مهن ابداعية

تعزيز موسيقات الشعوب.. فن وعلم وتنمية

منذ عقود ونحن نقرأ دراسات إثنوجرافية نظرية لفنون المجتمعات المحلية المصرية في سلسلة “التراث الشعبي” التي كان يشرف عليها الراحل عبد الحميد يونس والتي كانت تصدر عن الهيئة العامة – المصرية – لقصور الثقافة، وأطلعنا –مثلا – المشروع القومي للترجمة على ترجمة للدراسة الألمانية التي أنجزت في ثلاثينيات القرن العشرين لواحة سيوة وموسيقاها، لكننا أبدا لم نسمع عن مبادرة أهلية من آلاف الموسيقيين لاستخدام العلم الحديث لإدارة المشاريع الموسيقية من أجل تسجيل، وحفظ، وتوثيق، وتعزيز موسيقات تلك المجتمعات، واستخدامها مدخلا لتنمية عشرات الآلاف من حملة هذا التراث الحي في مجتمعاتهم.

موسيقات الشعوب والقبائل الهندية

لكن مؤسسة واحدة أسسها مجموعة من شباب الموسيقيين الهنود المتسلحين بالعلم حملت على أكتافها عبئ القيام بتلك المهمة لصالح موسيقات الشعوب والقبائل الهندية في بلد يتجاوز عدد سكانه المليار ومائتي مليون نسمة.

مؤسسة أناهاد Anahad Foundation هي منظمة موسيقية تعمل من أجل الاعتراف بالموسيقى الثقافية والكلاسيكية والفلكلورية في الهند والحفاظ عليها وتطويرها للجمهور المعاصر، والمؤسسة هي شركة اجتماعية تم تسجيلها كمؤسسة “غير ربحية” في عام 2013 من قبل أبهيناف أجراوال Abhinav Agrawal، بدافع أساسي وهو إنشاء منصات للموسيقيين الشعبيين للبلاد، وكذلك معالجة المشاكل الاجتماعية والبيئية وغيرها في مجتمع اليوم، من خلال الموسيقى.

تعزيز موسيقات الشعوب.. فن وعلم وتنمية
تعزيز موسيقات الشعوب.. فن وعلم وتنمية

تسجيل وتخزين وإنشاء الهوية الرقمية

في حوار له مع موقع “ذا بتر إنديا The Better India” في نوفمبر 2017 يقول أبهيناف: أنه بدون وجود طرق لتسجيل وتخزين وإنشاء الهوية الرقمية لهؤلاء الفنانين الشعبيين، ستظل أعمالهم تعاني من العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي لا تعد ولا تحصى. بما يهدد هذه القطع الأثرية الثقافية الثمينة، ومن ثم حددت المؤسسة التي الذي يواجهها متمثلا في التحضر والتهميش الثقافي، حيث التحول في المجال الثقافي للبلاد فيتم تسويق لون معين من الموسيقى الثقافية بما يتناسب واحتياجات السوق الحضرية في حين يتم تجاهل الباقي في الخلف، ومن ثم تم تحديد الحل في توفير آليات الإنتاج المناسبة لذا فإن المؤسسة وفريقها من المتطوعين يسافرون إلى القرى القبلية باستوديو متنقل لتسجيل أعمال هؤلاء الفنانين في إطار مبادرة “مشروع المساواة”، التي تجلب المجتمعات الموسيقية القبلية الشعبية إلى التيار العام للموسيقى في الهند.

حقوق التأليف

وبمجرد أن يتم تدقيق أصالة العمل، يتم تحويله إلى تنسيق رقمي، ويتم بعد ذلك منح حقوق التأليف والنشر لهذه التركيبة للمؤلف. بعد ذلك تساعد المؤسسة في عملية إنشاء موقع على شبكة الإنترنت للفنان المعني، مع فيديو موسيقي لأدائه.

ولحماية الفنانين الشعبيين في القبائل من استفلال وكلاء الفنانين الذين يأكلون حقوقهم ويتركونهم فقراء، ومن ثم تعمل المؤسسة على تأهيل أحد أفراد الفرقة، أو أحد من مجتمعهم للقيام بهذه المهمة سواء عبر فهم العقود المختلفة للأداء أو عبر تزويدهم بما يلم من بطاقات عمل وأقراص مدمجة لأعمالهم.

كما يتم دعوة علماء الموسيقى من جميع أنحاء العالم لدراسة هذه الموسيقى من أجل عملية التوثيق، كما يتم التعاون مع منتجين هنود ودوليين من أجل فتح المجال لهؤلاء الفنانين أمام جمهور أكبر مع السعي لتطوير أساليب الأداء.

مهام المؤسسة

وتلخيصا فإن المؤسسة تقوم بعدة مهام تجاه موسيقات شعوب وقبائل الهند، أولا خدمة الإنتاج بتحويل الملكية الفكرية لشكل ملموس يساعدهم على الاتصال بجمهور أكبر، تأسيس صفحات و/ أو مواقع خاصة لهؤلاء الفنانين حتى يستطيعوا التواصل مع جمهورهم. ثالثا حماية الملكية الفكرية لهؤلاء الفنانين من الاستخدام إلا بإذنهم، رابعا إجراء بحوث ثقافية حول الأشكال الفنية للتراث الغنائي والموسيقي وإتاحة تلك الدراسات في مكتبة مفتوحة حول موسيقات شعوب الهند، خامسا الدخول في مشاريع تعاون من أجل زيادة الطلب على تلك الموسيقات، وإتاحتها بما يناسب الجمهور المعاصر، سادسا توسيع فرص الأداء العلني ومن ثم التواصل مع جمهور أوسع لهؤلاء الفنانين.

ولأن المؤسسة حديثة النشأة فإنها لم تغطي الهند بكاملها بالطبع، لكنها وضعت أقدامها على طريق بالغ الطول، بثبات يوفره العلم والمهنية الاحترافية في الأداء حتى وإن كان الهدف ليس هو الربح، وإنما تنمية موسيقات الشعوب والقبائل الهندية والقائمين بأدائها ومجتمعاتهم.

د. مجدي سعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى