العالم يقرأ

تحدِي تغيُّر المناخ: أيَّ طريق نسلك؟

ظاهرتا الاحترار العالمي، وتغيّر المناخ، قضيتان متشابكتان ومعقدتان، وهي من القضايا التي بات مرتبطة بالسياسة العامة والمفاوضات المتعددة الأطراف والتقدم التكنولوجي.

كتاب “تحدِّي تغيُّر المناخ.. أيَّ طريق نسلك؟” لمؤلفيّه “روبرت إل روثستاين”، و”ودانيال دي بيرلمتر”، ترجمة أحمد شكل، يستكشف الفرص التي تتيحها الاتفاقيات الدولية للتعامل مع هاتين القضيتين والمشاكل التي تنجُم عنها، ويَدرس التطورات التكنولوجية والأهداف السياسية التي يمكن السعي لتحقيقها من أجل إحداث التغييرات الضرورية. ويمثِّل هذا الكتاب جهدًا مشتركًا بين اثنين من الكتَّاب من خلفيتين مختلفتين تمامًا — الهندسة والعلاقات الدولية — وهو موجَّه إلى القراء المثقفين ولكن غير المتخصصين ممن لم يحصلوا على أي درجات علمية في العلوم أو العلاقات الدولية.

يتناول الكتاب الأسئلة الصعبة المطروحة حول الطاقة والبيئة، ومع الاحترار العالمي على وجه الدقة، من وجهتَيْ نظرٍ متداخلتين؛ واضعا في الاعتبار الخيارات الفنية المتوفرة، ولكن في سياق القرارات السياسية والمفاوضات التي ترتبط بها ارتباطًا وثيقًا. وفي كلا هذين المجالين، نخاطب القارئ العادي غير المتخصص. ونرسم سياسات مهمة يمكن أن تُحدِث فارقًا عند تنفيذها، ونقترح خطوات محدَّدة ونضع قائمة أولويات.

أخطاء على الطريق

يسعى هذا الكتاب إلى التنقُّل بين نقيضين. فنحن نعتقد أن ظاهرة الاحترار العالمي تَحدث، وأن تصرفات البشر عامل رئيسي في ذلك الاحترار، ولكننا لسنا مقتنعين بأن كل شيء سيضيع إذا لم تُطبَّق على الفور. وفي كل مكان تغييراتٌ هائلة في السياسات وأنماط الحياة؛ فلدينا وفق حساباتنا «فرصة سانحة» لفترة من عشرة إلى عشرين عامًا لوضع سياسات ستكون فاعلة في تسهيل التكيُّف مع المستويات الحالية من الاحترار العالمي، والتخفيف من أسوأ آثار الزيادة الخطيرة للغاية والطويلة الأمد في درجات الحرارة العالمية.

سوف تكون هذه السياسات مكلِّفة، وسوف تتطلب مواءمات صعبة على نحو متزايد بينما يجري تدشين اقتصادِ طاقة جديدٍ، وسوف تحدث «صدمات» سياسية وأخطاء مكلفة على طول الطريق، ولكن التغييرات لن تكون بالغة التكلفة أو مستنزفة بما لا طاقة لنا به ولن تُباغتنا «إذا» لم نستخدم الشكوك والصراعات الأيديولوجية كأعذار للمماطلة.

تعهدا المؤلفان في هذا الكتاب بتقديم منهج عملي لتناول مجموعة واسعة من التحديات، ولكن ندرك أيضًا أن كثيرًا من القراء يريد شرحًا إضافيًّا حول بعض القضايا الفنية، حتى عندما يكونون على دراية كافية فيما يتعلَّق بالتداعيات السياسية. ونتيجة لذلك، يتناول العديدُ من الفصول الأفكارَ العلمية التي تشكِّل الأساس للعديد من المقترحات الفنية المذكورة ويشرحها، والهدف في كل حالة هو تقديم خلفية كافية لفهم أكمل للتفاصيل التي تنطوي عليها.

يضع فصل «نظرة عامة على نطاق العمل» مناقشة الطاقة في إطار دولي من خلال معالجة مسائل العرض والطلب على أنواع الوقود الحفري الرئيسية في ضوء الزمان والمكان. ونقدم الوحدات الشائعة لقياس الطاقة والكهرباء (الميجاواط والجيجاواط) ووحدات قياس كميات النفط (الجالون والبرميل) من أجل تذليل المقارنات الكمية اللاحقة. وسوف تُستخدم بعد ذلك في فحص الأرقام المعروفة — سواء الحقيقية أو المشكوك في صحتها — بشأن الاحتياطيات الطويلة المدى. وفوق كل ذلك، يركِّز النقاش على إدراك أن الطاقة قابلة للتحويل، وعلى فكرة أن البشر لا يصنعون الطاقة، ولكن بدلًا من ذلك تَعلَّمْنا تحويلها من صورة متاحة إلى أخرى أكثر فائدةً لأغراضنا. تشكِّل هذه الفكرة الجوهرية أساسَ كل الأعمال الهندسية الرائعة التي سبَّبت تغييرات جذرية في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية في القرنين التاسع عشر والعشرين المنقضيَيْن، وهي الأساس الذي بُنِي عليه الفصلان التاليان حول «الطاقة المتجددة» و«تخزين الطاقة».

في الفصلين الخامس والسادس، تناولنا الطاقة الشمسية وارتباطاتها مع التكنولوجيات المختلفة الخاصة بالوقود الحيوي وطاقة المياه والرياح. ولكن ثمة أيضًا أسئلة مهمة يجب طرحها والإجابة عليها حول الطاقة التي تُوصَف بأنها طاقة متجددة؛ وذلك لأن عددًا كبيرًا من النتائج السياسية والاقتصادية تعتمد على تعريف هذا المصطلح. وبما أن مصادر الطاقة المتجددة تحصل على المنح الحكومية والمزايا الضريبية في كلٍّ من الساحتين المحلية والدولية، فمن المهم تقييم إنْ كان المستفيدون من المعاملة التفضيلية في الواقع يُسهمون في الأهداف التي حفزت وضع التشريعات في المقام الأول، أو إن كانوا مجرد متطفلين يبحثون عن الربح من خلال توصيفهم بأنهم متعهدو سلع أو مصنعون لمعدات يمكن وصفها بأنها متجددة.

كارثة ناشئة!

يستعرض فصل «تخزين الطاقة» مجموعة واسعة من التكنولوجيات القائمة و/أو المقترحة التي تخدم هذا الغرض، ويسلِّط الضوء على نقاط القوة والضعف لكلٍّ منها. ويأخذ الفصل بيد القارئ لفهم السبب في أن التخزين الموسع أمر حيوي في تطوير جميع مصادر الطاقة المتجددة، ولإدراك أن بعض التكنولوجيات هي في الواقع أجهزة تخزين، مع أنها قد لا تبدو على الفور ضمن هذه الفئة.

ويتقصى الفصل السابع القيود السياسية المحلية والدولية التي أخَّرت أو عرقلت الاستجابة السريعة والفاعلة حيال تغيُّر المناخ. ربما نعلم، بوجه عام، الكثير من الأشياء التي يجب أن نفعلها، ولكن إن لم نتمكن من إزالة أو إصلاح العقبات السياسية، ربما نجد أنفسنا نتعامل مع الاحترار العالمي باعتباره كارثة ناشئة. وينتقد الفصل السابع فشل المفاوضات في الماضي، وفي الوقت ذاته يُرسي ما يمكن القيام به لتحسين آفاق إجراء مفاوضات أنجح في المستقبل. ويضيف الفصل الأخير «آفاق ما بعد كوبنهاجن» بعض التعليقات الأخرى حول إمكانيات الإصلاح.

أما الفصول الثامن والتاسع والعاشر، فموجَّهة نحو المستقبل القريب ولكن ليس القريب للغاية؛ فنقترح سلسلة من الخطوات التي ينبغي اتخاذها ووضعها في شكل قائمة أولويات مع تحديد تواريخ لها. ويقع كثير من هذه التحركات في عالم التكنولوجيا، ولكنها تشمل أيضًا خطواتِ تفاوض وتغيير في السياسة على المستوى الدولي وكذلك المحلي. ويبدو في بعض الأحيان أن التفاوض مع الكونجرس الأمريكي لدينا صعب، وأحيانًا أكثر صعوبةً من التوصُّل إلى اتفاق في الخارج.

يناقش الفصل الحادي عشر ما حقَّقه مؤتمر كوبنهاجن في ديسمبر ٢٠٠٩ وما لم يحققه؛ هل كان تمرينًا مفيدًا في وضع السياسات الدولية، أم كان مضيعة للوقت والموارد؟ وسوف نعود أيضًا في هذا الفصل إلى بعض الأسئلة السياسية المتروكة دون إجابة في الفصل السابع، لا سيما حول تأثيرات الرأي العام وإمكانات الإصلاحات التي قد تولِّد استجابات أكثر فاعليةً لتغيُّر المناخ.

وأخيراً يمكن تلخيص الموضوع الرئيسي للكتاب في هذه العبارة: «لم يفُت الأوان بعدُ». توجد فرصة سانحة تمتد لعَقد أو عَقدين، وخلالها يمكن لمجموعة متنوعة من الإجراءات الفنية والسياسية أن تقدم درجات مختلفة من الوقاية أو التحسين أو العلاج أو ثلاثتها لأكثر الأضرار فظاعة لكوكبنا وسكانه. نهجُنا براجماتي، فنحن نشير إلى أولويات البدائل الممكنة، ونشدد على قرارات أخلاقية وعملية أيضًا، وسنحاول إظهار أن العدالة والإنصاف بين الأجيال، وهي مكونات أساسية وضرورية لأيِّ قرارات قد تُحدِث نوعا من التغيير في هذا الملف الخطير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى