بروفيسور بجامعة الملك عبد الله للعلوم يلقي محاضرة في مؤتمر “تيد” عن الأعشاب البحرية
ألقى البروفيسور كارلوس دوارتي، الاستاذ المتميز في علوم البحار، واستاذ كرسي طارق أحمد الجفالي لعلوم أحياء البحر الأحمر في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، محاضرة في مؤتمر “تيد” الدولي الشهير تناولت أبحاث الجينوم التي أجراها مع فريقه على مدار السنوات السبع الماضية، وتحديداً على نوع محدد من الأعشاب البحرية يعرف باسم (الحزامية البحرية- Zostera marina). وتعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي يتم فيها عمل تسلسل جينومي كامل لجنس من نبات كاسيات البذور البحرية أو النباتات البحرية المزهرة. وفقاً لموقع الجامعة على الانترنت.
يقول دوارتي: ” يوجد حوالي ٧٠ نوعًا من الأعشاب البحرية فقط تمكنت من غزو المحيطات، واستطعنا باستخدام تقنيات التسلسل الجيني أن نحدد نسخ من نبتة “بوسيدون المحيطية” بين جزيرتي فورمينتيرا وإيبيزا قبالة السواحل الاسبانية في البحر الأبيض المتوسط، وهي نوع من الأعشاب البحرية السائدة في البحر الأبيض المتوسط، والتي تمتد حتى ١٥ كيلومترًا في الحجم الخطي، وبإمكانها أن تغطي جزيرة مانهاتن الامريكية بأكملها! “.
كما تستطيع هذه الأعشاب البحرية الانتشار على طول قاع البحر وأن تنمو بشكل كبير لتشكل مستنسخات ضخمة كتلك الموجودة في منطقة البحر الأبيض المتوسط الإسبانية، والتي يقدر عمرها بـ ٢٠٠,٠٠٠ عام.
ولا شك أن هذه الأعشاب تلعب دورًا حاسمًا في دعم الحياة البحرية وحماية السواحل من التآكل، فضلاً عن قدرتها على عزل الكربون من الغلاف الجوي، وهذه السمة الأخيرة ذات أهمية خاصة لدوارتي وفريق كاوست خصوصاً فيما يتعلق بارتباطها بجنس اعشاب الحزامية البحرية.
الأعشاب البحرية وعزل الكربون
يُقدِر العلماء أن هكتارًا واحدًا من هذه الأعشاب البحرية في البحر الأبيض المتوسط تستطيع عزل كمية من الكربون تساوي ١٥ هكتارًا من غابات الأمازون المطيرة. ويوضح دوارتي سبب ذلك بقوله:” أولاً، هذه الأعشاب البحرية هي من بين أكثر النظم البيئية إنتاجية في الأرض، حيث تضخ كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون في المواد العضوية من خلال عملية التمثيل الضوئي، ويتم تخزينها مباشرة تحت سطح الأرض وفي منطقة الجذور. كما يقوم غطائها النباتي الكثيف بترشيح الجزيئات التي تترسب في قاع البحر، حيث تتحلل ببطء نتيجة انعدام الأكسجين، ولأنه لا توجد حرائق في قاع البحر لا تعود هذه المواد ككربون للغلاف الجوي كما هو الحال في الغابات على اليابسة، الأمر الذي يدعم تخزينها تحت سطح الارض لفترة طويلة جداً”.
تنمو أعشاب البحر الأبيض المتوسط عمودياً من قاع البحر بمعدلات تتراوح بين سنتيمتراً واحداً إلى أربعة سنتيمترات كل عشر سنوات، ويبلغ طول غطائها النباتي نحو أربعة أمتار وبكثافة ١١ مترًا على مدار ٥٠٠٠ عام من التوسع. ويعتقد دوارتي أن هذه الخصائص الفيزيائية تجعل من حماية الأعشاب البحرية وترميمها حلاً رئيسياً ليس فقط في معركتنا ضد تغير المناخ، ولكن أيضًا في الارتفاع اللاحق لمستوى سطح البحر وزيادة العواصف البحرية.
ومن ناحية أخرى، أوضح دوارتي في حديثه أن عمل ذلك سيكون صعباً من الناحية العملية لأسباب عدة منها أننا لا نعرف كمية الأعشاب البحرية التي يجب حمايتها، مع تقديرات أولية تشير إلى ما بين ١٥٠ ألف ومليون كيلومتر مربع، حيث لا يمكن رصدها من الفضاء الا إذا كانت في تجمعات ضحلة، في حين أن المسح باستخدام الغواصين مكلف جداً وقد يستغرق وقتًا طويلاً.
حدد دوارتي طرق مسح جديدة تعتمد على رصد وتتبع السلاحف الخضراء وأسماك قرش النمر من خلال التعاون مع منظمة تحت الأمواج (Beneath The Waves)، حيث كشفت الدراسات الحديثة أن الأعشاب البحرية تتعافى في مناطق مثل أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأقصى ، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى عمليات الحفظ والترميم. على سبيل المثال، في المياه الساحلية لولاية فيرجينيا، تم نشر حوالي ٧,٥ مليون بذرة من بذور الأعشاب البحرية والتي نمت بحلول عام ٢٠١٨ وغطت مساحة ٢٠ كيلومترًا مربعًا.
الأمن الغذائي
وجد فريق أبحاث دوارتي في مركز أبحاث البحر الأحمر في كاوست أن ثمانية تغييرات رئيسية في الجينوم كانت مطلوبة لتحقيق الهدف الأسمى في تطور النبات للنمو في البيئات البحرية والمحيطات عبر تحديد الجينات التي تعطيها القدرة على التكيف في بيئات المياه المالحة، والتي يمكن أن تحمل مفتاح مستقبل إنتاج الغذاء والأمن الغذائي في العالم.
وشرح دوارتي: “لقد زرع صديقي أنجل ليون، طاهي ميشلان الحاصل على ثلاث نجوم، لأول مرة حقلاً من نفس الأعشاب البحرية، التي تعرف بـ”الحزامية البحرية”، وتمكن من جمع بذورها واستخدامها لإعداد رز بحري صحي. ولا يحتاج هذا المحصول لمياه عذبة، ويمكن جمع بذوره دون قطف، إضافة لدوره في عزل الكربون ودعم التنوع البيولوجي البحري”.
في الواقع، قد تساعدنا دراسة تكيف أعشاب” الحزامية البحرية” في فهم الطريقة التي تمكن نباتات المحاصيل الأخرى مثل الأرز أن تتكيف مع النمو في بيئات المياه المالحة. وعلى ضوء أبحاثه والأبحاث الأخرى في كاوست، يعتقد دوارتي أن لدينا فرصة فريدة لإعادة بناء الحياة البحرية من خلال استعادة الأعشاب البحرية وترميمها ، وهو احتمال يمكن أن يغير مسار جهودنا لمكافحة تغير المناخ ويعزز قدراتنا في زراعة الغذاء.
وختم دوارتي حديثة في مؤتمر “تيد” بقوله:” ستساهم جهود الحفظ الجبارة والحاسمة خلال العقود الثلاثة القادمة بجعل محيطاتنا أكثر صحة وحيوية لأحفادنا، وستقدم لنا فرصة كبيرة للتغلب على ظاهرة تغير المناخ “.
عن البروفيسور كارلوس دوارتي
الانتماءات: علوم البحار, العلوم البيولوجية
المؤهل العلمي
دكتوراه – جامعة مكغيل، مونتريال، كندا، ١٩٨٧م
بكالوريوس علوم الاحياء، جامعة مدريد المستقلة، ١٩٨٢م
الاهتمامات البحثية
تتركز أبحاث البروفيسور كارلوس دوارتي على دراسة آثار تغير المناخ العالمي على النظم البيئية “الايكولوجية” البحرية، مع تناول جميع مكوناتها- التي تمتد من الكائنات الحية الدقيقة “الميكروبات” إلى أن تصل إلى الحيوانات الضخمة أو العملاقة.
يتضمن بحث د. دوارتي عنصرين بحثيين منفصلين ولكن متكاملين، أولهم يهتم بموازنة العناصر وعملية التمثيل الغذائي وارتباطهما بالفضاء، والعنصر الاخر يهتم باستقرار وديناميكية الموائل البحرية والحفاظ على التنوع البيولوجي وذلك يشمل الخصائص السكانية، شغل المساحات وتدفق وانسياب المورثات. ويتناول بحث د. دوارتي بشكل متوازن التفاعل بين الأرض وعلم الاستدامة، والذي ينطوي على عناصر متداخلة بشكل متزايد.