حياتها، وتفرشها بأغصان الشجر وتنشر حولها الأزهار، وطوال الثلاثين يوماً تكون الأنثى هادئة، ولكن حين تحين فرصة التزاوج تصير عصبية وتضرب الأرض بأقدامها.

وهناك طرائف زواج أخرى فى عالم الأسماك، قام أحد العلماء بمراقبة أسماك “السرتيل” –سمك نهرى أمريكى صغير- ووجد أن الأنثى تفضل الذكر صاحب الذيل اللامع البراق ولكنه لم يعرف بالضبط ما الذى يعنيه الذيل اللامع بالنسبة للأنثى ،وكل ما توصل إليه هذا العالم هو أن أنثى هذا النوع من الأسماك تنجذب نحو الألوان اللامعة.

يستغرق ذكر الطيور شهوراً فى بناء العش وتزيينه حتى يكون متأكداً أنه سينال الرضا ويتم بناء عش جديد كل عام

وفى عالم آخر هو عالم الحشرات أجرت أحدى الباحثات تجربة حيث أظهرت قارورة زجاجية تحتوى على ذكور ذبابة الفاكهة وأطلقت بعض الإناث من قارورة أخرى وجلست تراقب ماذا سيحدث، وبعد بضع ثوان أخذ كل ذكر يزهو بنفسه أمام الإناث وتحرك أحدها نحو إحدى الإناث ومال بجناحه عليها وأصدر صوتاً نغمياً جميلاً كأنه يغنى لها.

لقد بدأت بالفعل اغنية الزواج التى يحاول بها جذب الأنثى فإذا أحبته وإستحست الغناء فإنها تردد الأغنية خلفه ويكون هذا دليل القبول.

والملاحظ أن مواسم الزواج عند الطيور تختلف كثيراً عن الحيوانات والحشرات، ويعد الربيع موسم الزواج وبناء عش الزوجية وتهتم الذكور بمظهرها وتنظيف نفسها فضلاً عن التنافس مع الأقران “بالشجار” أو التسابق فى الطيران أو العدو.

ويستغرق ذكر الطيور شهوراً فى بناء العش وتزيينه حتى يكون متأكداً أنه سينال الرضا ويتم بناء عش جديد كل عام ويستفيد مع مرور السنين بخبرته فى هذا المجال والعش الجديد يكون أفضل من القديم الذى يحتله الإبن او أحد الأصدقاء المقربين.

وتسعد الأنثى بكل الزخارف التى يضعها الذكر فى بيته الأمر الذى يتشابه كثيراً مع بنى الإنسان حيث تتميز النساء بحب “الديكور” أكثر من الرجال وهن دائماً يفضلن “العش” الأكثر زينة والأقوى صلابة ويعتبرنه دليلاً على صاحبة من حيث التنظيم والجهد فى العمل وإتقانه.

الحب من أول نظرة موجود فى عالم الطيور أو الحيوان فذكر الذبابة المنزلية مثلاً يستجيب للأنثى التى من نفس نوعه بمجرد رؤيتها، فيطير إليها على بعد مسافة طويلة

ولا تتزوج الأنثى أكثر من ذكر فى الموسم فهى تدرسهم جميعاً وتختار ما تراه مناسباً لها فإن ظلت سعيدة معه خلال موسم الزواج فإنها تختاره فى العام المقبل أيضاً وتظل الأنثى حريصة على نجاح عملية التخصيب والتوالد.

ولا يحدث اللقاء الزوجى فى عش الزوجية فجأة كما يظن البعض.. فهناك طقوس خاصة لهذا اللقاء سواء بين الطيور أو الحشرات فمثلاً ذكور وإناث ذباب “الدروسوفيلا”.. فيهز الذكر أجنحته ويقفلها ويفتحها بسرعة، أو يجعلها على شكل مقص ثم يقترب من الأنثى ويأخذ فى الدوران حولها وتلعب هى دوراً سلبياً للغاية، فإذا كانت تقبل هذا الذكر زوجاً لها، فإنها تقف مستكينة له فى نفس مكانها، وتفرد له أجنحتها كأنها ترحب به، أما إذا لم تكن تقبله فإنها تشيح بوجهها عنه، وتنصرف إلى مكان بعيد، وعلى الذكر هنا أن يعرف، ويتأكد أنها لا تريده، وأن ما فات كان أوهاماً وأضغاث أحلام.

حب من أول نظرة

والحب من أول نظرة موجود فى عالم الطيور أو الحيوان فذكر الذبابة المنزلية مثلاً يستجيب للأنثى التى من نفس نوعه بمجرد رؤيتها، فيطير إليها على بعد مسافة طويلة ليقف فوق ظهرها.

عندما يتقابل ذكر وأنثى حشرة الفانونس “فولجور النترناريا” فإن رأسيهما تضاءان وتظل الأضواء متوهجة حتى يجتمعا

وإذا قدر لأنثى سرطان البحر أن تمر فى موسم التكاثر أمام ذكر من نفس نوعها فإنه يلقى بنفسه أمامها.. ويقف على أطراف أقدامه ويرفع مخلبيه الضخمين ذوى الألوان الزاهية إلى أعلى بصلابة وإستعراض، فإذا لم تعره الأنثى أى إهتمام فإنه يجرى إلى حيث يمكن أن تراه، ويقف مرة أخرى الوقفة نفسها التى وقفها من قبل، فإذا إبتعدت عنه مسافة كبيرة فإنه يعود إلى جحره يائساً، وقد شعر أنها لا تقبل غزله.

وللأضواء علاقة قوية بالحب فى عالم الحيوان.. فعندما يتقابل ذكر وأنثى حشرة الفانونس “فولجور النترناريا” فإن رأسيهما تضاءان وتظل الأضواء متوهجة حتى يجتمعا مع بعضهما ويسلكا سلوك الجماع، وفى موسم الغزل والجماع تسبح إناث “دودة برميودا” النارية فى حلقات فوق سطح البحر، وهى متلألئة بالأنوار وتراها الذكور فتتجه إليها قادمة من عمق البحر ويستطيع كل جنس أن يحدد الجنس الآخر من على مسافة 30 متراً، وذلك بعمل إشارات ضوئية متبادلة ومتفق عليها بين الذكر والأنثى، والإضاءة قد يكون لها أغراض أخرى غير الغزل مثل استدراج الفريسة لاصطيادها والتغذى عليها أو لدفاع عن النفس.

أما متاعب الحياة الزوجية فيعرفها عالم الحيوان أيضاً.. خصوصاً فى “زوغان عين” بعض الأزواج.. مثل الخنافس، مثلاً قد يعاكس أحد الذكور زوجة غيره، ويبغى إختطافها، ويحدث أن تكون هذه الزوجة عفيفة، فترفض معاكسته وتقاومه بكل جهدها، حتى يأتى زوجها فيدفع عنها معاكسة هذا الذكر “الدنجوان”، ولا تكتفى هى بترك زوجها يقاتل بل تساعده فى ذلك، وقد تكون الزوجة الخنفساء لعوباً، فتستجيب لإغراءاته ومعاكسات الذكور الغرباء، وتذهب مع العشيق المعاكس، وتتخلى عن زوجها، فتدب نار الغيرة فى الزوج المخدوع، ويشتعل غضباً لتلك الخيانة الزوجية الدنيئة، فيصر على الإنتقام والفتك بغريمه، وتدور بذلك معارك عنيفة بين الذكور.. وإذا خان الزوج الخنفس زوجته الأصيلة، تنتحر هذه الزوجة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى