منوعات

التربية الدامجة- مرتكزات و مبادئ

 التربية عملية اجتماعية تمكن الفرد من الاندماج داخل المجتمع بتنمية وصقل كل جوانب شخصيته، و بالتالي فإن الانخراط في النسيج المجتمعي يستلزم تمكين كل الأطفال من مجموعة من المهارات التي تنمي شخصيتهم كي يصبحوا مؤهلين ليكونوا فاعلين بالمجتمع، و هذا الدور منوط ، إلى جانب مؤسسات أخرى تسهم في التنشئة الاجتماعية،  بالمدرسة التي من الواجب أن تراعي الفروقات المختلفة بين الأطفال، وهذا هو ما تسعى إليه التربية الدامجة كنظام يمكن كل الأطفال من الحق في التمدرس.. ويعتبر ذوي الإعاقة الفئة الأقل استفادة من الخدمات التربوية نظرا لخصوصياتهم، فهم يعانون من تمييز مزدوج في حقهم:

من جهة نجد معاناتهم من نفس الحواجز التي تحول دون التمدرس بوجه عام كالحواجز التي يعاني منها أطفال الوسط القروي، ومشاكل تمدرس الفتاة،  ومن جهة أخرى اصطدامهم بصعوبات خاصة ترتبط بإعاقتهم كالتصورات الاجتماعية، والولوجيات، وضعف مستوى تكوين الأطر التربوية التي يفترض أن تقوم بتأهيلهم. كما أننا نجد تفاوتات في الاستفادة من التربية داخل شريحة الأشخاص في وضعية الإعاقة نفسهم، حسب نوعية ووضعية الإعاقة. وتأتي التربية الدامجة معترفة بقابلية كل الأطفال للتعلم باحترام الاختلاف مستجيبة لحاجيات كل طفل .

فالتربية الدامجة كما عرفتها منظمة اليونسكو هي تربية مبنية على حق الجميع في جودة التربية، وفي تربية تستجيب لحاجات المتعلم الأساسية، وتثري وجود المتعلمين. ولأنها تتمحور بالخصوص حول الفئات الهشة فهي تحاول أن تطور بالكامل إمكانات كل فرد وبذلك يكون الهدف النهائي للتربية الدامجة هو الجودة وإنهاء جميع أشكال التمييز وتعزيز التماسك الاجتماعي. في نفس السياق تعرف منظمة إعاقة دولية التربية الدامجة على أنها نظام تربوي يأخذ بعين الاعتبار في مجال التعليم والتعلم الاحتياجات الخاصة لكل الأطفال واليافعين الموجودين في وضعية تهميش وهشاشة بمن فيهم الأطفال في وضعية إعاقة، وتستهدف إزاحة التهميش عن الجميع وتحسين شروط التربية للجميع.

فالتربية الدامجة تقوم إذا على دمج فئة من المجتمع من بينها ذوي الإعاقة في المدارس بفضاء يضم كافة الأطفال دون تمييز. هنا تجدر الإشارة إلى مبادئ التربية الدامجة التي تتجلى في المدرسة للجميع دون إقصاء أو تمييز، الحق في جودة التعلم، الإنصاف، تكييف و تطويع التعلم بدل تكييف المتعلم، ثم مبدأ المراهنة على الوساطة الاجتماعية التي تتمثل في الأسر و الزملاء إضافة إلى المربين والأساتذة.

وهنا يتضح لنا البعد الحقوقي للتربية الدامجة من أجل ضمان المساواة و تكافؤ الفرص، وهذه التربية تتميز بمرتكزات، تتجلى في :

  • ما هو اجتماعي – قانوني : حيث نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948 نص ضمن مادته 26 على أن كل إنسان له الحق في التعليم، كما يبرز الحق في التربية الدامجة ضمن القواعد 22 لتكافؤ فرص الأشخاص في وضعية إعاقة وهي القواعد التي حددتها الأمم المتحدة في دجنبر 1993. و تنص القاعدة 6 على ما يلي: ينبغي للدول أن تعترف بمبدأ المساواة في فرص التعليم في المرحلتين الابتدائية والثانوية والمرحلة الثالثة، وذلك ضمن أطر مدمجة، للمعوقين من الأطفال والشباب والكبار. وتكفل أن يكون تعليم الأشخاص المعوقين جزءا ﻻ يتجزأ من النظام التعليمي.
  • ما هو اقتصادي- اجتماعي: إن تواجد الأطفال ذوي الإعاقة في فصول عادية يحيل إلى التربية على المواطنة وعلى العيش ضمن أشخاص مختلفين لكن لهم نفس الحقوق. أما اقتصاديا فقد أوضحت الدراسات أن التربية الدامجة أقل كلفة من الناحية المادية لأن تعليم الأطفال في أقسام عادية  يساهم في تجنب تكلفة المراكز أو المدارس الخاصة.
  • ما هو فلسفي: يعتبر تمتيع الأطفال ذوي الإعاقة بحقهم في التمدرس ضمن فضاءات عادية ومن دون ميز أو وصم أمرا أخلاقيا فيه تبني احترام القيم الإنسانية كتقدير الاخر و الاعتراف بإنسانيته و إعطاء قيمة لإمكاناته كيفما كانت تلك الإمكانيات ، كما تجد التربية الدامجة أيضا مرتكزاتها في فلسفة كونية تروم المساواة و الإنصاف إضافة إلى التعاون والعيش المشترك.
  • ما هو علمي – بيداغوجي: اعتماد الوسائط التربوية كدعامة للتربية الدامجة على أساس أن النجاح في التعلم غير مرتبط بالفرد بقدر ما يرتبط بنوعية وطبيعة هذه الوسائط التربوية إذ أن كل طفل قابل للتعلم  ومصدر العجز مرتبط بالوسيط لأنه لا يجد التقنيات والطريقة الملائمة التي تسمح بنقل المتعلم من منطقة التعلمات التي يمتلكها على قلتها وضعفها إلى منطقة التعلمات المجاورة كما يقول فيكوتسكي ومن تلك المنطقة الثانية التي تتحول إلى منطقة مكتسبة نحو منطقة ثالثة مجاورة للثانية وهكذا دواليك.

نجد أن هناك مقاربات مؤطرة للتربية الدامجة ، فالمقاربة الطبية تعتبر الإعاقة اختلافا وظيفيا جسديا حسيا أو ذهنيا ينتج عنه قصور في الأداء البشري و تكون الأسباب إما عضوية أو مرتبطة بعوامل خارجية. أما المقاربة الاجتماعية  فتربط الإعاقة بالمحيط الاجتماعي و الحواجز سواء بالمؤسسات أو غيرها، كعدم توفر الولوجيات اللازمة لتيسير الخدمات المدرسية. نجد كذلك المقاربة الحقوقية التي تبرز أن الأطفال ذوو إعاقة يتعرضون للتمييز و الحرمان من حقوقهم الأساسية كالحق في التمدرس بسبب القصور الذي يعانون منه.

نخلص إلى أن تنزيل التربية الدامجة و تفعيلها داخل المؤسسات التربوية يستوجب انخراطا مؤسساتيا وحقوقيا، بالالتزام بمقتضيات المواثيق والاتفاقيات الدولية، إضافة إلى نشر ثقافة الوعي بضرورة إنصاف ذوي الإعاقة وتبني المقاربة الحقوقية مع التركيز على محاربة التمثلات الاجتماعية قصد الاستفادة من تعليم دامج يتسم بمواصفات الجودة للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى