العالم يقرأ

خزائن المعرفة في الحضارة العربية.. المكتبات الشخصية فى مصر والشام والأندلس والاهتمام بالفكر والعلم

يتناول كتاب “خزائن المعرفة في الحضارة العربية” للدكتورة إسراء محمد عبد ربه والدكتور أشرف صالح محمد سيد موضوع المكتبات الشخصية (الخاصة) في مصر والشام والأنْدلس خلال الفترة من القرن الأول الهجري حتى القرن الثاني عشر، مع ذكر نماذج لتلك المكتبات على مستوى الأفراد البارزين أو عامة الناس، إذ إنها تعطي صورة صادقة لمدى اهتمام الخاصة والعامة في مصر والشام والأندلس بالفكر والعلم، مما يجعلها من أهم مقاييس تقدم ورقي الحضارة الإسلامية في تلك البلدان.

وقد عرفت الحضارة الإسلامية أنواعاً متعددة من المكتبات، وانتشرت هذه المكتبات في جميع أرجاء الدولة الإسلامية، فوجدت المكتبات في قصورالخلفاء، وفي المدارس، والكتاتيب، والجوامع، وكما وجدت في عواصم الإمارات وجدت كذلك في القرى النائية، والأماكن البعيدة.

التطور الإنساني

وعلى الرغم مما قيل في أصالة الحضارة العربية الإسلامية المتنوِعة والمليئة بمختلف التيارات الفكرية، والخصبة بظواهرها التي امتدت في عالم واسع جداً، واتهامها بافتقاد الحيوية، أو ما نسب إليها من التقدم الباهر، فإنها من دون شك تظل أما من أمهات الحضارات، ومرحلة من مراحل التطور الإنساني.

وهذه الحضارة التي تعددت أصول نشأتها وتكاثرت تفرعاتها، اعتبرت الكتاب هادياً لها وكنزاً، فاعتمدت عليه، واهتمت بنشره بشكل فاق بهذا المجال كل الحضارات السابقة، فلا تقاربها حضارة أخرى في عدد الكتب التي انتشرت في العالم زمن حكمها.

انتشار العلم والمعرفة

فقد ظهرت المكتبات في الإسلام وتطورت نتيجة لانتشار العلم والمعرفة وازدهار حركة التأليف والنقل والترجمة، ومرت هذه المكتبات كالمجتمع الإسلامي بعدة مراحل في أدوار نموها المختلفة، بدأت بذرة متواضعة وما لبثت أن ازدهرت ونضجت وأينعت، وواكبت المجتمع الإسلامي في ازدهاره وتقهقره. كما لعبت المكتبات دوراً مهماً ورائداً في تطوير المجتمع ودفعه إلى التطور، وصارت المكتبة الإسلامية مرآة تعكس عليها حياة المسلمين، وتظهر فيها الحياة الواضحة المشرقة في جميع جوانبها.

حب العلم

وقد أدى حب المسلمين للكتب والعلم دوراً أساسًا في قيام تلك المكتبات. فشغف المسلمين بالكتب لم يكن وقفاً على فئة محدَّدة من المواطنين، بل كان يشمل كل الطبقات من الخلفاء والملوك والعلماء وعامة الناس، حتى إن متوسط ما كانت تحتويه مكتبة خاصة لعربي مسلم في القرن العاشر الميلادي الرابع الهجري: إن أكثر مما تحتويه كل مكتبات الغرب مجتمعة.

أشهر المكتبات

ومن أشهر المكتبات في الحضارة الإسلامية؛ مكتبة بغداد بيت الحكمة، ومكتبة دار الحكمة في القاهرة الفاطمية.

أما المكتبات الخاصة فقد انتشر هذا النوع من المكتبات في جميع أنحاء العالم الإسلامي بشكل واسع وجيد ومن أمثلتها مكتبة الخليفة المستنصر، ومكتبة الفتح بن خاقان، الذي كان يمشي والكتاب في كمه ينظر فيه . ومكتبة ابن العميد وزير آل بويه الشهير، وقد ذكر ابن مسكويه المؤرخ الشهير أنه كان خازنا لمكتبة ابن العميد، فذكر واقعة سرقة تعرض لها بيته، وكانت فيه مكتبته، وقد حزن ابن العميد أكثر الحزن على مكتبته؛ ظنًّا منه أنها سرقَت مع باقي المسروقات، وفي معرض حديثه عن مكتبته عرفنا سر حرقة الوزير ابن العميد على مكتبته، قال ابن مسكويه : اشتغل قلب الوزير ابن العميد بدفاتره، ولم يكن شيء أعز عليه منها، وكانت كثيرة، فيها كل علم وكل نوع من أنواع الحكم والآداب، يحمل على مئة وِقْر، فلما رآني سألني عنها فقلت: هي بحالها لم تمسسها يد.

