منوعات

رسالة البروفيسور الطريقي لمن يهمه أمر ذوي الإعاقة

بقلم: محمد الطريقي

لا يخفى على أي متتبع المجهودات الجبارة، والعناية الكريمة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظهما الله، لتأهيل ورعاية الأشخاص ذوي الإعاقة؛ من أجل النهوض بحقوق هذه الفئة. الجميع يدرك حرص الدولة، أعزها الله، على ضمان استفادة ذوي الإعاقة من جميع الخدمات، والرعاية الخاصة اللازمة لهم على أرقى المستويات، إضافة إلى الحرص على أن تصلهم حقوقهم كاملة، وفق ما تنص عليه المواثيق الدولية؛ بهدف تجنيبهم التهميش والإقصاء، وكذا اللجوء إلى التسول؛ لأن نهج الحكومة السعودية الرشيدة هو تبني المقاربة الحقوقية، بدلاً من المقاربة الإحسانية.

إضافة إلى هذا، تلك المجهودات التي  تبذلها الجهات المختصة والمعنية بالتأهيل والرعاية الاجتماعية، من خلال اعتماد مجموعة من الإجراءات الخدماتية التي ترمي إلى تأهيلهم، ودعمهم، وكذا تيسير دمجهم بالمشاركة في شتى المجالات الحياتية. و يتجلى هذا في تجويد مجموعة من الخدمات الاجتماعية التأهيلية التي تقدمها مراكز التأهيل الشامل في المملكة. هذه الأخيرة التي أخذت على عاتقها منذ عقود أن تضع النهوض بتأهيلهم ودعمهم في مركز اهتماماتها.

 وهذا كله يتماشى وما ترومه مجموعة من المواد بالنظام الأساسي للحكم، ففي المادة 10: “تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة، والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية جميع أفرادها، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم” .  كما تنص المادة 27 على ما يلي:  “تكفل الدولة حق المواطن وأسرته، في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية.

إضافة إلى المادة 31 التي تنص على  ما يلي: “تعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن.”

أما المادة الثانية من نظام رعاية المعوقين فتنص على ما يلي:  “تكفل الدولة حق المعوق في خدمات الوقاية والرعاية والتأهيل، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية في مجال الإعاقة، وتقدم هذه الخدمات لهذه الفئة عن طريق الجهات المختصة في المجالات الآتية:  الصحية، التعليمية التربوية، التدريبية و التأهيلية، العمل، الاجتماعية، الثقافية و الرياضية، الإعلامية ثم الخدمات التكميلية.”    

 ودوليًا نجد الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة  التي صادقت عليها المملكة، والتي تنص على التأهيل وإعادة التأهيل في المادة 26 وذلك بتوفير خدمات وبرامج شاملة، للتأهيل وإعادة التأهيل وتعزيزها وتوسيع نطاقها.  

ونحن الفاعلين في مجال تأهيل ودعم ذوي الإعاقة، قد كان لنا شرف المساهمة في الحملة التي أطلقتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من أجل تحسيس وتوعية وتثقيف أسر ذوي الإعاقة، من نزلاء مراكز التأهيل الشامل بالمملكة، رغبة من الوزارة في تطوير وسائل التأهيل والرعاية الاجتماعية، من خلال إعطاء الخيار للأسر بين إبقاء أبنائهم بمراكز التأهيل الشامل الإيوائية، أو إخراجهم ورعايتهم في المنازل، ومعرفة ما يتطلبه ذلك من تجهيزات مادية ومعنوية ولوجستية.

ومن خلال إلقائنا محاضرة حول التأهيل داخل الأسرة والمجتمع لتلك الفئة الغالية علينا، ضمن البرامج المقدمة لتفعيل حملة  مكاني بينكم”، اجتمعنا بأسر ذوي الإعاقة بمركز التأهيل الشامل بالرياض، وقدمنا لهم محاضرة حول المتطلبات اللازمة التي يجب توافرها في المنزل داخل الأسرة، سواء من حيث التجهيزات، أو من حيث الفضاء الملائم، إضافة إلى القدرات والكفاءة المهنية التي يجب أن تكون لدى الأسرة، ولدى الجهات التي ستقوم بالمساندة في عملية التأهيل والرعاية للشخص ذي الإعاقة.

ونود أن نشير هنا إلى  مجموعة من الملاحظات، والإكراهات، التي أثارتها الأسر، والتي تؤرقهم وتجعلهم قلقين على أوضاع أبنائهم من ذوي الإعاقة؛ لكونهم غير مؤهلين علميًا، ولا مهنيًا، ولا مكانيًا، ولا تجهيزيًا، و لا حتى ماديًا؛ لأن المبالغ التي تمنحها الوزارة لكل ذي إعاقة ضئيلة جدًا، مقارنة مع التكلفة المرتفعة لخدمات التأهيل والدعم، دون إغفال تكلفة التغذية والأدوية والتجهيزات.

نحن نعلم أن هناك خطة لقيام مراكز الرعاية النهارية ومراكز الرعاية الاجتماعية بتقديم بعض خدمات الرعاية والتأهيل المنزلية، إلا أنه لا يخفى على العارفين أن الاحتياجات تفوق الإمكانات، وتبقى الرعاية المنزلية في البدايات، ولا ترقى لسد احتياجات الأسر.

إن إغلاق هذه المراكز يطرح مجموعة من الصعوبات، ويجعل هذه الفئة  تتعرض لانتكاسة وتراجع إلى الوراء؛ بسبب غياب الخدمات الخاصة. هذه الانتكاسة التي تطال أيضا الجانب النفسي الخاص بالشخص ذي الإعاقة، مثل؛ فهم و إدراك ما يحدث بسبب التغير المفاجئ في الروتين اليومي،  وصعوبة التكيف مع نمط الحياة الجديد بالمنزل، إضافة إلى عدم القدرة على التحكم والتعبير عن العواطف. وهذا كله يمكن أن يظهر في أعراض مزاجية -على سبيل المثال لا الحصر- ، كأن يصبح الشخص أكثر عصبية أو أسرع استثارة، أو يبكي بكاء غير مبرر، أو يغلب عليه الحديث عن الخوف، إضافة إلى  تغيرات سلوكية واضحة، كزيادة الحركة أو نقصانها، وكثرة الجدال، واضطرابات في النوم، مع سمات عُصابية مثل قضم الأظافر ومص الإبهام وغيرها، وكذا اضطرابات سلوكية قد تصل إلى العنف تجاه الآخر، أو تعنيف الذات.

إن الحديث عما قد يؤدي له إغلاق مراكز التأهيل الشامل يستدعي عرض مجموعة من التوصيات التي تصب في صالح هذه الفئة التي، حتمًا، ستعاني في صمت؛ من جراء تبعات هذا الإغلاق، والعودة للمنازل، وبالتالي نقترح الآتي:

التريث في عملية خروج الأشخاص ذوي الإعاقة من هذه  المراكز، حتى وإن كان ذلك هو اختيار الأسرة، ورغبتها؛ من أجل ضمان حق هذه الفئة، وتفادي تعريضها للضرر النفسي، والاجتماعي، والصحي.

التجهيز المسبق اللازم قبل خروج الشخص ذي الإعاقة وعودته إلى المنزل؛ حتى يتم الانتقال بطريقة سلسة، دون تأثير سلبي على وضعه الخاص، وكذا على الأسرة التي تعاني من تبعات وجود شخص ذي إعاقة دون دعم أو تأهيل؛ ما قد يؤدي، أحيانًا، إلى التفكك الأسري، فيكون لذلك أثر اجتماعي تكلفته أكبر  وأخطر.

توفير الفريق متعدد التخصصات بالعدد الكافي، بحيث يستفيد كل ذي إعاقة من حصصه كاملة.

توفير التنقل اللازم للفريق المتعدد التخصصات.

توفير تدريب الأسر من أجل المواكبة.

توفير الوسائل والمعدات اللازمة للتأهيل، مثل؛ العلاج الطبيعي، والعلاج بالعمل، والعلاج بالترفيه، وغيرها من الوسائل التأهيلية اللازمة بالمنازل.

– وحتى يتأتى توفير مستوى المعيشة اللائق، والحماية الاجتماعية اللذين تنص عليهما المادة 28 من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهو “الحق في التمتع بمستوى معيشي لائق لهم ولأسرهم، بما في ذلك ما يكفيهم من الغذاء والملبس والمسكن، حيث تشير هذه المادة إلى  ضمان استفادة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعيشون في حالة فقر، وأسرهم، من المساعدة التي تقدمها الدولة لتغطية النفقات المتعلقة بالإعاقة، بما فيها التدريب المناسب، وإسداء المشورة، والمساعدة المالية، والرعاية المؤقتة”. ولتغطية الاحتياجات الأساسية لذوي الاعاقة، نشير إلى ضرورة تخصيص دعم مالي كافٍ يمكن الأسر من جعل الشخص ذي الإعاقة يستفيد من الانتقال إلى مراكز تأهيل تابعة للقطاع الخاص تخضع للرقابة، وتقدم خدمات وفق معايير جودة دولية، كما يجب أن يغطي هذا الدعم المالي المتطلبات الضرورية الآتية:

  • الغذاء و التغذية الخاصة.
  • بطاقة تامين طبي  (VIP)
  • الملبس واللوازم الشخصية.
  • السكن المعدل والأثاث بما في ذلك السرير الطبي والتجهيزات المنزلية الضرورية الأخرى.
  • المعدات والأجهزة والمستلزمات الطبية والتأهيلية.
  • مستلزمات العناية الشخصية.
  • الكراسي المتحركة اليدوية والكهربائية، بما فيها كراسي الوقوف ومنظومات الإجلاس المخصص  والرافعات.
  • السيارات ووسائل النقل وأجهزة تعديلها.
  • اجهزة التحكم عن بعد  بالبيئة المنزلية.
  • الأدوات والأجهزة المساعدة على التواصل للصم والبكم.
  • الأطراف الاصطناعية والأجهزة التعويضية وتقنيات التأهيل.
  • تأمين عاملات متخصصات ومدربات لرعاية ذوي الإعاقة.
  • توفير برامج تدريبية للأسر.
  • توفير تربية خاصة وتأهيل.
  • توفير علاج طبيعي ووظيفي وترفيهي وتمرينات علاجية.

وإننا، بكل تأكيد، نثمن المجهودات والحرص على تفعيل التوصيات المعتمدة في العالم نحو دمج ذوي الإعاقة أسريًا واجتماعيًا، وتبقى المقاربة الدامجة هي الأمثل؛ لأنه لا بديل عن الأسرة. إلا أنه معلوم أن اعتماد هذه المقاربة بالدول المتقدمة يتم في بيئة مهيأة ماديًا، واجتماعيًا، وصحيًا ،ورعائيًا، للدمج؛ ما يجعل هذه العملية ناجحة بامتياز، كما هو متوافر في الدول الإسكندنافية كدولة السويد، أو بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن تطبيق الدمج والتوصيات العالمية في هذا المجال بمملكتنا الحبيبة يستلزم توفر الشروط والبنية التحتية الملائمة، من أنظمة صحية واجتماعية واقتصادية وغيرها؛ حتى تتكلل عملية الدمج للأشخاص ذوي الإعاقة بالنجاح، وتتحقق الأهداف المرجوة من ذلك. وهذا يستلزم مزيدًا من الوقت والتريث في انتظار تهيئة البيئة الملائمة.

وإننا، نناشد حكومة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، حفظهما الله، بالتوجيه الكريم للتريث في تفعيل قرارات إخراج ذوي الإعاقة من مراكز التأهيل الشامل، لحين دراسة هذه القضية الحساسة التي تطال الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي فئة من مجتمعنا الحبيب لها حقوقها كباقي المواطنين، لكنها تعاني من الهشاشة وقلة الحيلة. هذه القضية التي يجب دراستها بمقاربة شمولية في جميع أبعادها الصحية والتأهيلية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك الأمنية الإنسانية، دراسة مسحية ميدانية وإستقصائية بطريقة علمية معتمدة، حيث يجب أن تغطي جميع الجوانب؛ كي تسهم في الخروج بتوصيات ناجعة تصب في مجال ضمان جودة الحياة، والعيش الكريم، لهذه الفئة، بمراعاة واقع الحال. ولن يتأتى هذا إلا بالتفكير في تبعات وتأثير ووقع إغلاق المراكز، تأثيرًا، إن على المدى القريب، أو البعيد، والتريث قبل اتخاذ الإجراءات الرامية لإخراج الأشخاص ذوي الإعاقة من هذه المراكز، وإعادتهم إلى الأسر، دون توفير البنية التحتية، والظروف الملائمة اللازمة لتأهيلهم ورعايتهم داخل الأسر.

والله الموفق،،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى