من”بنى سويف” إلى “جامعة هارفارد”.. حكاية باحث مصري اقترب من تطوير مواد فائقة التوصيل لتسهيل نقل الكهرباء والطاقة المتجددة
اقترب من تطوير مادة فائقة التوصيل الكهربائي عند درجة حرارة الغرفة, والده هو بطل قصة نجاحه, والعالم الراحل الكبير أحمد زويل قدوته بعد الرسول محمد صل الله عليه وسلم. أساتذته في مصر غرسوا البذرة ونضجها جاء بالتعليم الذاتي نشر قرابة 85 دراسة, وأبحاثه تم الاستشهاد بها 2200 مرة, يرى أن كليات العلوم مظلومة إعلاميًّا .. ويحزنه سعي طالب الجامعة للحصول على دروس التابلت حيث يتحول الطالب من متلقٍ إلى مشارك وتطبيقه بالتعليم يحتاج إلى صبر,فى تقييم مكتب التنسيق، لم يكن الطالب محمود عبد الحفيظ، ابن قرية “سدس” فى مركز “ببا” بمحافظة بنى سويف، من طلاب كليات القمة، حيث أهله مجموعه للالتحاق بكلية العلوم، التى تأتى فى المرتبة، ربما الخامسة، بين الكليات المفضلة للطلاب.
لكن عبد الحفيظ، الذى وقع فى غرام الكلية منذ وطئتها قدماه صنع الفصول الأولى من قصة نجاحه بتلك الكلية بجامعة الفيوم، ليصبح – حاليا – من الأسماء الشهيرة عالميا فى تخصص نادر وفريد فى علم الفيزياء، وهو المواد شديدة التوصيل الكهربائي.
البداية كانت فى بنى سويف، حيث تلقى التعليم الابتدائى والإعدادى والثانوي، وانتقل فى مرحلة التعليم الجامعى إلى جامعة الفيوم، حيث درس بكلية العلوم، وتفوق خلال الدراسة الجامعية وعين معيدا، وحصل على الماجستير من نفس الجامعة، ثم حصل على منحة للحصول على الدكتوراة من جامعة “دريسدن” بألمانيا، وبعد الدكتوراه كان له تواجد فى أكثر من جامعة، أثناء إعداد أبحاث ما بعد الدكتوراه، حيث علم لعام فى بلجيكا بجامعة لييج، وعمل بعدها لعامين فى الصين، ثم عاد إلى ألمانيا، حيث عمل بجامعة فرانكفورت لمدة ثلاث سنوات، ثم تقدم إلى وظيفة استاذ مشارك بجامعة هارفارد الأميركية وفاز بها بعد اجتياز أكثر من اختبار، وأثناء عمله فى هارفارد تقدم فى 2021 لمنحة ممولة من الحكومة السويدية بجامعة أوباسالا، والآن لديه عملين فى جامعة أوباسالا بالسويد وجامعة هارفارد بأمريكا.
يرى الدكتور محمود أن أى باحث سيوضع فى النظام بالخارج لابد أن ينجح، فالنظام يجبرك على ضرورة تطوير قدراتك لتصبح اليوم أفضل من أمس، فأصبحت أسعى لإضافة الجديد إلى حصيلة معارفي، فلا يمر يوم إلا وأكون قد تابعت محاضرة جديدة أو قرأت دراسة جديدة أو فصلا فى كتاب مهم.
كما يجبرك النظام على تنظيم يومك، فمثلا كان يومه يبدأ فى المعمل أثناء العمل على الدكتوراة بألمانيا فى السادسة صباحا، وهذا يعنى أنك يجب أن تنام مبكرا فى موعد لا يتجاوز العاشرة مساء.
الشغف بالعلم أول طريق النجاح
يؤكد الدكتور محمود عبد الحفيظ أن أى طالب لديه الشغف بالعلم سينجح، ولكن الطريق طويل ويحتاج صبرا وجهدا، فأنا عندما سافرت إلى ألمانيا أثناء منحة الدكتوراة قضيت ستة شهور فى تعلم اللغة فقط، وأخذت وقتا طويلا حتى أتأقلم مع الطقس المختلف والمجتمع الغريب عن البيئة التى عشت وتربيت فيها، ولكن نجاحى هذه التجربة أفادنى كثيرا، واكسبنى مزيدا من الرغبة فى تطوير الذات، وهذا ما دفعنى رغم الحصول على وظيفة ثابتة فى جامعة لييج أن أضحى بذلك، بعدما كان تقييمى لفترة وجودى بالجامعة أنها لن تضيف لى كثيرا، وسيكون يومى بها نمطيا، لذلك لم أتردد فى التقدم لاحدى الجامعات بالصين عندما علمت أنها متخصصة فى مجال تخصصى الرئيسى وهو “المواد شديدة التوصيل الكهربائي”، ولكن الاستمرار فى الصين لم يكن من طموحاتي، فقدمت على مشروع ممول من الحكومة الألمانية فى جامعة فرانكفورات وقضيت بها ثلاث سنوات، قبل ان انتقل منها إلى جامعة هارفارد ثم جامعة أوباسالا، فالإنسان يجب عليه ان يسعى عملا بقوله تعالى «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى»، وعندما يسعى سيسخر له الله سبحانه وتعالى أسباب النجاح التى يستحقها، فنصيحتى لأى طالب السعى وبذل الجهد وسيجبر ذلك الآخرين على احترامه وتقديره، فأنا الحمد لله الآن أصبح لى سمعة طيبة فى مجال تخصصي، فلا يوجد مؤتمر علمى فى المواد شديدة التوصيل الكهربائى إلا ويتم دعوتى له.
التخصص
التخصص العام للدكتور محمود هو دراسة الخواص الفيزيائية للمواد، خاصة التي توصل الكهرباء بطريقه فائقة، أي من دون أي فقد في الطاقة.
يقول: “المواد المستخدمة في الوقت الحالي لنقل الطاقة هي مركبات النحاس، وهو موصل جيد لكنه ليس فائقا؛ لذلك فإن الهدف الذي أسعى إليه هو الوصول إلى مادة فائقة التوصيل.
“والوصول لهذه المادة سيحدث ثورة صناعية في مجال الطاقة؛ فالعالم العربي -مثلا- لا توجد لديه مشكلة في الطاقة، ولكن في فقْد الطاقة، وهذا يحدث في كل المجالات”.
“سأعطيك مثالا يكشف عن قيمة الوصول لهذه المادة؛ القطار الكهربائي السريع في الصين، الذي يقطع 900 كيلومتر في الساعة، يصل لهذا المستوى من السرعة لأن قضبانه بها مواد فائقة التوصيل تمنع الاحتكاك بين العجلات والقضبان، لأن الاحتكاك يؤدي إلى فقد الطاقة، ولذلك تشعر كأن القطار لا يسير على قضبان”.
“والمادة التي نسعى للوصول إليها ستساعد في زيادة السرعة عن هذا المعدل، كذلك فإن الوصول لمادة كهذه يساعد في زيادة كفاءة التوصيل الكهربائي من محطات الطاقة الشمسية إلى المحطة الرئيسية، ويمنع مشكلة انقطاع التيار الكهربائي”.
أولى المحطات العلمية للدكتور محمود بالخارج كانت في ألمانيا، وحول هذه المحطة يقول: “التعليم الجامعي في ألمانيا يعتمد على تطوير مهارات الطالب المختلفة في كل التخصصات، عبر معرفة ميول الطلبة وتوجيههم بعد ذلك بمساعدة أهاليهم لما هو أفضل لهم من الناحية الدراسية والعلمية”.
“الحكومة الألمانية تولي اهتماما كبيرا بالبحث العلمي، ولذلك فإن حجم الميزانية السنوية المخصصة للبحث العلمي لم تتغير رغم الأزمة الصحية التي عرفها العالم بسبب فيروس كورونا”.
“وبعد نحو 10 سنوات قضيتها في الجامعات الألمانية أقول -وبكل ثقة- إن سر قوة تلك المنظومة روح الفريق والتعاون العلمي المثمر البنّاء بين أفرادها، إذ يتم تبادل الخبرات والمعرفة بين العلماء من جنسيات متعددة، وفي تخصصات مختلفة بمنتهى التناغم والشفافية العلمية”.
انتقل الدكتور محمود من ألمانيا إلى الصين لإكمال أبحاث ما بعد الدكتوراه، حولاختياره لهذه المحطة يقول: “الصين اليوم من أقوى الدول في العالم، وكانت محطة مهمة في حياتي العلمية؛ إذ تمكنت فيها من نشر أول أبحاثي بمجلة “نيتشر” (Nature) العريقة”.
“كما تعد الصين من البلدان الرائدة في بحوث فيزياء المواد، وتعلمت الكثير هناك فهي كانت فاتحة خير علي”.
“في ما يخص التعليم بالصين في العموم، فإن الحكومة الصينية تهدف إلى تسجيل نصف مليون طالب أجنبي في الجامعات كل عام، وهو رقم يبين إلى أي مدى تم وضع خطط لتعزيز الجامعات في البلاد، وتشجيع الطلاب الدوليين للدراسة في الصين”.
“العقبة الوحيدة التي واجهتها هناك كانت مشكلة اللغة في التعاملات اليومية التي تتم باللغة الصينية”.
أوجه التشابه والاختلاف في الدراسة بين ألمانيا والصين
وحول أوجه التشابه والاختلاف فى الدراسة بين ألمانيا والصين يقول: “من الصعب المقارنة بين بلدين مختلفين من حيث الانتماء الجغرافي والتاريخي والثقافي، غير أن هناك اختلافات جوهرية مثيرة بين ألمانيا والصين، ومن خلال تجربتي الشخصية سنسرد بعض النقاط”.
“هناك فرق من حيث حماية خصوصية حياة الأفراد ومراقبة الأماكن العامة؛ فعندما وصلت إلى شنغهاي، المدينة التي يزيد عدد سكانها على 24 مليون نسمة، استغرق الأمر مني بعض الوقت للتعود على نمط الحياة في الصين. فضلا عن ذلك فإن عدد سكان شنغهاي يفوق عدد سكان برلين سبعة أضعاف، ولذلك فإن حركة المرور بها مخيفة وسريعة جدا”.
“الاختلاف الجوهري الآخر بين ألمانيا والصين هو الموقف من كاميرات المراقبة. عندما سمع أصدقائي الألمان أن حتى حدائق شنغهاي، وهي أماكن للتجول والاسترخاء، تخضع كاميرات المراقبة، إذ وجدوا ذلك “مفاجئا” و”غير معقول”، فنظام المراقبة في الصين يرتكز على حوالي 570 مليون كاميرا”.
تجربة جامعة هارفارد
وعن تجربته فى جامعة هارفارد وهى من أقدم الجامعات في العالم، كما أنها إحدى أكبر الجامعات مساحة في العالم، وتُعد أيضا من بين الأفضل من حيث التجهيزات. يقول: “الوصول إلى جامعة هارفارد أمر صعب، لكنه ليس مستحيلا، والتحاقي بقسم الفيزياء أتى عن طريق إعلان وظيفي داخل القسم، ولكن الشروط كانت صعبة، غير أن التجربة التي اكتسبتها في الصين أهلتني لارتيادها”.
“سر نجاح هذه الجامعة يكمن في أعضاء هيئة التدريس؛ فالأساتذة هناك طيبون وودودون ومتاحون للطلاب، كما يعد حماسهم مكملا مثاليا لحماس الطلاب الذين يقومون بتدريسهم”.
عضويات أكاديمية
الدكتور محمود عضو بالأكاديمية العربية الألمانية الشبابية للعلوم والعلوم الإنسانية وأكاديمية موسكو للعلوم، فكيف انضم لتلك الأكاديميات؟ وكيف استفاد منهما؟. يقول: “انضمامي لأكاديمية موسكو للعلوم كان عن طريق ترشيحي من قبل هيئة التدريس بجامعة موسكو الدولية، التي اشتغلت بها سنتين”.
“ومن خلال عضويتي بالأكاديمية تمكنت من الظفر بمشروع بحثي علمي ممول من الحكومة الروسية لدراسة خواص المواد الفزيائية، واستفاد من هذا المشروع صغار الباحثين من الجانبين الروسي والعربي لاستكمال أبحاثهم”.
“أما عن عضويتي في الأكاديمية العربية الألمانية الشبابية للعلوم فالأبواب مفتوحة لكل الباحثين العرب الراغبين في الانضمام إليها”.
“هذه الأكاديمية تعد جسرا عربيا ألمانيا لترقية البحث العلمي في الوطن العربي عبر إقامة بحوث علمية مشتركة بين الباحثين الألمان والعرب، وتمويل برامج ترقية الثقافة العلمية أو المشاركة في المؤتمرات العلمية، وأنا أنصح الباحثين العرب بالانضمام إليها للاستفادة من خدماتها”.
نصيحة للطالب العربي
في الأخير، ينصح الدكتور محمود, الطلبة العرب الذين يرغبون في الدراسة بالصين والجامعات الغربية بصفة عامة, بـ “الاهتمام بدراسة اللغة الإنجليزية، ثم إن الدراسة بالخارج تستدعي اختيار المشرف الجيد ومجموعة عمل قوية في تخصص الطالب، مع ضرورة الاهتمام بجودة ومضمون وشكل المشروع البحثي، والاهتمام بتطبيقاته اﻷكثر نفعا للبشرية، والبعد عن الكم والعدد على حساب الكيف من أجل الشهادة أو الترقية العلمية”.
“أدعو أيضا الطلبة إلى بذل مزيد من الجهود في تطوير الذات؛ فمثلا ما درسته أنا في جامعة الفيوم وجدته غير ملائم تماما بالخارج، لأن هناك تطورا كبيرا حدث ولم يصلنا بعد”.
“وعلى الطالب أن يسعى لإقامة تعاون علمي مع زملائه في الجامعة ويتبادل معهم الخبرات ويحاول فتح قنوات خاصة بسيطة مع العلماء والباحثين في مختلف جامعات العالم؛ ليكون دائما على اطلاع مستمر على ما يحدث في مجاله”.