رغم المخاوف من مخاطرها … تكنولوجيا النانو تُحدث تحولات كبرى في مجال الأغذية والزراعة
من المتوقع أن يدفع نمو عدد سكان العالم إلى ما يقدر بنحو 8 مليارات شخص بحلول عام 2025 و 9 مليارات بحلول عام 2050، إلى رفع الإنتاج الزراعي العالمي لإطعام سكان العالم الذين يتزايد عددهم بسرعة. لذلك، يرى الخبراء أنه أصبح من الضروري استخدام التقنيات الحديثة مثل تقنية النانو والتكنولوجيا الحيوية النانوية في العلوم الزراعية والغذائية. وتتمتع هذه التقنية بإمكانيات هائلة لإحداث ثورة في الزراعة والمجالات المرتبطة بها. وتركز الزراعة النانوية حالياً على الزراعة المستهدفة التي تتضمن استخدام جزيئات نانوية ذات خصائص فريدة لتعزيز إنتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية.
في ورقة علمية جديدة صدرت في دورية “Science of The Total Environment” العلمية استعرض باحثون من جامعة حائل السعودية أهم تطبيقات المواد النانوية الجديدة في مجال الصناعات الغذائية والزراعية مع التركيز على أهميتها في تقديم حلول غذائية كاملة من المزرعة إلى الملعقة؛ بما في ذلك الأطعمة المغذية والوظيفية، ودورها في تحسين كفاءة هذه المنتوجات وتنوعها عبر الإضافات النانوية وتغيير اللون، والطعم والتعبئة والتغليف.
وقد شهد القطاع الزراعي أيضا، بحسب الباحثين، العديد من المنتجات القائمة على تقنيات النانو، مثل الأسمدة النانوية ومبيدات الآفات النانوية ومحفزات النمو النانوية وغيرها الكثير لتطوير الزراعة المستدامة وتحسين المحاصيل. لكنهم يشيرون إلىى أنه رغم المزايا العديدة لتقنية النانو، لا تزال هناك تحديات تتعلق بالسمّية، ومخاوف تتعلق بالسلامة يتعين معالجتها وتتطلب تحولات في السياسات التنظيمية. ويتوقعون أن يؤدي التطور السريع إلى تحول كبير في قطاعات الأغذية والزراعة، مع زيادة سريعة في حصة السوق والاستثمار.
تقنية النانو والمواد النانوية
يشير مقياس النانو إلى أبعاد الحجم عادة بين 1 إلى 100 نانومتر لأنه بهذا المقياس تختلف خصائص المواد الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية عن تلك الموجودة في مقياس أكبر وتتيح مجموعة كبيرة من التطبيقات الجديدة.
وقد أحرزت صناعة الأغذية في السنوات الأخيرة، تقدما كبيرا في مجالات مثل تحسين منتجات التعبئة والتغليف وتطوير منتجات وظيفية جديدة، والنقل والتحكم في إطلاق المواد النشطة بيولوجيا، واكتشاف مسببات الأمراض باستخدام مستشعرات ومؤشرات نانوية، وتنقية الماء من خلال استخدام الجسيمات النانوية. إضافة إلى توفير عدة تطبيقات زراعية أخرى كالاستشعار الميداني لرصد الضغوط البيئية وظروف المحاصيل، وتحسين قدرة النبات ضد الإجهاد البيئي والأمراض.
الأسمدة النانوية
يُعد استبدال الأسمدة التقليدية بالأسمدة النانوية وسيلة لإطلاق المغذيات في التربة تدريجياً وبطريقة يمكن التحكم فيها، مما يجنب إهدار موارد المياه وتلوثها. وقد أثبتت الدراسات التأثير الكبير لجسيمات أوكسيد التيتانيوم (TiO2) النانوية على نمو النباتات عبر امتصاص الضوء ونقل الطاقة الضوئية. وتتميز الأسمدة النانوية بخصائص فريدة مثل الامتصاص الفائق، وزيادة الإنتاج، وارتفاع التمثيل الضوئي، وزيادة حجم الأوراق.
ووجدت إحدى الدراسات التي أجريت على نبتة الطماطم، على سبيل المثال، أن الأنابيب النانوية الكربونية التي استخدمت كسماد فائق، اخترقت طبقة البذرة السميكة للنبتة ودعمت امتصاص الماء داخل البذور مما أثر إيجابيا على إنباتها ومعدلات نموها.
التكنولوجيا الحيوية النانوية في إنتاج الأغذية
تشمل فرص التكنولوجيا الحيوية النانوية تطبيقات الغذاء والزراعة والطاقة. ففي صناعات معالجة الأغذية، تتمثل الاستخدامات الأكثر شيوعًا للتكنولوجيا الحيوية النانوية في مجال مراقبة جودة المنتجات الغذائية في توفير مستشعرات نانوية للكشف عن البكتيريا. وتتمتع مستشعرات النانو عند استخدامها بدقة عالية في الكشف عن وجود الحشرات أو الفطريات داخل كتلة الحبوب المخزنة في غرف التخزين.
وزودت التكنولوجيا الحيوية النانوية الصناعة بأدوات جديدة لتعديل الجينات النباتية، مما مكّن من تطوير أنواع نباتية جديدة بفضل باستخدام البيولوجيا التركيبية (Synthetic biology) وهي فرع جديد من العلوم، يعتمد على تقنيات الهندسة الوراثية وتكنولوجيا النانو والمعلوماتية.
وتمتلك تقنية النانو القدرة على زيادة الإنتاجية الزراعية من خلال التحسين الوراثي للنباتات والحيوانات إلى جانب توفير مواد لتوصيل الجينات وجزيئات الأدوية على المستوى الخلوي إلى مواقع محددة في النباتات والحيوانات.
مستشعرات النانو في الإنتاج الزراعي
تستخدم المستشعرات النانوية بشكل فعال لاستشعار مجموعة واسعة من الأسمدة ومبيدات الأعشاب ومبيدات الآفات والحشرات ومسببات الأمراض والرطوبة ودرجة حموضة التربة واستخدامها الخاضع للرقابة يمكن أن يدعّم الزراعة المستدامة لتعزيز إنتاجية المحاصيل. وبفضل أجهزة الاستشعار الذكية، يمكن للزراعة الدقيقة زيادة الإنتاجية في الزراعة، حيث توفر هذه التكنولوجيا للمزارعين إدارة أفضل للتخصيب، وتقليل المدخلات، وإدارة أفضل للوقت والبيئة. كما يمكن أن تساعد مستشعرات النانو وأنظمة التوصيل الذكية القائمة على النانو في الاستخدام الفعال للموارد الطبيعية الزراعية مثل المياه والمغذيات والمواد الكيميائية من خلال الزراعة الدقيقة. وتشمل التقنيات الجديدة للزراعة الدقيقة أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية وأنظمة المعلومات الجغرافية وأجهزة الاستشعار عن بعد التي يمكنها الكشف عن آفات المحاصيل أو أدلة الإجهاد مثل الجفاف. ويمكن لمستشعرات النانو المنتشرة في الحقل أيضا اكتشاف وجود فيروسات نباتية ومسببات أمراض المحاصيل الأخرى، ومستوى مغذيات التربة وتقييم مستويات التلوث البيئي بسرعة إضافة مراقبة جودة المنتجات الزراعية.
تقنية النانو والبيئة الزراعية
يؤدي استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة بهدف تحسين إنتاج الغذاء إلى إطلاق مواد غير مرغوب فيها ومضرة بالبيئة. وتوفر تقنية النانو اليوم نهجا واعدا لتحسين الإنتاج الزراعي وعلاج التربة والمياه الجوفية الملوثة. وقد طوّر باحثون تطبيقات حديثة لتقنيات النانو في الدراسات الزراعية البيئية، تأخذ في الاعتبار مصير المواد النانوية بمجرد إدخالها في الماء والتربة. وأظهروا أن استخدام المواد النانوية أدّى إلى تحسين جودة البيئة وساعد في اكتشاف المواقع الملوثة ومعالجتها.
الترشيح النانوي
تستغل تقنية “تنقية المياه باستخدام تكنولوجيا النانو” المواد النانوية مثل الأنابيب النانوية الكربونية وألياف الألومينا للترشيح النانوي، وهي عملية حديثة نسبيا تستعمل في الغالب لإزالة المواد الصلبة، بما في ذلك البكتيريا والطفيليات من المياه الجوفية والسطحية والعذبة. كما يستخدم النظام الذي يعمل بالطاقة الشمسية أغشية الترشيح النانوي لمعالجة المياه قليلة الملوحة، مما ينتج عنه مياه ري محلاة عالية الجودة. وقد أشارت نتائج دراسات سابقة إلى أن المحاصيل المزروعة بالمياه المحلّاة تتطلب 25% أقل من مياه الري والأسمدة مقارنة بالري بالمياه قليلة الملوحة.
تكنولوجيا النانو والغذاء
تستثمر الصناعات الغذائية أموالا طائلة في أبحاث تكنولوجيا النانو. ويعتبر الطعام طعاما نانويا عند استخدام الجسيمات النانوية أو تقنيات أو أدوات تقنية النانو أثناء زراعة الطعام أو إنتاجه أو معالجته أو تغليفه. ويرى الباحثون أن تقنية النانو قد تكون هي المفتاح لحل العديد من المشكلات الحرجة التي تواجه الإمدادات الغذائية في العالم اليوم بما توفره من مواد كالبوليمرات الغذائية المعالجة بتقنية النانو لتحسين جودة الأغذية وسلامتها.
وتعتبر تقنية النانو هي أساس العديد من الأطعمة الجديدة من خلال التلاعب بالألوان والنكهات وتغييرها على المستوى النانوي.
وتعمل العبوة الذكية (أو التغليف الذكي للمواد الغذائية) على مراقبة جودة الطعام داخل العبوة من خلال أجهزة مدمجة في العبوة أو ملحقة لها. ويمكن أن تسجل مستشعرات النانو المتوفرة فيها درجة الحرارة، ونضارة الغذاء ونضجه وقياس الملوثات التي قد توجد فيها.
تقنية النانو في الإنتاج الحيواني والأحياء المائية
تشمل تطبيقات تكنولوجيا النانو في تربية الحيوانات عدة جوانب كتحسين كفاءة التغذية والتغذية للحيوانات الزراعية، وتقليل الخسائر من الأمراض الحيوانية، وتحويل المنتجات الثانوية الحيوانية والنفايات والمخاوف البيئية إلى منتجات ذات قيمة مضافة.
يمكن للمواد النانوية التي تعمل على السطح والإضافات النانوية أن تزيل السموم أو مسببات الأمراض.
كما تشمل تطبيقات تكنولوجيا النانو في مجال تربية الأحياء البحرية الأسطح المضادة للبكتيريا، والتوصيل النانوي للمنتجات البيطرية في أغذية الأسماك باستخدام الهياكل النانوية المسامية، وأجهزة الاستشعار النانوية لاكتشاف مسببات الأمراض في الماء. يمكن استخدام المياه النانوية للري وتربية الأسماك.
مخاطر تطبيق تكنولوجيا النانو في الزراعة والصناعات الغذائية
لا شك أن تطبيق تكنولوجيا النانو في مجال الإنتاج العالمي للأغذية والثروة الحيوانية، يهدف بالأساس إلى تحسين الجودة والقيمة الغذائية. إلا أنه لا يُعرف سوى القليل عن المخاطر المحتملة لتطبيق التقنيات النانوية في إنتاج الأغذية ودمجها الجسيمات النانوية في الطعام. كما أن المستهلكون يفتقرون إلى المعرفة حول تكنولوجيا النانو. تشمل التطبيقات النانوية المستخدمة حاليا اللحوم، والأغذية عموما، علاوة على استخدام الجسيمات والمواد النانوية كمكونات أو إضافات غذائية يتم وضعها مباشرة في الطعام أو كجزء من تغليف المواد الغذائية.
بحسب الباحثين، هناك حاجة إلى الاهتمام بوجهات النظر العامة فيما يتعلق بالتقنيات الجديدة في صناعة الأغذية أثناء مرحلة تطوير المنتج لتجنب بعض المزالق التي تواجهها صناعة الأغذية المعدلة وراثيا قد يتسبب إطلاق الجسيمات النانوية المصنعة وذات الأثر الضار على النباتات الصالحة للأكل.
ورغم هذه المخاوف يتوقع باحثو جامعة حائل أن يؤدي التطور السريع إلى تحول كبير في قطاعات الأغذية والزراعة، مع زيادة سريعة في حصة السوق والاستثمار.