تعليم

تلاميذ المدرسة المتوسطة في ناجالاند.. مثال حي للزراعة البيئية

البطولات لا تأتي دائما فردية، بل الأصل أن تكون المبادرات تشاركية وتعاونية، لأن حياتنا على ظهر هذا الكوكب تأتي في شكل تكوينات اجتماعية، والتشارك والتعاون العابر للتكوينات الاجتماعية العضوية كالأسر والعائلات فيما ينفع الناس هو شكل من أشكال تكوينات المجتمع، تعلمته البشرية هنا وهناك من حكمة مجتمعاتها عبر السنين، وقدمت الرسالات السماوية مثالا حيا له، ودلت عليه ونادت به.

وإذا كنا نتحدث هنا عن الرواد الصغار، فكثيرا ما يكون بجانب هؤلاء الصغار من يلهمهم، ويرشدهم، أو يدعمهم ويشجعهم، ومن بين من هو منوط بهم القيام بهذا الدور المعلمون ذوو الوعي والهمة.

قصتنا هنا تأتي من إحدى المدارس الحكومية المتوسطة، التي تقع في قرية فيسويما Viswema في ولاية ناجالاند Nagaland شمال شرقي الهند، على سفوح جبال الهيمالايا، وهي قرية يسكنها 7500 نسمة، في تجمعات مبعثرة، وهي مشهورة بحرفة الفخار، وبجمالها البانورامي، ويمارس أهلها الزراعة على مصاطب يسوونها على منحدرات التلال.

في المدرسة المتوسطة المتواجدة بالقرية ألهم الله مديرة المدرسة الشابة كينيسينو فيتسو Keneisenu Vitsu أن تنشئ ناديا بيئيا بالمدرسة عام 2011، وأن ترشد التلاميذ من الصف الأول إلى الثامن والذين يبلغون 60 تلميذا أن تكون الزراعة العضوية هي نشاط النادي، ولكي تحفز التلاميذ، جعلت من التلاميذ ثلاث مجموعات حتى يحفزهم التنافس، واختارت مناطق من ساحة المدرسة عمل التلاميذ على تجهيزها وزراعتها مستخدمين البذور العضوية المحلية، حيث يزرعون الدرنات والخضروات والأعشاب المتنوعة، وينتجون منها جميعا 300 كيلوجرام في العام، يستخدمون منها في وجبات منتصف اليوم بالمدرسة، وما يفيض، يتم بيعه واستخدام ثمنه في شراء وجبات خفيفة للتلاميذ.

تقول فيتسو، أن التلاميذ من خلال هذا النشاط، الذي يتم في جو من المرح الممزوج مع النشاط والجدية، يتعلمون قيمة العمل معا، ويتلقون المهارات والمعارف المتعلقة بالزراعة العضوية، ومن خلال إرشاد معلميهم اختار التلاميذ قطعة أرض قاحلة، واستخدموا المخلفات العضوية في المدرسة والقرية ليصنعوا منه سمادا للتربة، وتعلموا كيف ينظفون الأرض من الحشائش، ويوالون زرعهم بالري والرعاية، ويحيطونه بسياج من البامبو ليحمونه من الماشية.

كان للتجربة عددا من دوائر التأثير في المجتمع المحيط، فكما يقولون فإن التجارب الناجحة تعدي الآخرين، حيث تلقت المبادرة الدعم الكامل من الآباء والأوصياء، الذين سرعان ما ألهمتهم مزرعة المدرسة العضوية فبدأوا بزراعة حدائق المطبخ في منازلهم، وساعد الآباء أبناءهم التلاميذ بدورهم بنصائحهم الزراعية، كما بدأت بعض المدارس المجاورة في تكرار التجربة بمدارسهم، كما حظيت التجربة بالتقدير والتشجيع من جانب مسؤولي الإدارة التعليمية، الذين جاءوا للتفتيش والإشراف.

وفضلا عن نشاط الزراعة العضوية في محيط المدرسة، يشارك طلاب المدرسة المتوسطة أيضا في مبادرات بيئية أخرى مثل إدارة النفايات بالقرية، عن طريق تثبيت صناديق نفايات من الخيزران على جوانب الطرق في القرية، وحث السكان على استخدامها بشكل صحيح، وفي الآونة الأخيرة، تم تنظيم حملة لزرع الأشجار من قبل الطلاب لتجميل المباني المدرسية.

واليوم تقدم العديد من المدارس في جميع أنحاء الهند الزراعة العضوية كجزء من أنشطتها اللاصفية، في حين أن تلك المدرسة المتوسطة تمارسها منذ تسع سنوات، مما ألهم المدارس الأخرى والمنازل في القرية لتحذو حذوها.

يوما بعد يوم يتأكد لي أن الأنشطة المدرسية هي نصف العملية التعليمية إن لم يكن أكثر، خاصة إذا كان من يقوم بالإشراف عليها يتمتع بالوعي، والإخلاص والحماس.

د. مجدى سعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى