“التجربة الإندونيسية في التعليم: من المركزية إلى اللامركزية
استطاعت إندونيسيا، عبر تطوير كبير وشامل لنظام التعليم، أن تشق طريقـًا نحو نهضتها، وحققت نجاحات كبيرة، وانضمَّت إلى كبار النمور الآسيوية. وخِلال السنوات القليلة الماضية شهدت إصلاحات عديد للارتقاء بالمنظومة التعليمية، اشتملت على تطبيق اللامركزية في الإدارة المدرسية، ورفع كفاءة الموارد البشرية، وإعادة صياغة المناهج، بما يتلاءم مع احتياجات المُجتمع، وسوق العمل.
ومع بدايات القرن العشرين، بدأ الشعب الإندونيسي، يُطالب بإصلاح التعليم، من كافة جوانبه، وقد استجاب المُستعمر الهولندي آنذاك لبعض هذه المطالب، إلاَّ أنه حرص على امتلاك السطوة على المنظومة التعليمية.
وعقب الحرب العالمية الأولى، أنشئت إدارة المعارف، برئيس هولندي، وكذا جل موظَّفيها من الهولنديين.
• تنتظم شؤون التعليم في إندونيسيا ضمن فئتين:
ــ الأولى: التعليم الهولندي الخاص، وأُطلق عليه (مدارس الحكومة)، وكانت الدراسة فيه تتم باللُغة الهولندية، ويتضمن المراحل التالية:
التعليم الأوّلي؛ ومدته سنتان. التعليم الابتدائي؛ ومدته سبع سنوات.
التعليم الفني؛ ومُدته ثلاث سنوات، ثم التعليم الثانوي، ومدته خمس سنوات، وأخيرًا التعليم العالي، ومدته خمس سنوات.
ــ الثانية : التعليم الإندونيسي الوطني، وأُطلق عليه (مدارس عامة)، التعليم فيه مُختلط، وبمصروفات، ولُغة الدراسة هي اللُغة المحلية، ومُعظم خِريجيه يلتحقون بمدارس إعداد المُعلِّمين، للعمل بالمدارس الأوَّلية والابتدائية، ويتضمن المراحل التالية : التعليم الأوَّلي، ومدته ثلاث سنوات، التعليم الابتدائي، ومدته ثلاث سنوات، مدارس تخريج المُعلِّمين، ومدتها خمس سنوات.
التعليم بعد الاستقلال
تغيرت أوضاع التعليم عقب نيل إندونيسيا استقلالها، وانتشرت المدارس الإسلامية بشكل كبير، وفي ضوء ذلك وضِع نظام جديد، يجعل التعليم على صِنفين:
– التعليم العام، الذي يُمارس في المدارس الحكومية، ويُدار من قِبل وزارة التربية.
– التعليم الديني، الذي يُمارس في مدارس حكومية وخاصة، ويُدار من قِبل وزارة الشؤون الدينية، وهو ينقسم إلى شعبتين:
ــ الشعبة العامة : وفيها تعليم كمِّي يتجه إلى عامة الشعب، همُّه الرئيس محو الأُميَّة دون عُمق.
ــ الشعبة الخاصة: وفيها تعليم نوعي ونخبوي، يسعى إلى تخرج طبقة مؤهَّلة للقيادة، وشغل المناصب الهامة.
5 خطط قومية للنهوض بالتعليم
وفي نهاية الستينيات، سعت الحكومة إلى وضع مُخطط قومي طويل المدى، يُعوِّل على تطوير التعليم العام، في إطار أهداف رئيسة، تتضمن استراتيجية بناء النهضة المُجتمعية، التي اعتمدتها الحكومة الإندونيسية، وذلك على النحو التالي:
ــ الخِطة القومية الأولى، بدأت في العام الدراسي 1969/1970م، وانتهت في العام الدراسي 1974/ 1975م، والهدف منها المُساهمة في بناء قيادات قادرة على الدفع بالقطاع الزراعي إلى الأمام.
ــ الخِطة القومية الثانية، بدأت في العام الدراسي 1975/ 1976م، وانتهت بالعام الدراسي 1979/ 1980م، والهدف الرئيس منها المُساهمة في بناء كوادر قادرة على قيادة قاطرة الصناعات الزراعية، والعمل على تطويرها.
ــ الخِطة القومية الثالثة، بدأت في العام الدراسي 1980/ 1981م، وانتهت بالعام الدراسي 1984/1985م، وتركَّزت على المُساهمة في بناء قاعدة عريضة، من الفنيين المَهرَة، في مجال الصناعات الخفيفة.
ــ الخطة القومية الرابعة، بدأت في العام الدراسي 1985/ 1986م، وانتهت بالعام الدراسي 1989/ 1990م، وهدفها الرئيس المُساهمة بشكل فاعل في تطوير منظومة الأمن القومي، من خلال تخريج دُفعات على دراية علمية بهذا القطاع.
ــ الخطة القومية الخامسة، بدأت في العام الدراسي1990/1991م، وامتدت إلى العام الدراسي1994/ 1995م ، واستُهدِف منها المُساهمة في تطوير الصناعات الثقيلة.
الانتقال من المركزية إلى اللامركزية
وتواصلت عمليات تطوير و إصلاح التعليم في إندونيسيا، ففي عام 2003م حدثت نقلة نوعَّية في المنظومة الإدارية للتعليم، واكبت التحوُّل السياسي في البلاد، والانتقال من النظام الأوتوقراطي، إلى النظام الديمقراطي، حيث بدأ التحوُّل التدريجي من نظام مركزية التعليم إلى اللامركزية، وبحسب ف.جيونو، فإن النموذج الاندونيسي، بتطبيق اللامركزية في إدارة التعليم، يتألَّف من خمس مُكوِّنات رئيسة، هي:
(1) الإدارة المدرسية، تتمثل أهدافها في:
ــ تطوير وتنمية القيادات الإدارية في المدارس.
ــ تطوير الخِطط المدرسية.
ــ الرقابة على العمليات الإدارية في المدارس.
ــ إيجاد تفاعل وتواصل مُستمر بين أفراد المُجتمع والمدرسة، والـتأكيد على ضرورة مُشاركة المُجتمع في كُل ما من شأنه أن يرتقي بالعملية التربوية.
ــ ضمان تطبيق المدرسة للأهداف التي رُسِمت لها.
(2) العمليات التربوية والتعليمية، والتي تتمثل أهدافها في:
ــ الارتقاء بالمُستوى التعليمي للطُلاَّب.
ــ تطبيق برامج تعليمية مُتطوِّرة، تتناسب مع احتياجات الطُلاَّب.
ــ الإشراف الفعَّال، لسير العمل في المدارس.
ــ التركيز على تنمية الجوانب الشخصيَّة للطلاَّب، بما يتلاءم مع مُتطلَّبات الحياة المُعاصرة .
(3) الموارد البشرية، وتتمثل أهدافها في :
ــ التوزيع الصحيح للمُعلِّمين في المدارس، بما يتلاءم مع الاحتياجات الفِعلية لكُل مدرسة.
– إثراء الهيئة التدريسية، والهيئة الإدارية في المدارس، بالمعلومات الكافية فيما يتعلَّق بتطبيق اللامركزية، في إدارة المدارس.
ــ تقديم برامج مُستمرَّة في مجال الإنماء المهني .
(4) الوظائف الإدارية، وتتمثل أهدافها في:
– تحديد وتوزيع الاحتياجات الأساسية لكُل مدرسة.
– إدارة الموازنة المالية المُخصصة للمدرسة.
– توفير الدعم الإداري للمدرسة.
– مُتابعة الاحتياجات الإصلاحية للمدرسة.
(5)المجالس المدرسية، التي تتألَّف من مجلس إدارة المدرسة، ومجلس الآباء والمعلمين، وتستهدف:
– انتخاب مُدير المدرسة.
– جمع التبرُّعات لصالح المدرسة.
– الإشراف على ميزانية المدرسة.
الارتقاء والتطوير
وعن تجربة إندونيسيا في التحوُّل من المركزية إلى اللامركزية في التعليم، أشارت أكثر من دراسة علمية حديثة إلى أن التجربة تـُحقِق نتائج فِعلية على أرض الواقع.
ورغم حداثتها، فإنها تخطو بثبات نحو الطموحات المأمولة، وساهمت بشكل كبير في إيجاد مجالات أوسع لتطوير المدارس والارتقاء بها، واتـَّفق عدد كبير من مُديري المدارس والمعلمين، بأنها أتاحت لهم الفُرصة لصياغة القرارات، وِفق رؤية مُشتركة، وبطريقة ديمقراطية، وجعلت أبواب المدارس مفتوحة، لتلقّي المزيد من الآراء والاقتراحات البنـَّاءة، التي يُمكن أن يُعوَّل عليها في رفع مُستوى المدارس على نحو أفضل.
كما أن تطبيق اللامركزية جعل جميع مُنتسبي المدارس أكثر حرصـًا على المُشاركة بفاعلية، وتحمُّل المسؤولية كّلٍ في مجال اختصاصه، بهدف تحقيق الرؤية والرسالة المدرسية.
وحول تأثيرها على تطوير المناهج، تبيَّن أنها ساهمت في توسيع دائرة الأنشطة غير الصيفية الداعمة للمناهج، كما أن المناهج صارت مبنيَّة على معايير ثابتة، وظهر لأوَّل مرة منهج مُتخصص في تقنية المعلومات، لم يكن موجودًا في فترة النظام التعليمي المركزي، وحدث تنوُّع غير مسبوق في المناهج، بما يُثري عقول الطُلاَّب.
المراحل التعليمية
يتبع النظام التعليمي المُتـَّبع حاليــًا في إندونيسيا النهج المُتـَّبع في كثير من الدِول الغربية والشرقية أيضاً، فيما يتعلَّق ببُنيان السلم التعليمي، الذي يتألَّف من المراحل الآتية:
– مرحلة رياض الأطفال: غير إلزامية، يلتحق بها الأطفال لمُدَّة سنتين (من سن 4 إلى 6 سنوات)، وجل ما يُقدَّم فيها أنشطة غير منهجية (تشكِّل نحو 90%)، إلى جانب تعليم مهارات الكتابة، وبعض العمليات الحسابية، وتـُدار من قِبل الهيئات الحكومية، كما يُشارك القطاع الأهلي بإدارة عدد ليس بالقليل منها، وجلها تتركَّز في المُدن، ونادرًا ما توجد في المناطق الريفية، ونِسبة المُلتحقين بها في الوقت الحاضر، نحو 4% فقط، من عموم الأطفال في الفِئة العمرية 4 : 6 سنوات.
– مرحلة التعليم الأساسي؛ تشتمل على مرحلتين فرعيتين:
ــ الأولى: مرحلة التعليم الابتدائي، إلزامية، ومُدَّة الدراسة بها ست سنوات، ويلتحق بها الأطفال من 6: 12سنة، وتـُغطِّي مدارسها مناطق البلاد كافة، إلاَّ أن النمو السُكَّاني السريع، لا يسمح بتحقيق نِسبة الاستيعاب الكامل.
وتـُدرَّس المناهج في كثير من جُزر الأرخبيل، باللُغة المحلِّية، في الصفوف الثلاثة الأولى، ثم تكون الدراسة بعدئذ باللُغة القومية، وهي لغة البهاسا bahasa أو الإندونيسية والتربية الدينية إجبارية وفقــًا لديانة الطالب، والاختبار يأخذ بنظام السنة الكاملة، حيث يُجرى في نهاية العام الدراسي لجميع الطُلاَّب.
والمُستَهدَف من هذه المرحلة، بحسب مُخطط التعليم العام، إلمام التلاميذ بالمبادئ الخمسة، التي وردت في دستور البلاد، وهي: الألوهية المُنفردة ــ القومية الإندونيسية ــ العدالة الاجتماعية ــ الإنسانية المُثقفة ــ الديمقراطية الشعبية، إلى جانب الإلمام بمجموعة من المعارف والمهارات والسُلوكيات.
ــ الثانية: مرحلة الثانوية الدنيا، وهي تـُعادل في العالم العربي، التعليم الإعدادي أو المُتوسِّط، مُدَّة الدراسة بها ثلاث سنوات، تـُغطِّي الفترة العُمرية من12: 15سنة، وهي على نوعين:
ــ تعليم ثانوي عام (أكاديمي).
ــ تعليم ثانوي فنـِّي أو مِهني (تجاري ــ تقني ــ اقتصاد منزلي).
– مرحلة الثانويـة العُليا، وهي تـُعـد امتدادا للمرحلة السـابقة، مُدَّة الدراسـة بها ثلاث سنوات، تـُغطِّي الفترة العُمرية من15: 18سنة، وهي أيضــًا تشتمل على نوعين من التعليم:
ــ تعليم أكاديمي، يُفضي إلى الالتحاق بالجامعات، لمن يتجاوزون اختبار سنتهم النهائية.
ــ تعليم فنـِّي أو مِهني، يُفضي للالتحاق بالمدارس العُليا في الصيدلة، أو المدارس العُليا في الاقتصاد، أو المدارس العُليا في تكنولوجيا الزراعة، أو المدارس العُليا في التمريض، أو المدارس العُليا في علوم البحار، أو المدارس العُليا للسياحة والفنادق، أو المدارس العُليا في الميكانيكا، أو المدارس العُليا في التجارة والمُحاسبة.