فسري عنه، وقال: أشهد أنك ميمون النقيبة، أما سائر الخزائن فيوجد منها عوض، وهذه الخزانة هي التي لا عوض منها. ورأيته قد أسفر وجهه، وقال: باكر بها غدا إلى الموضع الفلاني. ففعلت، وسلمت بأجمعها من بين جميع ماله.

ومن أشهر المكتبات مكتبة قرطبة التي أسسها الخليفة الأموي الحكم المستنصر بالله سنة (350هـ/961م)، هذه المكتبة عين لها موظَّفِين للعناية بشؤونها، وجمع فيها النساخ، وعين لها عددًا كبيرا من المجلِّدِين، وقد ظلَّتْ محطَّ أنظار العلماء وطلاب العلم في الأندلس، وقد وفد إليها الأوربيون للنهل من مَعِينِهَا، والتزوُّد من علومها، وقد كانت عدة الفهارس التي فيها تسمية الكتب أربعًا وأربعين فهرسة، في كل فهرسة عشرون ورقة ليس فيها إلا ذكر الدواوين فقط. وأيضًا مكتبة بني عمار في طرابلس الشام، وكان لهم وكلاء يجوبون العالم الإسلامي؛ بحثًا عن الروائع لضمِّها إلى المكتبة، وكان بها خمسة وثمانون ناسخًا، يشتغلون بها ليل نهار في نسخ الكتب.

كذلك أنشأ الخلفاء والولاة والعلماء مكتبات (المدارس/الكليات)، تلك المدارس التي انتشرت في كل بقاع العالم الإسلامي، وقد أُلحقت بمعظم المدارس مكتبات خزائن كتب لتكون مرجعًا لطلبة العلم ليقفوا على آخر ما صنف في فنون العلوم والآداب حتى عصرهم، وتسابق السلاطين والعلماء بل والمجتمع المدني من كبار التجار والمحسنين بل وحتى المحسنات من الأميرات والعالمات وغيرهن في إنشاء هذه المؤسسات، فنور الدين محمود بنى مدرسة في دمشق وألحق بها مكتبة، وكذلك فعل صلاح الدين، أما القاضي الفاضِل وزير صلاح الدين فقد أسس مدرسة في القاهرة سماها الفاضلية، وأودع فيها حوالي مئتي ألف مجلد مما أخذه من خزائن الفاطميين.

واشتهر نوع آخر من أنواع المكتبات في الحضارة الإسلامية، تلك المكتبات التي أُنشئت كملاحق في المساجد والجوامع: ويعتبر هذا النوع من المكتبات الأول في الإسلام؛ حيث نشأت المكتبات في الإسلام مع نشأة المساجد وقبل إنشاء المدارس بقرنين على الأقل، ومن أمثلتها:

مكتبة الجامع الأزهر، ومكتبة الجامع الكبير في القيروان. بل اشتهر المسجد النبوي بمكتبة عامة كبيرة كانت موقوفة على طلبة العلم من المجاورين، وكانت الفاجعة قد حلّت بها سنة 886هـ حين احترقت بسبب صاعقة في نادرة من النوادر الطبيعية الغريبة، وكذلك اشتُهر الجامع الأموي بدمشق بخزانة كتبه الفريدة  بل بعدة خزائن كتب –مكتبات- كانت موقوفة على كل من يريد المطالعة والتعلم.

وفاقت مكتبات الجوامع في الأندلس نظيرتها في المشرق الإسلامي، ويعد المسجد الكبير في قرطبة واحدا من أكبر الجوامع وأعظمها، وقد احتوى هذا المسجد الشهير الذي أنشأه الخليفة الأموي عبد الرحمن الداخل سنة (170هـ/786م) على مجموعة كبيرة من الكتب والمصاحف، والتي دمر معظمها إبان اجتياح قوات الملك فرديناند الثاني سنة (634هـ/1236م)، وقد أشار المؤرخ المقري إلى تلك الواقعة ذاكرا بأنه كان من بين المصاحف التي أُحرقت على يد القوات الغازية المصحف الذي خطّه الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

قراءة/ محمد سيد بركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى