تعتمد على التكنولوجيا وترتبط بسوق العمل “التجربة الماليزية”.. كيف يصبح التعليم أولوية كبرى؟
خلال أقل من 30 عاما فقط، تمكنت ماليزيا من تحقيق نهضة كبيرة في مجال التعليم، تردد صداها في جميع أنحاء العالم، لتصبح نموذجًا مثاليًا، اتبعت خطاه العديد من البلدان حول العالم.
وباتت التجربة التعليمية في ماليزيا محور اهتمام الباحثين، واحتلت عناوين العديد من الدراسات التي كشفت عن مقومات نجاح دولة ماليزيا في تحقيق مركز ريادي لها في القطاع التعليمي، والذي يعد انعكاسا طبيعيا للاستثمار الأمثل في العناصر المادية والبشرية، إلى جانب مواكبة التطورات المختلفة وعلى رأسها الثورة الرقمية.
اسم يلمع كالذهب
بدأ اسم ماليزيا يلمع كالذهب مع بداية الألفية الجديدة وبدأ العالم كله يتحدث عن المارد الآسيوى الذى أصبح واحدًا من أقوى النمور الاقتصادية التى يشار إليها بالبنان، ومن هنا بدأ البعض في دراستها دراسة واعية، تهدف إلى كشف سر التحول الرهيب في وضعها الاقتصادي والتنموي، وكان السر وراء كل هذا هو التعليم، فالدولة لم تنم اقتصاديًا بدون تعليم جيد، وهذه كانت هى الحقيقة التى وعاها جيدًا مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزى وبدأ بها في بناء دولته التى يباهى بها الأمم.
وتستحق التجربة الماليزية الدراسة والاحترام أيضًا، خاصة أنها كانت تمر بظروف مماثلة لما تمر به معظم بلدان العالم العربي، ولكن مهاتير محمد رئيس وزرائها الذى كان يحبها فعلًا، وكانت له رؤية حقيقية لتطوير بلاده ونهضتها، تمكن بالفعل من تحقيق هذه الرؤية، وكان التعليم من أهم وسائله لتحقيق هذه الرؤية التى نجحت في نقل ماليزيا من مصاف الدول النامية إلى الدول المتقدمة.
وحينما تولى مهاتير محمد رئاسة وزراء ماليزيا عام ١٩٨١ كانت دولة فقيرة، يعيش نحو ٢٥٪ من سكانها تحت خط الفقر، ولكن مهاتير محمد قرر إحداث نقلة حقيقية في بلاده، ومن هنا وضع خطة لتطويرها وتنميتها، اعتمدت على ثلاث ركائز أساسية هي:
الركيزة الأولى: وحدة البلاد، وتجنب الصراعات، والخلافات بين السكان الذين ينقسمون لثلاث فئات وهم: المالايو ويمثلون ٥٨٪ من السكان، والهنود ٧٪، والصينيون ٢٤٪.
الركيزة الثانية: فكانت الاهتمام بالتعليم.
الركيزة الثالثة: هى التصنيع.
وعبر هذه الركائز الثلاث، نجح مهاتير محمد في نقل بلاده من دولة زراعية فقيرة تعتمد على تصدير بعض السلع البسيطة مثل المطاط والقصدير إلى دولة صناعية متقدمة، وبذلك تمكن خلال ٢٢ عامًا قضاها في منصبه من القضاء على الفقر، ورفع متوسط الدخل من ١٢٤٧ دولارًا في العام إلى ٨٨٦٢ دولارًا عام ٢٠٠٢، وانخفضت نسبة البطالة بين الماليزيين إلى ٣٪ فقط.
التعليم.. أولوية قومية
جعل مهاتير للتعليم أولوية قومية كبرى، حيث اهتم بجميع مراحله، فجعل مرحلة التعليم ما قبل المدرسة «رياض الأطفال» جزءا من النظام الاتحادى للتعليم، واشترط أن تكون جميع دور رياض الأطفال مسجلة لدى وزارة التعليم، وملتزمة بمنهج تعليمى مقرر من الوزارة، كما تمت إضافة مواد دراسية تنمى المعانى الوطنية وتعزز روح الانتماء لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية، وفى المرحلة الثانوية أصبحت العملية التعليمية شاملة، حيث يدرس الطالب بجانب العلوم والآداب مواد خاصة بالمجالات الفنية والمهنية التى تمنح الطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم، بالإضافة إلى إنشاء الكثير من معاهد التدريب المهنى التى تستوعب طلاب المدارس الثانوية، وتؤهلهم لدخول سوق العمل في مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية.
وتستقطب ماليزيا سنويًا العديد من الأحداث العلمية المهمة، والتي من شأنها تعزيز الواقع التعليمي ودفعه نحو النمو والازدهار، كجزء من استراتيجية الدولة لتطوير التعليم والارتقاء به إلى مستويات متقدمة.
التعليم الإلكتروني في ماليزيا
يعزو كثير من الباحثين تطور التعليم في ماليزيا، إلى إيمان الدولة بأهمية التعليم، لكي تضعه في سلم أولوياتها، وهو ما كان واضحًا في تخصيصها جزءا كبيرا من ميزانيتها لبناء نظام تعليمي متين و متنوع، إلى جانب دعمها الكامل للبعثات الدراسية العلمية في الجامعات الأجنبية.
فيما يعد التعليم الإلكتروني أحد أهم السمات التي ميزت النظام التعليمي هناك، حيث بلغت نسبة المدارس المرتبطة بالإنترنت عام 1999 أكثر من 90%، وهو ما يشير إلى مواكبة ماليزيا التطور التكنولوجي واستثماره لتحقيق الفائدة العلمية.
وتعتبر ماليزيا الحاضن الأكبر للمشاريع التعليمية الحديثة، أبرزها منصة أبصر، المخصصة للتعليم الإلكتروني باللغة العربية، و التي تعد أحد رعاة الموسم العلمي للمؤتمرات في ماليزيا الرسميين، حيث تهدف من خلال مشاركتها إلى تعزيز واقع التعليم عن بُعد، و التأكيد على دوره الفعّال في الميدان التعليمي.
أكاديمية عربية في ماليزيا
في إطار تطوير منصات التعليم الإلكتروني انطلقت أكاديمية “أبصر”، عام 2015 كواحدة من المؤسسات التعليمية العربية عن بعد، تضم نخبة من الأكاديميين والمتخصصين في مجالات علمية متنوعة، وهي تتخذ من ماليزيا مقرًا أساسيًا لها، حيث تسعى بشكل حثيث إلى نشر المعرفة عبر الانترنت للوصول إلى جميع المهتمين بالتحصيل العلمي.
تقدم منصة أبصر سلسلة من الدورات التدريبية عبر الانترنت، بالاعتماد على مناهج متطورة وأساليب تعليم حديثة تحاكي العديد من المؤسسات التعليمية العالمية. فهي تستقطب جميع الطلاب الراغبين في تجربة التعلم الإلكتروني، كما تقدم دورات تدريبية متخصصة في تطوير أداء الموظفين لدى الشركات والمؤسسات الحكومية.
وتمنح أبصر في نهاية كل دورة تدريبية شهادة موثوقة ومصادق عليها من وزارة الخارجية الماليزية، فيما تضم الأكاديمية دورات مجانية وأخرى مدفوعة تناسب جميع فئات الطلبة العرب.